بقلم: رجا خوري - عيلبون
اكل ابي قشور البرتقال عام ٤٨ حين هُجِّر الى المخيم في لبنان طفلاً, ناضل اهله فعاد الى بيته, ناضل ابي لأستطيع حضرتي الحصول على شهادة جامعية, وسأناضل حضرتي ليستطيع ابنائي العيش بكرامة.
نظرة لتاريخ البشرية تعلمنا ان الخنوع للظالم يزيده ظلماً وملاحقة, وان الشعوب التي رفعت رايتها البيضاء فإما هلكت واما لا تزال تحيى في ظل محتلها ذليلة. نظرة اخرى لتاريخ البشرية تعلمنا أن ليس هناك نظام أبدياً لا يزول، ظالماً كان أو عادل، مصيباً في رؤاه أم مخطئ.
علينا أولاً أن نتذكر أن الحكومات والأنظمة المختلفة ليست هي المباني، بل العقول المدبرة التي تديرها، والذين تنطبق عليهم جميع قوانين التصرف الإنساني، كما تنطبق على كل إنسان سار على هذه الأرض.
إن غرائز الإنسان أللأساسية بتفضيل النفس وحب السيطرة من جهة، والدفاع عن النفس وعدم القبول بالظلم من جهة أخرى، يحتمان وجود دورة لا نهائية، يتفوق فيها العدل على الظلم تارة، والباطل على الحق تارة أخرى.
هذه الغرائز كانت وستبقى الدافع الأول للتطور، والدافع للسعي وراء المال والسيطرة، وهي المحرك الأساسي لديناميكية العلاقات بين الشعوب، وهي الضمان لعدم استمرار السلام على الأرض وهي الضمان لعدم استمرار الحرب.
لكنها أيضا المادة الحافظة لقانون الغاب، والذي بموجبه يصرع القوي الضعيف اذا استطاع، ويدوس الغني الفقير حين تسنح الفرص، فمهما تغيرت أسماء الأنظمة ملكية، دكتاتورية، رئاسية، جمهورية وديمقراطية، قد تتطور الأساليب ويبقى الهدف ذاته. فالمسرح الروماني الذي بث دعاية روما السياسية في العالم، تطور لهوليوود الأمريكي للهدف ذاته. والأرينا الرومانية التي أشغلت الرومان عن عثرات حكامهم، تطورت لملاعب البيسبول الأمريكية للهدف ذاته. وصلب 6000 ثائر من أتباع سبرتاكوس عام 71 قبل الميلاد على مسافة 10 أميال من روما ألى مدينة "كاباوا" لبث الرعب في قلب كل من يحاول القيام على الإمبراطورية، تطورت لقنابل ذرية أمريكية ألقت على هورشيما ونكزاكي عام 1945 للهدف ذاته. وابتداع الحرب على بريطانيا عام 43 ميلادي للتخويف من المجهول ولكسب طاعة مواطني روما وللسيطرة على الموارد الطبيعية في بريطانيا، تطورت لاختلاق الحرب على العراق وأفغانستان للأهداف ذاتها. وسياسة الولايات المتحدة اليوم هي ذاتها سياسة الامبراطورية الرومانية, الا ان مسيرة نضال الضعفاء على مر العصور اجبرتها اعتماد صيغة دكتاتورية اكثر تهذيباً تدعى ديمقراطية.
الانجازات الصغيرة المتراكمة التي حققتها مسيرة النضال منحت الضعفاء حقوقاً وأقامت حواجز اجتماعية متفق عليها عالمياً تصعب على الاقوياء التجبر بهم.
علينا ان نتقبل الحقيقة ان الظلم والإقصاء هم تصرف سجي وطبيعي، وان الانسان لا يكتفي بتفضيل نفسه عن الاخر، بل ويسعى لاغتنام كل الفرص المتاحة رغم تفوقه الواضح.
شبه صديقاً لي ما أسلفت بلعبة لكرة القدم يكون فيها فريقاً متقدماً بهدفين على الفريق الآخر، وعلى الرغم من تفوقه سيسجل هدفه الثالث دون تردد إذا سنحت له الفرصة، وطالما لم يحول الفريق الآخر ضد ذلك.
علينا تقبل حقيقة الوجود الدائم لفرص التسديد، والوجود الدائم لمن سيحاول تسديدها إلى مرمانا، كي لا نمل من المحاولات الدائمة لصدها. وكلما ناضلنا خففنا وطأة القوي على الضعيف ونصبنا الحواجز امام مآرب الظُلَّام. وقد يكون نضالنا قليل التأثير أحيانا, وقد تكون حواجزنا هشة, إلا أننا مع كل انجاز بسيط نزيد التأثير ونرفع الحواجز.
اكل ابي قشور البرتقال عام ٤٨ حين هُجِّر الى المخيم في لبنان طفلاً, ناضل اهله فعاد الى بيته, ناضل ابي لأستطيع حضرتي الحصول على شهادة جامعية, وسأناضل حضرتي ليستطيع ابنائي العيش بكرامة.
[email protected]