ما حدث في باريس وفي بروكسل، وحتى في تركيا، إرهاب لا مبرر له ، ولا يمكن قبوله، إرهاب مرفوض لما يتدفق منه من وحشيّة وجريمة، وقتل للأبرياء.
وما يحدث هنا، في الضفة الغربية، وعلى الشوارع، يختلف عمّا حدث ويحدث هناك، هناك إرهاب لا يمكن الدفاع عنه، على العكس عمل مُدان ومرفوض، ولكن هنا مقاومة، ومُقاومة مشروعة، سياسيا وأخلاقيا، محليّا وعالميّا، مقاومة لإنهاء احتلال، رغم كل حجج نتنياهو وادعاءاته: "أن الإرهاب الذي ضرب هناك هو الإرهاب الذي يضرب هنا"،حتى لو دعم نتنياهو حججه بتأييد إيباك وكل المنظمات اليهوديةفي أمريكا وفي غيرها، وبكل سخافات المرشح الجمهوري ترامب، وبفيتوات أمريكا وأباطيل ممثل إسرائيل وأمريكا في مجلس الأمن ، وبكل اما أُعْطي من قوة تشويه وتظليل، لا يُقنِع عاقلا أن ما يحدث هنا إرهابا، قد يقنع أبْلها يسير في ذيل قافلة نتنياهو، أو مُتعامٍ لا يرى من الغربال لأنها مقاومة، ومن حقّ الشعوب أن تسعى لطرد الاحتلال، أيا كان نوعه، أو لونه، أو هويّته.
كبف نُقنع طفلا في الضفة الغربيّة، أن يوما فوق الأرض أفضل من ألف يوم تحتها، وهو يرى أمّه تقتل بلا ذنب، ولا يرى أبوه لأنه مُعْتقل، وأخته إذا حملت مقصّا، وأخوه يُقتل وهو جريح مُمدد على الأرض، وجاره يحكم عليه ميدانيا بالقتل، والجنود يشجّعون، والسلطة تتجاهل هذه الجرائم وتمر عليها بمكافأة القاتل وتجريم القتيل ونعته بالإرهابي، والأمثلة على ذلك كثيرة، طالما ذكرناها، ولا مجال لذكرها مرة آخرين ولا يتجاهلها إلا عنصري مأجور، أبله، لا يرى ما تحت الشمس.
هنا. ليس إرهابا، هنا مُقاومة..ومشروعة، ومقاومة شريفة لها ما يبررها، لها مبدأ، إنهاء احتلال، وهدف وطني، وإنساني. ومن حقّ الشعوب أن تقاوم الاحتلال، والغطرسة وسلب الأرض، وضياع الوطن. الكلّ منّا يذكر خطاب تشرشل رئيس وزراء بريطانيا، ردّا على اعتداءات النازيين حين قال لشعبه بما معناه: سنقاتل بالحجر، بالزجاج، وإن لم يبق حجارة أو زجاج ، بالعشب سنقاتل.
لا يذكر التاريخ أن شعبا أقام الأفراح والليالي الملاح احتفالا بالاحتلال إن من حقّ الشعوب أن تقاوم، والمقاومة وسيلة لاسترداد حقّ، وإن تخللها عنف، العنف هنا لا مناص منه، ليس هدفا بحدّ ذاته، وقتل الأبرياء مؤسف، كانوا من كانوا، ولكن مثل هذا العنف هو وسيلة، العنف، هو الذي يبقى القضية الفلسطينية حيّة، مع أنه لم ولن يحلّها.
هل الاحتلال ينوي إعطاء شيء؟؟ منذ ما يقارب نصف قرن، ماذا تتأمل الأجيال وهي تعرف نوايا الاحتلال، صارت هذه الأجيال تفضّل الهجرة إلى تحت الأرض على البقاء في ظل المهانة والغطرسة والاحتلال، ماذا لدى يتأمله أسير لعقود، وبلا ذنب؟
ماذا لدى فتى يعيش الظلم والجنود فوق رأسه وخلفه وأمامه وعلى عتبات بيته. بماذا يمكن أن يحلم؟؟ ماذا ينتظر فتى أبوه يضرب عن الطعام في سجون الاحتلال، وبلا تهمة؟؟
أثبتت إسرائيل لشعبها أولا، وللشعوب العربية، وللعالم صحة مقولة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر: إن ما أُخِذ بالقوّة لا يسترد إلاّ بالقوّة"
الانتفاضة الأولى ، بقوّتها أوصلت الطرفين إلى أوسلو، واعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير، لكنها أثبتت مرة ثانية أن القوّة هي الوسيلة الوحيدة، حتى لو استنفذت كل الأسلحة الهزيلة التي تمتلكها المقاومة، ولو تبنّت المقاومة سياسة اللاعنف، وسارت في دروب السيد المسيح والمهاتما غاندي ومارتن لوثر كينج ونلسون مانديلا وكل ملائكة اللاعنف.
هناك غير الإرهاب الداعشي إرهاب منظّم، هو إرهاب الجيوش ،إرهاب الاحتلال وما يقوم به في الضفة الغربية من إعدام ميداني تحت حماية السلطة، وبتغطية منها، وبتشجيعها ،وبحمايتها، ومن قتل للأبرياء أطفلا وكبارا في غزة، حين تسقط على الأطفال قنابل الطن ونصف الطن، وهم في أسِرّتهم، وحدث قبلة في بحر البقر، وقانا، وصبرا وشتيلا..والأمثلة أكثر من أن تحملها الذاكرة.
إن ما يقوم به هنا جيش الاحتلال، لا يقلّ إرهابا عن الإرهاب الداعشي في أوروبا ،وفي كل مكان
هناك إرهاب...وهنا مقاومة...
وشتان ما بين المقاومة والإرهاب.
[email protected]