كان لا بدّ لعلاقتهما أن تنتهي لأنّ العيش معًا لم يعُد يُطاق. فهو يُكثرُ من أذيّتها في كلِّ يومٍ يعودُ فيه إلى المنزل وهي لم تعُد تشعرُ نحوهُ بأيّ عطفٍ. كلاهُما يصرّان على الانفصال، وكلاهما أخذا يحلُمان بمستقبليهما بعيدًا عن حالة الزواج الأولى. لم ينتبه أحد منهما إلى ابن التسع سنوات. فلا رأيُهُ يهمّ، ولا أحلامُه، ولا مُستقبلُهُ. لم يكُن موجودًا بالنسبة لهما طيلة فترة النزاع، إلّا عندما احتاجا لشهادته أمام المحكمة. أرادا الطلاق بأيّ ثمن. أرادا الطلاق فكان هو الثمن.
في المرحلة الأولى الّتي تلت طلاق الأهل، يشعرُ الولد أنّه مشطورٌ إلى نصفَين. إمّا أن يُحازب أباه وإمّا أن يتبعَ أمّهُ. فهو في العمق يحبُّ الإثنين معًا. لكّنه غالبًا ما يصيرُ محطّ إهمالٍ أثناء سيرِ معاملات الطلاق وأحيانًا يصيرُ سلاح حربٍ. لا يعودُ الاهتمام إليه إلّا أثناء الصراع على الحضانة. فوالده يُرسل إليه الألعاب والمال ولا يترُكُه أبدًا، ووالدتُهُ تحتضنه وتحاولُ استمالتَهُ قدر المستطاع.
يشعُرُ الولد أحيانًا أنّهُ غير محبوبٍ. كأنّه لا يستحق التضحيّة. فلو كان محبوبًا لاستمرّ والداه بالعائلةِ من أجله. أم قد يشعرُ بالذنب ويعتقد أنّه لم يحاول بما فيه الكفاية كي يصالح والديه، وانفصالهما كان بسببه.
أمّا في الأحداث المفصليّة من الحياة اللاحقة فالقلق يكون سيّدُ الموقف. ما أقسى على الولد حفل تخرّجهِ ويوم زواجه! مناسبات فرحهِ تصيرُ له سبب الإحراج. البعض يفضّلُ عدم دعوتهما أصلًا. فكابوس طلاق الأهل يتبعُهُ في كلّ مراحلِ حياته.
أكان الولدُ مؤمنًا أم لا فسيخرُجُ من المعركة مكسورًا ومجروحا. وكثيرًا ما يواجهُ من مَرَّ في أزمة طلاق الوالدَين أزمات إيمانيّة كبيرة. فهو يلوم الله على ما حلّ بعائلتهِ. أمّا البعض فلن يؤمن أبدًا بالمؤسّسة الزوجيّة بعد الآن، وسيزرعُ فيهِ اختبارهُ الخوفَ من الالتزام، ولن يؤمن بعدها لا بسرّ الزواج ولا بديمومتهِ. فلا بُدَّ من مرافقة الأولاد بعد الطلاق المرافقة النفسيّة والروحيّة في الوقت عينهِ. بعض الخبرات تؤكّد أنّ رحلة الإيمان تُساعدُهُ لاحقًا في تخطّي الألم والصعاب.
في النهاية لا بدّ من أن نُشير إلى أنّ حاجة الإنسان الأساس هي أن يكونَ محبوبًا. وليس من يمنحُ الحبَّ للإنسان إلّا الحبّ الحقيقي والأعظم يسوع. ومن كان ضحيّة طلاق والديه فحاجتهُ أن يكون محبوبًا لن تُلبّى إلّا باختباره لحبّ الربّ يسوع. من هُنا ضرورة انتمائه إلى رعيّة أو جماعة تُساعدُهُ على اكتشاف الحبّ الكامل.
عل صعيدٍ آخر، لا نُريد لمحاكمنا الروحيّة أن تَفرغَ من الإنسانيّة وإلّا فلا تُسمّى بروحيّةٍ بعد اليوم. قد تُنسيها روتينيّات العمل القضائي أنّ للطلاق ضحايا صغيرة مُحطّمة ومُجتمعٍ بائسٍ يتألّفُ خلفهُ. لا تنزعنّ عنها مسؤوليّة الحُكمِ في مصلحة الأولاد أوّلًا، ومرافقتهم لاحقًا، وتأمين المسيرة الروحيّة الشافية لهم أخيرًا.
[email protected]