لن أهدف من خلال هذا المقال للتشديد على أهمية التعليم والتربية على وجه العموم فقد فعل ذلك عظماء مثل الرسول صلى الله عليه وسلم القائل:" من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع". وهذا مالكوم إكس جسد هذا الكلام مبينا دور التعليم في تحرر المجتمعات ونهوضها إذ يقول : "التعليم هو جواز سفرنا للمستقبل لأن الغد ملك لأولئك الذين يعدّون له اليوم". وهذا نيلسون مانديلا أيضا قال في ذلك: "التعليم هو أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم". لا يختلف أثنان أن التعليم هو العجلة التي تحرك هذا العالم وتزيده تقدما، سيما إذا كان التعليم عالياً ممنهجاً. يعد التعليم الأكاديمي أو العالي الممنهج الفاعل السبيل نحو التطور والرقي واللحاق بعجلة التغيير السريعة و المتسارعة في العالم وذلك لمواكبة التطورات من حولنا والتعامل معها والإستجابة لإفرازاتها في جوانب الحياة المختلفة واستثمارها في عملية البناء والتنمية الإجتماعية الشاملة في مختلف الميادين .
عندما يدور الحديث حول العلوم الإنسانية والإجتماعية فان أول ما يتبادر إلى الذهن هو علم الاجتماع، بيد أن مجال العلوم الإنسانية والإجتماعية أوسع وأشمل من أن يُختزل في موضوع واحد. إن المواضيع التي تقع تحت هذا العنوان مثل العلوم السياسية وعلم النفس ومواضيع أخرى متعددة من شأنها أن تساهم بالضرورة بفهم الواقع والحياة بشكل ممنهج وعلمي وتعتمد هذه المواضيع أو التخصصات على مبادئ علمية مثل التفسير والتعليل والحوكمة والتفنيد . أما العلوم التطبيقية فهي تعتمد أكثر على المبادئ التجريبة التطبيقية المختبرية المحضة مثل الطب والهندسة والعلوم التكنولوجية.
بات واضحا في الآونة الأخيرة أن الكثير من طلابنا يختارون مواضيع عملية تطبيقية، ويعود ذلك الى عدة عوامل أبرزها ترجيح ما يسمى " المتداول بالسوق" أو لأن فلاناً أو أحد الوالدين اختار موضوعاً معيناً من دون بذل الجهود الكافية لدراسة الإختيار الملائم للميول الشخصي من جهة وبما ينفع الأمة من جهة أخرى. هذا المقال لا ينتقص من أهمية العلوم التطبيقية كالطب والهندسة وإنما يسلط الضوء على ثغرات في فهمنا لتخصصات العلوم الإنسانية والإجتماعية لا سيما في ظل حكومة تعي مدى أهمية هذه التخصصات وإنعكاسها على بلورة القضية الفلسطينية.
لا يخفى على أحد واقع العلوم الإنسانية والإجتماعية في عالمنا العربي عامة وفي الداخل الفلسطيني خاصة. حيث تكاد تنعدم الإضافات الفكرية التي يزودها العرب بالرغم مما امتلكته أمتنا من تراث حضاري لا يمكن إنكاره. العلوم الإنسانية والإجتماعية تعتبر حجر الأساس للحوكمة السليمة للمنظومة الإنسانية إذ تساعد في تكوين البنية المؤسسية الحضارية وتساعدنا لفهم البشر ودراستهم ودراسة السلوك البشري وثقافاتهم المختلفة وعلاقاتهم بالمنظومات الأخرى. علاوة على ذلك فإن العلوم الإنسانية والإجتماعية تساهم في التنمية والنهوض والحفاظ على الهوية الوطنية والثقافية . سرعان ما أردنا أن ننفتح على العالم، فأخذ طلابنا بالتوافد على دراسة الطب والهندسة والعلوم التقنية كالسيل الجارف وبالتالي تخرجت أفواج كبيرة من "الخدماتيين" البعيدة عن المسار الفكري التطويري، فالمحرك الذي من شأنه أن يحدث التغيير المنشود في العالم هي العلوم الإنسانية والإجتماعية والتي تعتبر بمثابة المحرك الفكري للتغيير المجتمعي. هجرنا المواضيع الإنسانية والإجتماعية - والتي يطلق عليها أيضا تخصصات العمران البشري - حتى بتنا شبه عاجزين عن فهم الحراك الإقتصادي والإجتماعي والسياسي..... يتبع
[email protected]