شاب فلسطيني يشارك في مظاهرة صاخبة، بالقرب من جامعة بير زيت.يهاجمه أربعة مستعربون متنكرون، احدهم يطلق النار عليه فيصيبه برأسه: محمد زياده 19 سنه، ينطق بصعوبة، تخونه ذاكرته، مشلول جانبه الأيمن.
جدعون ليفي وأليكس ليبك
هآرتس - 20215/11/13
من يريد أن يرى كيف تبدو الأمور هناك، وليس هنا، عليه أن يزور كافيتريا المستشفى التأهيلي في بيت جالا،ربع ساعة سفر من أورشليم، هذا هو بيت ليفنشتاين الفلسطينيي، تديره منظمة خيريّة، ويعتبر أفضل مؤسسة تأهيلية في الأراضي المحتلّة، يعالج قلّة من ضحايا الأسابيع الأخيرة. يصل إليه فقط من "حُيِّدوا" ولحسن حظّهم النسبي: لم يُقْتَلوا، اولم يُعْتَقلوا( أو اعْتُقِلوا وأطْلِق سراحهم) "فقط" أُصيبوا إصابات بالغة فتحوّلوا إلى عاجزين مؤقتا أو بشكل دائم.
تعكس الكافيتريا الحياة في الأراضي المحتلّة أفضل من أي استطلاع للرأي العام: قاعة واسعة، على جدرانها ثلاثة أجهزة تلفزيونات كبيرة، تنطلق منها الصور المؤلمة التي لا يرغب الإسرائيليون رؤيتها، ولا يكفّ الفلسطينيون عن رؤيتها. واقع نتيجة مظاهرات صاخبة وكبت وحشيّ وعنيف.واقع من جنائز وصفير سيارات إسعاف، ببثّ مباشر، دون توقّف، أعمدة دُخانٍ، غاز مسيّل للدموع، إطلاق نار، جرحى، قتلى. هذا الواقع تبُثّه محطة "فلسطين اليوم" من الميدان.
قليل من هذه الأحداث التي تُذاع هنا، بدون تنسيق، يصل إلى التلفزيون الإسرائيلي الذي يتعامل فقط مع مُصابي الطعن أو الدهس. حيثما تدير نظرك في الكافيتريا تصطدم بالواقع المتراقص على الشاشات الواسعة، أو الذي يُدار من على الكراسي المتحركة بالعجلات، أو النقّالات، أو أسرّة المرضى التي تساق إلى الكافيتريا وعليها فتيان ربما لن يتمكّنوا من السير أبدا ، أو من النطق. هنا يقضي أقرباء المصابين أيّامهم،
مذهولين من المناظر المؤلمة التي تظهر على الشاشة، حين يصارع أبناؤهم على تأهيلهم، من الصعب أن تخرج من هذا المكان غير مُبالٍ.
بعد قليل سيدخل إلى هنا محمد زياده، إننا ننتظره في الكافيتريا، بعد انتهائه من العلاج الطبيعي، سيدخل برفقة أبيه، عثمان، الذي لم يترك المكان، منذ أكثر من شهر ومحمد نصف إنسان، أو يمكن القول أنه إنسان كامل، لكن بنصف رأس، عمره 19 سنة، من قرية بيتيلو، قرب رام الله، حاول في السنة الأخيرة أن يدخل جامعة بير زيت، لم يُقْبَل بسبب علامات البغروت، معدل 59 .
قرر والده أن يفتح له دكانا لأدوات كهربائية، ليعيش منها، لكنّ ابنه ظل يتخبّط، وفكّر أن يُحسّن علاماته ليدخل الجامعة، أراد أن يتعلم الحقوق، هكذا يقول لنا والده، حين كان ابنه عند المعالِج الطبيعي، كان التلفزيون يعلن عن مظاهرة صاخبة أخرى في الخليل، يعلو منها دُخان أسود، ويحاول الجنود إخمادها.
هكذا كانت المظاهرة التي قررت مصير زياده، يقول أبوه أنّه يوم الأربعاء 7 تشرين الأوّل، ذهب زاده لشراء بضاعة للدكان، التي لم تفتتح بعد، حسب أقوال الأب، انجرف ابنه في المظاهرة الصاخبة لطلاب جامعة بير زيت، مقابل مستوطنة بيت إيل والحاجز القريب منها، ربما انجرف أو ذهب ليتظاهر مع أصدقائه، كانت مظاهرة كبيرة، ويوم صاخب في الأرض المحتلّة، خاصّة بالقرب من حاجز بيت إيل. اعلنت وزارة الصّحة الفلسطينية عن 100 جريح فلسطيني، عشرة منهم برصاص حيّ.
دخل إلى الكافتيريا على كرسي متحرك يقوده والده. حُطام إنسان: يده اليمنى مخلوعة، مشلولة، نَدْبَةٌ في رأسه من الأمام حتى الخلف، يغطّي معظمها شعرُه المتشابك، في الجانب الأيسر من رأسه، علامتان لثقبين ملْتَحِمَيْن، كلامُه مُتْعَب وبطيء، فمه مُلْتوٍ قليلا، ذاكرته تخونه أحيانا، يقول والده إنه لا يعرف جميع مَنْ يأتي لزيارته، نقّالات تدخل وتخرج، ينقل تلفزيون "فلسطين اليوم" صورا عن البورصة وعن سوق الكرمل في تل أبيب.
من الصعب استيعاب المعنى المثير للمُصْطلح السائد "تحييد" إزاء منظر هذا الشاب المشلول. ومع ذلك حالته أفضل نسبيّا – كان يُمْكِن أن ينتهي بشكل آخر، أكثر سوءا. يقول انه بعد أن اشترى بعض القطع الكهربائية للدكان، اتّجه إلى مكاتب الجامعة في بير زيت ليسجل لسنة تحضيريّة وعندها صادف أن التقى بالمظاهرة، يقول أنه صادف المظاهرة، لكن يمكن الشكّ في ذلك – ربما ذهب عن قصد ليشارك في المظاهرة.فجأة تقدّم نحوه أربعة أشخاص ملثمين،بَدَو كالمتظاهرين، ألقَوا حجارة كالمتظاهرين، تكلموا لغة عربية مثلهم. أخذوا يضربونه ليسيطروا عليه حتّى ألقوه أرضا، يقول انه كان مستغربا ومفاجَأ، حاول المقاومة، ضربوه بالمسدس على رأسه، كي يسيطروا عليه،وعندها، يقول، وهو ملقى على الشارع، أطلقوا رصاصة واحدة على الجانب الأيمن من رأسه. على صدغه، خرجت الرصاصة من مؤخرة رأسه، كما يبدو لكي يتمموا عمليّة "التحييد". تليفونه المحمول يُظْهر الصور: يحمله ثلاثة جنود، كأنه كيس ( والده يسأل"هكذا يحملون جريحا؟")، هنا هو ملقى على الشارع المليء، أمام سيارة جيب لِ ج.د.ا. ، وبجانبه فتى آخر أحمد حمّاد من سلواد، جُرِح وأٌلقي القبض عليه، حمّاد لا زال في المُعْتقل.
نقله الجنود إلى معسكر قريب، بعدها نقلته سيارة إسعاف عسكريّة إلى مستشفى هداسا عين كارم، وصل فاقد الوعي، أُجْريت له في هداسا عمليّة برأسه، وبعدها كان مُعْتقلا لمدّة خمسة أيّام، كان مربوطا من يديه ورجليه إلى سريره، ولم يُسْمح لوالديه اللذين وصلا في اليوم الثاني برؤيته، حسب أقواله جرى التحقيق معه في غرفته في المستشفى، وقد ضربه المحققون خلال التحقيق معه، بعد أن ادّعى أنه لا يتذكّر شيئا.
بعد خمسة أيّام وصل محاميه إلى المستشفى مع أمْر بإطلاق سراحه من المُعْتقَل بدون كفالة أو شرط، وقد انصرف الحرّاس، وفي اليوم الثاني نُقِل من هداسا إلى مستشفى في رام الله. وبعد أسبوع نُقِل إلى المؤسسة التأهيليّة في بيت جالا.
يقول الناطق باسم ج.د.إ. معقبا: "عملت القوّة العسكريّة إزاء إخلال جماعي بالنظام العام، وقدّموا إسعاف أولي للمصاب الذي كان في مُقدّمة المخلّين بالنظام العام، ونقلوه إلى المستشفى، وصل الجريح محمد زياده إلى المستشفى السلعة 7.10 ، بعد يومين بدأت الشرطة العسكريّة بالإشراف عليه، ولا زال الموضوع قيد التحقيق في ج.د.ا. وستُفْحَص النتائج".
يُعالج زياده في غرفة رقم 305 في الطابق الثالث من المستشفى، يصعدون إليه على الأرجل، بطريق لولبي يلائم الكراسي المتحركة بعجلات، والنّقّالات، وأسرّة المرضى، الحيطان مطْليّة بالأخضر، مع لوحات لمناظر بحرية وقوارب شراعية، معه في الغُرْفة أربعة مرضى، جميعهم مشلولون بصورة أو أخرى، يرفعه والده من الكرسي المتحرك إلى السرير، يخلع له حذاءه، ويساعده على الاستلقاء، يقول بعد الانتهاء من علاج التأهيل الذي قد يمتد لأشهر، سيعود لدكانه، وسيحاول مرّة أخرى دخول الجامعة، بعد ذلك يُصافحنا بيده اليُسرى – اليُمْنى مشلولة - ويبتسم لنا ابتسامة مُغْتصبة، بنصف فَمٍ ملتو.
ترجمة : أمين خير الدين
[email protected]