الثقافة الجنسية موضوع كثيراً ما تحدث عنه المختصون في مجالات متعددة؛ مثل التعليم والصحة وغيرهما من التخصصات المعنية بهذا الشأن، ولا يزال الكثير من الآباء والأمهات يبدون بعض القلق والتحفظ على ما يمكن أن يحدثه مثل هذا الحديث من إثارة الفضول لدى الأطفال، أو ما هو العمر المناسب للبدء في توضيح مثل هذه الحقائق للأطفال، ومن الذي يجب أن يقدم هذه المعلومات، وأيضاً كيفية شرحها، بحيث تحقق الهدف الرئيس؛ وهو تربية الأطفال على الأسس العلمية للقيم والمفاهيم الصحيحة، وأيضاً المساعدة في حمايتهم من التعرض لأي من أشكال التحرشات والاعتداءات الجنسية، التي باتت تشكل الهاجس الأكبر في حياة الآباء والأمهات والجمعيات المعنية بشؤون الطفل والأسرة.
الحالة:
الرسالة التالية اخترتها من بين مجموعة من الرسائل، وصلتني من عدد من الآباء والأمهات، تسأل كلها عن الموضوع نفسه؛ وهو الثقافة الجنسية، وكيفية التعامل مع أسئلة الأطفال المحرجة، وأيضاً متى يجب أن يبدأ الأهل في التعامل مع هذه الأمور الدقيقة.
«أم عمر» تقول إنها في كثير من الأحيان تواجهها مجموعة من الأسئلة من ابنها البالغ من العمر 4 سنوات، يسألها عن أمور متعلقة بالعلاقات الحميمة، وتجد صعوبة في كيفية التعامل معه، خاصة أنها أمّ لطفلين؛ لأن والدهما يعمل خارج البلد، الأمر الذي يجعلها تبحث دائماً عما هو الأفضل لولديها، وتقول إنها دائماً ما تسمع عن الثقافة الجنسية للأبناء، وهي لا تعرف ما هو العمر المناسب للبدء في شرح مثل هذه الأمور لهما، كما أنها لا تعرف كيف توصل المعلومة بعيداً عن إثارة الفضول لدى الطفلين، خاصة أن الأساليب القديمة لم تعد تصلح لأطفال هذا العصر، الذين يتمتعون بقدرات أعلى، ولديهم طرق كثيرة للحصول على المعلومات، سواء كانت صحيحة أم مغلوطة.
الإجابة:
معك كل الحق في إثارة هذا الموضوع الحيوي؛ للحد من الكثير من السلبيات الناتجة عن ضعف المعرفة بتلك الأمور، والتي أدت إلى ارتفاع معدلات الطلاق، أو إلى عزوف الكثير من الشباب من الجنسين عن الزواج، وما قد يشكله ذلك من خطر على تكوين المجتمع وبناء الأسرة.
وهنا اسمحي لي بأن أوضح عدة أسس جوهرية تتعلق بموضوع التربية الجنسية:
أولاً: من الأفضل تسميتها «التربية الجنسية»، وهي تشمل معنى أكثر شمولية من موضوع الثقافة؛ لأنها تعنى بكل نواحي الحياة الجنسية والصحة الجنسية للفرد، وأيضا للزوجين؛ ضمن إطار المعلومات الطبية الصحيحة، ولا تقتصر فقط على ما يحدث بين الزوجين، فهي تشمل الجوانب الخاصة؛ من شرح الاختلافات في التكوين الجسدي والنفسي للذكر والأنثى، وأيضاً ما يتعلق بجوانب الاهتمام بالنظافة الشخصية للفرد، وآليات حماية الأعضاء الحميمة، سواء الداخلية أو الخارجية، من أي إصابات أو اعتداءات، كما تشتمل على توضيح الفروق المتعلقة بالجوانب الإنجابية وآلياتها، ما يساعد الإنسان من كلا الطرفين على سهولة تكوين الرابطة الزوجية، والمحافظة على حق الفرد في المتعة الحلال، وفي دراسة قامت بها «د.كاثي واتسون»، في جامعة شرق أسكتلندا، قارنت متانة الرابطة الزوجية لمن تلقوا ثقافة جنسية، مقارنة بالشريحة التي لم تتلق أي معلومات، وجدت الباحثة أن هناك ترابطاً وإشباعاً عاطفياً واستمرارية أفضل لدى من تلقوا هذه المعلومات، مقارنة بباقي العينة من طلبة المرحلة الثانوية.
ثانياً: السؤال عما هو العمر المناسب للبدء في تطبيق مثل هذه البرامج يختلف من مجتمع إلى آخر، ويجب أن تبدأ الأم في تعويد الطفل أولاً ومن عمر مبكر على احترام خصوصية الأعضاء الحميمة؛ وذلك بعدم ارتكاب بعض الأفعال غير المقصودة؛ مثل: السماح للطفل بالاستحمام مع والديه، أو الاستحمام مع إخوته، مهما كان عمرهم، وفي البداية من المهم أن تبدأ الأم في تدريب نفسها على الإجابات من مصادر علمية موثقة، ويكون العمر المناسب للطفل في السنوات الأولى، عندما يبدأ في طرح الأسئلة، بحيث تكون مستعدة ولا تنهر الطفل، أو تكذب؛ في محاولة لتغطية شعورها بالخجل أو الخوف من المعرفة.
ثالثاً: من الذي يمكن أن يقوم بتقديم مثل هذه المعلومات للطفل؟ في بعض الأحيان وقبل سن المدرسة، تجد الأم أنها غير مهيأة لذلك، وقد يكون أحد أفراد الأسرة أكثر قدرة على إيصال المعلومة، ويجب أن يُراعى أن تكون المعلومات المقدمة للطفل بسيطة، ويسهل توضيحها على بعض الرسومات من الطبيعة، ويمكن أن تكون إحدى القريبات، مثل العمة أو الخالة، أكثر قدرة من الأم، وهنا يجب أن تتشارك الأم معها في إجراء مثل هذا الحوار مع الطفل، ثم يأتي دور المعلم أو المعلمة في توصيل المعلومات ضمن النشاط المدرسي، وبصورة بعيدة عن أسلوب الإثارة، أو التقليل من أهمية الإجابة عن كل تساؤلات الأطفال، بحسب عمرهم العقلي.
رابعاً: من الأمور الجوهرية شرح كيفية انتقال العدوى للأمراض الجنسية، بصورة تجعل المراهق يستفيد من المعلومات المعروضة؛ لحماية نفسه من خطر المغامرة في التعرض لمثل هذه الممارسات الخطيرة، مع مراعاة التأثير القوي للنموذج الذي يؤثر في الطفل في مراحل نموه المختلفة، فعادة ما يستجيب الشباب للنموذج «القدوة» أكثر من الاستجابة للأبوين واللذيْن يمثلان السلطة لدى المراهق في هذه المرحلة العمرية الحرجة.
خامساً: من المهم التعرف على ما لدى الطفل من معلومات حصل عليها من أي مصدر، ومعرفة كيفية تصحيح هذه المعلومات الخاطئة بأسلوب غير منفر للطفل، ومن دون أي معاقبة له لمفاهيمه الخاطئة، مع تكرار المعلومات الصحيحة بعدة طرق؛ حتى يستوعبها الطفل.
سادساً: الوضع الأمثل أن يشترك الأبوان معاً في توضيح المعلومات للطفل، خاصة في مراحل الطفولة الأولى، أما ما يتعلق ببعض الموضوعات الحساسة للمراهقين، فمن الأفضل أن يكون أحد الأبوين (الأم مع البنات، أو الأب مع الأولاد) بتوضيح وشرح هذه المسائل بصورة محايدة وبطريقة علمية، من دون أي «شخصنة» للوضع المتعلق بالمراهق، كما يجب التوقف لفترة وإعادة السؤال عن أي استفسارات لدى المراهق.
نصيحة
التربية الجنسية التي يعتبرها البعض «شرّاً لابد منه»، هي أساس مهم لبناء قدرات ومفاهيم الفرد في المجتمع حول أسس الحياة الاجتماعية والزوجية، مما يحقق للفرد وبالتالي الأسرة، الاستقرار، وهي بمثابة «تدريب على مهارات الحياة المشتركة» للجميع، ذكوراً وإناثاً، في أي مجتمع إنساني.
[email protected]