في هذه الفترة من فصل الشتاء ,وبعد كل موجة أمطار تكثر جولات محبي الطبيعة وينتشر الكثيرون من المواطنين العرب بشكل خاص في الحقول وبساتين الأشجار المثمرة بحثا عن الفطريات الغذائية , فترى السهول القريبة من البلدات العربية تعج بالشباب والرجال وأحيانا جميع أفراد العائلة , يسيرون بالوحل وبيد كل واحد منهم دلو او كيس , يحدقون في الارض يبحثون عن الفطريات (الفطاريش) الأكلة الشعبية الشائعة في المجتمع العربي في هذا الموسم.
و"الفطاريش" أو "الفقع"أو المشروم (Mushroom)أو عيش الغراب جميعها مسميات للفطريات الغذائية، وقد عرفت من قديم الزمن كغذاء ودواء وتوجد منها أنواع وأشكال وألوان مختلفة وتتميز بقيمتها الغذائية العالية ومذاقها اللذيذ.
وعيش الغراب أو المشروم ، هو فطر مثمر ينمو فوق الأرض. حيث توجد أصناف كثيرة من الفطريات اللحيمة، التي تشبه المظلة في شكلها. وتنمو بكثرة في الغابات ومناطق الأعشاب ، وقد كان العلماء في الماضي يعتبرون الفطريات الأخرى نباتات غير خضراء. أما اليوم فينظر إلى الفطريات باعتبارها مملكة مستقلة في عالم الأحياء. تختلف عن النباتات الخضراء في كونها لا تحتوي على الكلوروفيل، وهو المادة الخضراء التي تستعملها النباتات في صنع الغذاء.وبدلا من ذلك تعتمد في حياتها أساسا على امتصاص المواد الغذائية من النباتات الحية أو الآخذة بالتحلل في البيئة المحيطة. وهناك نوعان من الفطر: الفطر السام والفطر الصالح للأكل.
وقد أثبتت التحاليل أن الفطر رغم أنه من المنابع الجيدة والقيّمة للبروتين والفيتامينات والأملاح، إلا أنه يعد فقيراً في المواد الكربوهيدراتية مقارنة بالأنواع النباتية الأخرى كالحبوب والبطاطا والتفاح، لأن هذه الكربوهيدرات لا تشكل سوى 3.5 إلى 5.2% من وزن الفطر، بينما تبلغ نسبة هذه الكربوهيدرات في القمح مثلاً 60 إلى 70%، كما أن الفطر فقير ،كذلك، بالمواد الدهنية التي تتراوح بين 0.01 إلى 0.2%. إضافة إلى كل ذلك فإن الفطر يحتوي على العديد من الانزيمات المهمة التي تساعد على عمليات الهضم وقد أثبتت التحاليل أن عدد هذه الأنزيمات يصل إلى حوالي 24 إنزيماً، كما يحتوي على مواد تعد من فاتحات الشهية وتحسين حالتها، وهذه المكونات تجعل الفطر غذاءً متكاملاً ولكن أهميته لا تعود إلى ذلك فقط بل تتعدى إلى اعتباره بمثابة الدواء، فنظراً لاحتوائه على مجموعة فيتامينات «بي» فإنه يحمي الجسم من التهابات الجلد والأغشية المخاطية والأمعاء والتي تنتج عند نقص هذا الفيتامين في الجسم كما أن حمض الفوليك الموجود به يحمي الجسم من فقر الدم أو الأنيميا. ووجود الكولين به يحمي الجسم من تراكم المواد الدهنية ويمنع نزيف الكلى وتضخم الطحال الذي ينتج عن نقص هذه المادة، بالإضافة الى مواد يجري البحث عنها حول العالم في فطر عيش الغراب مضادة للسرطان، وخصوصاً بعد فصل مضاد حيوي يدعي Neblarine الذي يستخدم في علاج الأورام السرطانية والوقاية منها.
وفي دراسة حديثة كشفت نتائجها أن تناول الأطعمة الغنية بالنحاس مثل الفطر يساعد على استعادة أداء القلب الطبيعي في حالات الإصابة بتضخم القلب. كما أن بحثا آخر جرى في الولايات المتحدة أشار إلى أن زيادة تناول الأطعمة منخفضة الطاقة مثل الفطر عيش الغراب تمنع الإصابة بالبدانة وتقوي جهاز المناعة.وهناك فطر الخميرة الذي يستخدم في صناعة الخبز والنبيذ والحلوى والكثير من الصناعات الميكروبية الهامة.
أنواع الفطر الصالح للأكل
من أهمّ أنواع الفطر الصالحة للأكل: البوتون: ويسمّى أيضاً الشامبنيون الفرنسي الذي يمتاز بلونه الأبيض، وقمته الكرويّة، أما الجزء السفلي منه فقصير، وهو الفطر الأكثر إنتاجاً على مستوى العالم، حيث هناك العديد من المزارع الخاصّة به، فهو بحاجة إلى ظروف خاصّة لنموه، مثل تنظيم درجة الحرارة، والمحافظة على مستوى رطوبة معيّن، ممّا يتطلب أساليب تكنولوجيّة متطورة تكلّف المال.
الأويستر: وهو فطر أبيض، ولكنّ شكله غير منتظم كالبوتون، يعيش هذا النوع في المناطق الاستوائيّة ، وينتشر في إفريقيا، ولكنّ تتم زراعته في أوربا أيضاً.
الفولفاريلا أو الفطر الصيني: ينتشر في الصين، وباقي دول جنوب شرق قارة آسيا، ويمتاز بقمعه المنحني الرفيع، فهو لا يكون محشواً كما في البوتون، والجزء الذي يشبه الساق فيه طويل ورفيع.
فطر تريكولوما ماتسوتاكي: يعيش هذا الفطر على شكل مستعمرات، جزؤه السفلي قصير وسميك، وقمته كبيرة ومسطحة، وهو من الفطريات البريّة، وموطنه الأصلي هو الصين، ويعيش غالباً في غابات الصنوبر، ويفضّله سكان الصين ويأكلونه طازجاً أو بعد تجفيفه.
فطر العسل: فطر صغير، يميل لونه للبني، وجزؤه السفلي طويل ورفيع، وقمته صغيرة، غير محشوة، ويتركّز اللون البني في منتصفها، له نكهة مميزة عن باقي أنواع الفطريات ويستخدم غالباً في تحضير صلصات المعكرونة، ويعيش في الغابات الكثيفة، وله رائحة مميزة تشبه رائحة العسل.
الفطر النفاث: يعيش في المروج والغابات ينمو في أواخر الصيف وأوائل الخريف، وهو كبير الحجم بالمقارنة مع باقي أنواع الفطريات يتراوح قطره ما بين عشرة سنتيمترات وسبعين سنتيمتراً، وفي بعض الأحيان يصل إلى مئة وعشرين سنتيمتراً، ويكون بوزن عشرين كيلوغراماً، ويمكن تمييز نضجه من لونه، فهو أبيض قبل النضج، وبني مخضر بعد النضج، ويمكن استخدامه في الطبخ، وفي الطب.
فطر المحارى: يمتاز هذا النوع بسهولة إنتاجه، فيمكن ترتبيته على نشارة الخشب، وبذلك يشكّل مصدراً للبروتين في الدول الفقيرة، وسمي بذلك كونه يشبه جسم المحار، وهو ينمو بشكل جانبي ، ويترواح قطره ما بين خمسة سنتيمترات وخمسة وعشرين سنتيمتراً، ولكنّه يشبه إلى حد كبير الفطر الشبحي، وهو فطر سام يعيش في اليابان وأجزاء من أستراليا.
أنواع الفطر السام
مقابل القيمة الغذائية العالية ولطعم اللذيذ للفطريات يجب التأكيد على أن هناك أنواعا سامة من الفطريات يجب الحذر منها ، وعمليا فإن عدد الأنواع السامة أكثر بكثير من الأنواع الصالحة للأكل ،أهمها:
1- أشد أنواع الفطر سمية اسمه العلمي نيتافاللويدس ، وينمو في الغابات والأحراش وله رأس أخضر اللون وخياشيم بيضاء ويشبه الكأس. يسبب الوفاة للإنسان والحيوان بعد أكله ببضع ساعات .
2- الفطر الأحمق واسمه العلمي أمانيتافايرنا وهو سام جداً وخطورته تكمن في أنه يشبه الفطر الصالح للأكل لأن الخياشيم بيضاء. والفطر من جنس Amanita (الأمانيت) يحتوي على حوالي 600 نوع من عيش الغراب بها أنواع سامة ومعروفة وقد وجدت في معظم أنحاء العالم. وأنواع هذا الجنس السامة هي المسؤولة عن ما يقرب من 95 ٪ من الوفيات الناجمة عن التسمم الفطر. وهذه الأنواع تفرز أقوى أنواع السموم القاتلة وهي السم "ألفا – أمانيتين α-amanitin".
3- الفطر الشيطاني واسمه العلمي بولتيس ساتاناس ينمو في الغابات وفي الأراضي المفتوحة أيضاً وهو سام وخطير.
4- فطر الذبابة واسمه العلمي أمانيتا موسكاريا، سام جداً وتناوله يؤدي الى التسمم والإختلال العصبي وهو يستعمل في إنتاج المبيدات الحشرية، وقد كانت بعض القبائل البدائية تستخدمه في طقوس وعادات قبلية ويؤدي الى الهلوسة واختلال الجهاز العصبي والى الإدمان وهو من الفطريات الجميلة من حيث الشكل ويستطيع ان يميزه الإنسان بسهولة ويتقي شرّه.
-5 فطر المروحة الذي يشبه المروحة الجميلة وهو أشد أنواع الفطر سمية وهو أكثرها جمالاً ويسمّى "الملاك القاتل".
6- الفطر المتوهج الذي يضيء ليلاً بسبب الفوسفور الذي يحتوي عليه وتحتوي هذه المجموعة على آلاف الأنواع بعضها سام جداً والبعض الآخر غير سام ولا توجد طريقة نظرية لمعرفة السام من غير السام إلا بالتحليل الكيميائي في المختبر، وقديماً كانوا يعرفون النوع السام ببعض الأدلة مثل تغييره للون البصل أو الحليب أو الأواني الفضية الى اللون الأسود.
ومن أكثر من مئة نوع فطريات سامة توجد ثمانية أنواع سامة لدرجة أنها تسبب الموت وأكثرها خطراً هو فطر جالارينا سوليس الذي ينمو على الخشب ويموت من يأكلها بعد 7- 15 ساعة من تناول فطرة واحدة منها. ويعتبر فطر الأمانيت أكثر الأنواع سمية والموت المؤكد بنسبة 90٪ من حالات التسمم بهذا الفطر.
كذلك فإن هناك إمكانية لأن يتحول الفطر غير السام في مراحل نموّه الأولى الى فطر سام عندما يصل الى درجة النضج التام. وهناك أنواع فطر لا تكون سامة إذا تمّ أكلها نيّئة في حين تتحوّل الى سامة بعد طبخها، كذلك فإن هناك بعض الأنواع السامة التي تفقد سميتها بعد الطبخ.. ومن الأهمية بمكان التأكيدعلى أن الأطفال أكثر حساسية للفطريات السامة وقد يكون تناول كمية قليلة من الفطر السام مميتاً، لذلك يجب على الأولاد تجنب أكل الفطر النيء في البراري وتجنب أكل كميات كبيرة من الفطر المطبوخ.
أما أعراض التسمّم فتختلف بحسب سمّية الفطر وقد تظهر في بعض الأنواع السامة على شكل إنهاك شديد وصداع ودوخة وتقيّؤ. وأحياناً تظهر بعد نصف ساعة، وأول أعراض التسمم ببعض المجموعات السامة الإسهال الحاد وكثرة التبوّل والعطش الشديد والتقيّؤ وآلام في البطن وفي بعض الحالات يتبع هذه الأعراض إصابة باليرقان ومتاعب في الكبد تنتهي أحياناً بالموت، وفي حالات أخرى يظهر قصور في عمل الكلى، واحمرار الوجه والجسد وارتفاع النبض.اما العلاج المستخدم لإبطال مفعول سم الفطريات فهو بالأدوية المهدّئة للعضلات وببعض أنواع الڤيتامينات وأهم شيء في العلاج هو تقديم الدعم للكليتين للمحافظة عليهما في أداء وظيفتهما.
وبما أنه ليس هناك قاعدة عامة يمكنها أن تساعد في تمييز أنواع الفطر السامة من الأنواع غير السامة، لذلك يجب التيقّن من أن نوع الفطر الذي نشتريه هو من النوع المرخص أو العودة الى المختصين الذين أصبحوا ذوي خبرة علمية وعملية بالفطريات وأنواعها.
كذلك يجب مراجعة الطبيب وبسرعة عند ظهور أول أعراض التسمّم وتعريف الطبيب المعالج بكل التفاصيل وجلب كمية من الفطر الذي تمّ أكله كي يساعد ذلك في معالجة المصاب من خلال معرفة نوع الفطر السام والذي بحسبه يعرف الطبيب ما هي المادة السامة وما هي المضاعفات المرضية التي تسببها وما هو الدواء المناسب والفعّال.
[email protected]