العطل الصيفية، بالنسبة لوزارة المعارف، هي مهلة جيدة لعلاج النواقص في المدارس، وبخاصة في البنى التحتية، ورغم الأعمال المكثفة في هذه الفترة استعدادا للعام الدراسي القادم، تبقى شريحة هامة من الأطفال بمواجهة الخيارات المريرة، الخطرة وغير التربوية، التي تتعنت وزارة المعارف على التمسك بها، وذلك من خلال امتناعها عن توفير روضات الأطفال في القرى المعترف بها من خلال المباني المؤقتة ومحاولتها على إلزام حوالي 5 آلاف طفل تتراوح أعمارهم ما بين 3-6 سنوات، إلى السفر الطويل وغير الآمن يوميا إلى روضات خارج بلداتهم!
ساهمنا، في الأشهر الأخيرة، بطرح قضية عدم توفير الأطر التعليمية المخصصة لأطفال القرى غير المعترف بها في النقب على طاولة لجنة المعارف البرلمانية، ورغم ما بينّاه وأثبتناه من وجود طرق تتيح للأطفال إمكانية الالتحاق بالروضات بشكل لائق وسلس، إلا أن وزارة المعارف، التي يفترض بها أن تتحمل هي مسؤولية هؤلاء الأطفال وتبادر إلى معالجة القضية، تتعنت على بدائل لن تؤدي سوى الى مواصلة بحث لجان الكنيست لهذه المسألة لسنوات عديدة أخرى.
فوفقًا لزعم وزارة المعارف لا يوجد لأطفال القرى غير المعترف بها أمكنة للتعلم، لأن مناقصات التعليم الصادرة عن المجلسين الاقليميين القسوم ونافيه مدبار، اللذين يوفران الخدمات لهذه القرى، لا توفر روضات اطفال. ولكن المشكلة أكثر تعقيدا.
ففيما يتجاوز حقيقة النقص في روضات الاطفال، فإن المواقع التي يفترض ان تُبنى الروضات عليها لا تمكّن الاهالي من ارسال اولادهم اليها. توجد اليوم روضات اطفال في القرى الـ 11 المعترف بها المشمولة في المجلسين الاقليميين المذكورين، وفي نحو 10 قرى غير معترف بها تتلقى خدمات تعليم من المجلسين. اهالي الاطفال الذين يقيمون في القرى غير المعترف بها الـ 25 الاخرى ليس باستطاعتهم ارسال اطفالهم الى الروضات لأنها بعيدة جدا، واحيانا تتطلب السفر لمدة ساعة بكل اتجاه في طرق ترابية وعرة.
ان الخطوة التي تدفع بها وزارة المعارف لتوفير حل لهذا الوضع، هي بناء نحو 100 صف روضة اضافيّ، بالذات في تلك القرى التي تشمل اليوم روضات، ومن دون بناءٍ جديد في القرى التي تنقصها الروضات تماما. كذلك فهي ستخصص 50 مليون شاقل لسفر الاطفال من القرى البعيدة الى الروضات، ولهذا الغرض ستقوم حتى بتغيير انظمة الوزارة التي تمنع سفر اطفال تحت جيل 5 سنوات لاعتبارات متعلقة بالأمان.
هذا اقتراح يفتقر لأي منطق اقتصادي، تربوي او متعلق بالأمان.
من الناحية الاقتصادية، تستثمر وزارة المعارف منذ اليوم نحو 80 مليون شاقل سنويا في سفر أطفال القرى غير المعترف بها، الى مؤسسات التعليم في المجلسين الاقليميين القسوم ونافيه مدبار. انها منظومة سفريات غير مسبوقة من ناحية حجمها، ورغم هذا تسعى وزارة المعارف الى تضخيمها بشكل دراماتيكي.
من الناحية المتعلقة بالأمان، تمتنع وزارة المعارف حتى هذا اليوم عن تفعيل سفريّات لأطفال تحت جيل 5 سنوات ومن المستهجن جدا أن تختار وزارة المعارف خرق هذه القاعدة وإلزام أطفال دون الخامسة من أعمارهم إلى التنقل يوميا في الباصات غير الآمنة، وبالذات في أكثر الشوارع خطورة في البلاد، فكما هو معلوم، فإن الطرق الموصلة من وإلى القرى غير المعترف بها، تعتبر الأسوأ من ناحية البنى التحتية، وتفتقر لمحطات سفر منظمة وآمنة. ففي السنة الاخيرة وحدها دهست طفلة عمرها 7 سنوات من قرية الفرعة بواسطة سيارة النقل التي ترجلت منها.
من الناحية التربوية، هناك احتمال ضئيل جدا بأن ينجح أطفال في جيل 3 سنوات بالحفاظ على التركيز والاستفادة من نشاطات الروضة بعد تعرضهم لاهتزازات السفر الطويل وغير المريح من والى الروضة في الطرق الترابية الوعرة.
وامام اقتراح الوزارة العقيم، هناك بديل أوفر، أبسط وأكثر عدالة، وهو ما نحاول اقناع الوزارة باعتماده.
الحل الاكثر منطقية وانسانية لضائقة التعليم في النقب هي من دون شك اقامة مراكز خدمات حيوية مع صفوف الروضة الناقصة في القرى التي تفتقر لروضات اطفال اليوم. وعلى النقيض من الزعم الشائع بأنه لا يمكن استصدار تراخيص بناء في هذه القرى لافتقارها لخرائط هيكلية بلدية، فإن التعديل رقم 40 في المخطط الهيكلي الاقليمي يمكّن من وضع مبان مؤقتة لتوفير خدمات حيوية في القرى غير المعترف بها وهذه تمت إقامتها، وهي تنشط وتعمل في عدد من القرى. فبواسطة هذا التعديل سيكون بالإمكان اضافة روضات في المزيد من القرى. ويتوجب على وزارة المعارف ان تجمع الجهات ذات الصلة في مديرية التخطيط لدفع اقامة روضات اضافية بموجب ذلك المبدأ. هذا الحل سيكون الأرخص تكلفةً بالنسبة للدولة، الأكثر أمانا بالنسبة للأطفال، والأصح من الناحية التربوية. الآن، لم يتبق أمامنا غير مواصلة الضغوط على وزارة المعارف، وهو ما نواصل العمل الحثيث عليه، من خلال لجنة المعارف البرلمانية وغيرها من المواقع، ونرى أهمية خاصة إلى التحرك على كافة الأصعدة: جماهيريا، مهنيا، برلمانيا، قضائيا واعلاميا.
*عطية الاعسم هو رئيس المجلس الاقليمي للقرى غير المعترف بها، عوفر داغان هو مركـّز مشروع دعم المساواة في النقب في جمعية سيكوي.
[email protected]