برك من الدماء وجثث مشوهة ومشاف تغص بالجرحى .. تلك هي المشاهد التي سادت الاحياء التي تسيطر عليها الفصائل المقاتلة في حلب، بعد ان امطرتها الطائرات السورية والروسية بوابل من القنابل والصواريخ.
وشاهد مراسل وكالة (فرانس برس) في احد المشافي القليلة المتبقية في الجزء الشرقي من المدينة جرحى ممددين على الارض بسبب النقص في عدد الاسرة.
وقال الطبيب احمد الذي فضل عدم الكشف عن هويته واسم المشفى خوفا من استهدافه بالقصف "ان الجرحى يموتون امام اعيننا فيما نحن عاجزون".
ويالكاد يسمع صوت الطبيب وهو يعمل وسط رجال واطفال يصرخون من الالم، وقد تمدد معظمهم على الارض التي صبغتها دماء الضحايا باللون الاحمر.
وشاهد المراسل جريحين على الاقل في الثلاثينات يلفظان انفاسهما، فيما تجمعت تحت سريريهما بركتان كبيرتان من الدم.
ويضيف الطبيب "ليس بوسعنا فعل شيء لهم خاصة للمصابين بالرأس. نحن بأمس الحاجة للدماء والامصال ونفتقر الى المتبرعين".
ولم يبق في حلب الشرقية سوى ثلاثة او اربعة مشاف لا تكفي لاستقبال مئات الجرحى وغالبيتهم بحالة حرجة مع استمرار القصف بوابل من القنابل والصواريخ، خصوصا بعد اعلان الجيش السوري بدء عملية واسعة الخميس.
وقال الطبيب احمد ايضا "لقد استقبلنا 60 جريحا في ساعات الصباح وحدها"، مضيفا "لقد اضطررنا الى القيام بعمليات بتر كثيرة لابقاء الجرحى على قيد الحياة لاننا عاجزون عن معالجتهم".
وعلى أحد الاسرة، ينظر فتى مصاب بصمت الى يديه المغبرتين والملوثتين بالدماء، في ما يشبه صورة الطفل عمران المذهول بعد ان اصيب بغارة على حلب، والتي تصدرت اخبار كل وسائل الاعلام العالمية في اب (اغسطس) الماضي.
وبدا الالم على ملامحه عندما قام احد الممرضين بتنظيف وجهه من آثار الدماء. وفقد هذا الطفل شقيقه الاصغر الرضيع في الغارة نفسها.
ورافق مراسل (فرانس برس) الاب والام والفتى وشقيقته الى منزلهم الذي دمرته الغارة في حي باب النيرب.
وقال الوالد نزار لدى دخوله المبنى "كنا في المنزل عندما سقط صاروخ في شارعنا".
واضاف وهو يحاول ان يحبس دموعه "لقد انهار نصف البناء واصيب رضيعنا في رأسه وفارق الحياة على الفور".
وعلى الارض وضع جثمان الرضيع بعد ان لف بغطاء من الصوف.
واضاف بإقتضاب "اني انتظر ان يحفر اقربائي له قبرا"، مشيرا الى انه لم يدع أمه تشاهده بسبب الجرح في رأسه.
والمأساة طالت احياء اخرى غير حي باب النيرب. ففي حي بستان القصر، كان نساء ورجال واطفال يصطفون من اجل شراء اللبن الذي يندر الحصول عليه كباقي الاطعمة في هذه الاحياء المحاصرة منذ شهرين، عندما استهدفتهم غارة اسفرت عن مقتل سبعة اشخاص على الاقل.
وشاهد مراسل الوكالة بركا من الدماء واجسادا من دون اطراف واشلاء بشرية في المكان الذي كانت تنبعث منه رائحة الدم بقوة. كما كان بعض الجرحى لا يزالون ينتظرون من يضمد جراحهم او ينقلهم الى ما تبقى من المشافي.
ونال القصف العنيف من بنايات كاملة وسواها بالارض، ليحولها الى كتل من الركام، وشوهدت اعمدة كهرباء محطمة على الارض مع سيارات مدمرة او محروقة ما يشهد على عنف الغارات.
ووقف المارة القلائل ينظرون بذهول الى الابنية المدمرة والشرفات المنهارة والنوافذ المحطمة ويحدقون في السماء لرصد اي طائرة قد تنذر باستئناف القصف.
وشوهدت سيدة تمر امام منزل سوي بالارض ومعها فتاة كانت تحمل سجادة تكاد تكون اطول منها بعد ان سحبتها من ركام بنايتها.
وفي كل مكان، بدت الشوارع وقد ابتلعتها الانقاض حتى كادت تختفي.
وفي حي الكلاسة، قال محمد فيما كان يقوم بازالة الانقاض بيديه بحثا عن عمه "لقد جاء الدفاع المدني لانقاذه لكن وقعت ضربة ثانية واصيب ستة من المتطوعين. لقد رحلوا جميعا".
[email protected]