موقع الحمرا الأربعاء 27/08/2025 22:56
القائمة
  • أخبار محلية
    • الرامة
    • المغار
    • عيلبون
    • دير حنا
    • سخنين
    • عرابة
  • اخبار عالمية
  • رياضة
    • رياضة محلية
    • رياضة عالمية
  • تقارير خاصة
  • اقتصاد
  • مقالات
  • مطبخ
  • صحة وطب
  • مجلة الحمرا
  • جمال وازياء
  • تكنولوجيا
  • فن
  • ستوديو انتخابات 2022
أحدث الأخبار
  1. الرئيسية/
  2. مقالات وخواطر/
  3. من الصمت إلى الصوت: إصلاح التعبير الشفوي في التعليم الابتدائي د. أحمد كامل ناصر/

من الصمت إلى الصوت: إصلاح التعبير الشفوي في التعليم الابتدائي د. أحمد كامل ناصر

نشر بـ 27/08/2025 17:45 | التعديل الأخير 27/08/2025 17:46
من الصمت إلى الصوت: إصلاح التعبير الشفوي في التعليم الابتدائي د. أحمد كامل ناصر

يُقال إنّ الكلمة هي الجسر الأول الذي يعبره الإنسان نحو العالم. ومن دونها، يبقى العقل أسيرًا لصمته الداخلي، يختزن الأفكار والمشاعر دون أن يجد لها منفذًا. لهذا كان التعبير الشفوي في حياة الطفل أشبه بالمفتاح السحري الذي يفتح له الأبواب نحو ذاته أولًا، ثم نحو الآخرين من حوله. ولكن إذا تأملنا واقع مدارسنا الابتدائية اليوم، سنجد أن هذا المفتاح غالبًا ما يُترك مُهمَلًا في الزوايا، بينما تُسلّط الأضواء على الحفظ والاستظهار وحشو العقول بالمعلومات الجاهزة. وهكذا ينشأ الطفل وكأنه وعاء يُملأ بالمضامين، بدل أن يكون كائنًا فاعلًا قادرًا على إنتاج الكلام والفكر معًا.

أيها المعلمون/ات الأعزاء، حين نُصغي إلى أحاديث الأطفال في ساحات المدارس أو في بيوتهم، ندرك كم يملكون من طاقات حقيقية للتعبير العفوي، وكم تختزن مخيلتهم من صور وحكايات وأسئلة. لكن ما إن يدخلوا قاعة الصف حتى يتغير المشهد تمامًا: يُطلب منهم أن يجلسوا في صمت، أن يستمعوا أكثر مما يتكلموا، أن يكرّروا ما يُقال لهم بدل أن يبدعوا ما يختلج في نفوسهم. إننا، دون أن نشعر، نقمع بذور الحرية الأولى في أرواحهم، ونسكت أصواتهم الناشئة تحت ذريعة النظام والانضباط. والنتيجة أن يتخرج الطفل من المرحلة الابتدائية وهو ضعيف القدرة على صياغة جملة صحيحة، أو مرتبك إذا طُلب منه أن يعبّر عن فكرة أو موقف بسيط.

إنّ الحاجة إلى إصلاحات جذرية في مجال التعبير الشفوي داخل التعليم الابتدائي في بلادنا لم تعد قضيّة ثانويّة، بل أصبحت ضرورة وجودية. فالعالم الذي نعيش فيه اليوم لم يعد يقوم على المعرفة الملقّنة وحدها، بل على القدرة على التواصل والإقناع والمشاركة في الحوار المجتمعي. وفي سوق العمل، كما في الحياة العامة، يبرز دائمًا ذلك الذي يعرف كيف يُصوغ أفكاره بوضوح وثقة. وإن كنا نريد أن نؤسس جيلًا قادرًا على مواجهة المستقبل، فعلينا أن نعيد النظر في هذه المهارة المبكرة التي تُزرع في سنوات التعليم الأولى.

قد يقول قائل: أليس المهم في هذه المرحلة أن يتعلم الطفل القراءة والكتابة والحساب؟ بلى، تلك كلها مهارات أساسية، لكنها لا تكتمل من دون التعبير الشفوي. فالقراءة تغذي الفكر، والكتابة توثقه، أما التعبير الشفوي فهو الذي يمنحه الحياة والحركة. إنّ الطفل حين يقرأ نصًا ويُطلب منه أن يشرحه، أو حين يُسأل عن رأيه في قصة استمع إليها، أو حين يُعطى الفرصة ليحكي ما عاشه في بيته أو شارك فيه مع أصدقائه، فإنه يتدرّب على الربط بين الفكرة واللغة، بين المعنى والصوت، بين ذاته والعالم. وهذا التدريب ليس تمرينًا بسيطًا، بل هو لبّ العملية التعليمية ذاتها.

لكنّ الواقع يخبرنا بعكس ذلك. فما زالت الحصص المخصّصة للتعبير الشفوي في كثير من المدارس شكلية، تُملأ بأسئلة نمطية محفوظة سلفًا، يجيب عنها التلاميذ بجُمل قصيرة متعثرة، وكأن المطلوب فقط إكمال الدرس لا أكثر. والمعلم نفسه، بحكم تكوينه أو ضغط المناهج، قد لا يجد الوقت أو الوسائل الكافية لتشجيع الحوار الحرّ بين التلاميذ. وهكذا تبقى حصص التعبير الشفوي فقيرة، لا تترك في ذهن الطفل سوى صورة باهتة عن النشاط، بدل أن تكون لحظة انطلاق نحو فضاء أوسع.

إنّ إصلاح هذا الوضع يتطلّب أولًا إعادة الاعتبار لفكرة أنّ التعبير الشفوي ليس نشاطًا ثانويًا بل محورًا أساسيًا. ومن هنا يبدأ السؤال: كيف يمكن أن نجعل الطفل يتكلم بحرية، ويفكر بصوت عالٍ، ويحوّل لغته إلى مرآة صافية تعكس ذاته؟

الجواب يكمن في جملة من الإجراءات التربوية والفكرية. أولها أن يتغيّر دور المعلم نفسه: لم يعد مقبولًا أن يظل المعلم هو المتحدث الوحيد في الصف، بل يجب أن يتحول إلى منشّط للحوار، إلى منسق يُوزع الكلمة بين التلاميذ، إلى مُحفّز يثير الأسئلة أكثر مما يقدم الأجوبة. إنّ المعلم الذي يعرف كيف يُصغي للتلميذ، ثم يلتقط من حديثه بذرة فكرة ليطوّرها، هو الذي يفتح أمامه الطريق نحو الثقة بالنفس.

وثانيها أن يُعاد تنظيم المناهج لتفسح مجالًا حقيقيًا للتعبير الشفوي، لا مجرد دقائق في آخر الحصة. على الطفل أن يجد نفسه كل يوم تقريبًا أمام لحظة يُدعى فيها إلى الكلام: أن يصف شيئًا رآه، أن يحكي قصة قصيرة، أن يعبر عن شعوره تجاه حدث ما، أن يشارك في لعبة حوارية أو مسرحية صغيرة. هذه الممارسات اليومية هي التي تُراكم الخبرة وتبني ملكة التعبير بالتدريج.

أما ثالثها، فهو إدخال الأنشطة الإبداعية التي تحوّل الصف إلى فضاء حيّ. فالتمثيل والمسرح التربوي، على سبيل المثال، وسيلتان عظيمتان لتشجيع الأطفال على النطق والتعبير. حين يقف الطفل أمام زملائه ليمثل دورًا بسيطًا، فإنه يتجاوز خوفه، ويتعلم كيف يختار كلماته، وكيف يوصل المعنى بصوته وحركاته. وكذلك الأمر مع العصف الذهني، حيث يُطرح موضوع ويُترك للتلاميذ حرية اقتراح حلول وأفكار. إنّ مثل هذه الأنشطة لا تُنمّي التعبير الشفوي فحسب، بل تزرع فيهم أيضًا روح التعاون والتفكير النقدي.

ولن نغفل دور التكنولوجيا الحديثة. فإذا كانت الهواتف الذكية والوسائط الرقمية قد أصبحت جزءًا من حياة الأطفال اليومية، فلماذا لا نوظفها في المدرسة بشكل إيجابي؟ يمكن للمعلم أن يطلب من التلميذ تسجيل مقطع صوتي يصف فيه شيئًا، أو أن يشارك في حوار عبر منصة مدرسية مغلقة. مثل هذه الوسائل تعطي التلميذ حافزًا جديدًا ليستخدم لغته في سياق واقعي.

لكنّ الإصلاح المنشود لا يقتصر على الجانب البيداغوجي وحده، بل يتجاوزه إلى البعد الثقافي والاجتماعي. إننا نعيش في مجتمعات عربية تعطي للكلام وزنًا كبيرًا، فالخطابة والشعر والبلاغة من صميم تراثنا. ومع ذلك، فإننا نغفل عن تدريب أبنائنا في المدرسة على فنون الكلام نفسها التي صنعت مجد أسلافنا. كيف نفسر هذا التناقض؟ كيف نُربي جيلًا يفتقر إلى مهارة الخطاب، بينما كان أجدادنا يفاخرون بفصاحتهم؟ هنا بالضبط تكمن المفارقة التي ينبغي أن تدفعنا إلى التحرك.

إنّ المطلوب إذن ليس فقط إصلاحًا إداريًا أو تعديلًا في الكتب، بل ثورة هادئة في العقلية التربوية. ثورة تجعلنا نؤمن بأنّ الطفل قادر على التفكير والإبداع، وأنّ دورنا هو فقط أن نتيح له الفرصة. كم من طفلٍ صامت في الصف، يخجل من الكلام، قد يكون في داخله شاعر أو خطيب أو مفكر صغير، لكنه يحتاج إلى من يحرره من قيود الخوف والروتين.

والإصلاح لا يكتمل من دون إشراك الأسرة كذلك. فالبيت هو المدرسة الأولى، وما لم يكن الأهل على وعي بأهمية الحوار مع أطفالهم، فسيظل الجهد المدرسي منقوصًا. على الآباء والأمهات أن يفتحوا المجال لأبنائهم ليحكوا، ليسمعوا منهم بدل أن يفرضوا عليهم الصمت الدائم. إنّ الدرس الذي يتعلمه الطفل في البيت سينعكس بالضرورة في المدرسة.

ولعلّ أكبر ما نخسره اليوم من إهمال التعبير الشفوي هو إضاعة فرصة بناء شخصية قوية وواعية. فالطفل الذي يُدرَّب على الكلام منذ صغره، يصبح شابًا قادرًا على طرح أفكاره في الجامعة، وعلى الدفاع عن نفسه في المجتمع، وعلى المشاركة الفعالة في الحياة السياسية والاقتصادية. أما الطفل الذي يُحرم من هذه المهارة، فسيظل مترددًا، عاجزًا عن إيصال ما يجول في خاطره، حتى وإن كان ذكيًا ومجتهدًا.

لقد آن الأوان لنكفّ عن التعامل مع التعليم الابتدائي وكأنه مرحلة بسيطة لا تستحق الكثير من الجهد. الحقيقة أنها المرحلة الحاسمة التي يُبنى عليها كل ما يأتي بعدها. فإذا لم نتدارك فيها ضعف التعبير الشفوي، فلن نستطيع إصلاحه بسهولة في المراحل اللاحقة. ولذا فإن الدعوة إلى إصلاحات شاملة في هذا المجال هي دعوة إلى إنقاذ مستقبل أجيال كاملة.

إذا كانت المدرسة فضاءً لتكوين المعارف، فهي أيضًا، وربما بالدرجة الأولى، فضاء لتكوين الإنسان. والإنسان لا يُقاس بما يحفظه من معلومات بقدر ما يُقاس بقدرته على التعبير عنها ومناقشتها وتوظيفها في حياته اليومية. لهذا يصبح التعبير الشفوي ليس مجرد مادة تعليمية، بل فلسفة تربوية شاملة، تحوّل الصف من مكان لتلقي الأوامر إلى ساحة للحوار الحي.

إنّ من يتأمل في سلوكيات أطفالنا يلاحظ أنهم قادرون على التحدث لساعات عن ألعابهم، عن أبطالهم الخياليين، عن مغامرات صغيرة عاشوها، أو حتى عن مشاعرهم البسيطة. لكن حين يُطلب منهم أن يتكلموا في سياق مدرسي، يختفي ذلك الاندفاع ويحل محله الصمت والتردد. لماذا؟ لأن المدرسة لم تهيئهم بعد ليشعروا بأنّ الكلمة حقّ طبيعي لهم، وأنها ليست اختبارًا أو امتحانًا، بل وسيلة للتواصل الصادق. الإصلاح هنا يبدأ بإزالة الخوف من الخطأ، لأنّ الخوف هو العدو الأول للتعبير. لا بأس أن يخطئ الطفل في صياغة جملة، المهم أن يجرؤ على المحاولة. فالثقة بالنفس هي البذرة التي تسبق الإتقان.

ولا يخفى أنّ التعليم في مجتمعاتنا العربية كثيرًا ما كان مرتبطًا بفكرة السلطة: سلطة المعلم، سلطة الكتاب، سلطة الامتحان. وهذا جعل الطفل يرى الكلام في الصف وكأنه مخاطرة، لأن كلمة غير دقيقة قد تجلب عليه ملاحظة قاسية أو سخرية من زملائه. لذلك فإنّ الإصلاح المطلوب يجب أن يشمل أيضًا المناخ النفسي داخل الصف: مناخ يتقبل التنوع، يرحب بالخطأ باعتباره خطوة نحو التعلم، ويكافئ الجرأة على الكلام أكثر مما يكافئ الصمت المطيع.

ومن زاوية أخرى، فإننا بحاجة إلى إعادة النظر في معايير النجاح نفسها. فطالما ظل النجاح في التعليم الابتدائي يقاس بالدرجات والاختبارات الكتابية وحدها، سيبقى التعبير الشفوي نشاطًا ثانويًا. يجب أن يصبح جزءًا من التقييم الحقيقي، بحيث يُقدَّر الطفل على قدرته على شرح فكرة، أو رواية قصة، أو مناقشة مسألة. إنّ تحويل التعبير الشفوي إلى معيار أساسي يعيد له مكانته الطبيعية كأداة للتعلم لا تقل أهمية عن القراءة والكتابة.

ولنأخذ مثالًا حيًا من واقع بعض التجارب العالميّة. في كثير من المدارس الأوروبية، يُطلب من الطفل منذ الصف الأول أن يشارك أسبوعيًا في "دائرة الحوار"، حيث يجلس التلاميذ على شكل حلقة، ويُعطى لكل واحد منهم بضع دقائق ليتحدث عن أي شيء: حدث في بيته، مشهد رآه في الطريق، قصة قرأها. الغرض من هذه الممارسة البسيطة هو أن يتعلم الطفل أنّ الكلام حق له، وأنّ أفكاره مهما بدت عادية فهي تستحق أن تُسمع. تخيّل لو أننا طبقنا مثل هذه الممارسة في مدارسنا بانتظام، كم من شخصية قوية ستنشأ؟

ولكي ينجح هذا الإصلاح، لا بد من تكوين المعلمين تكوينًا خاصًا في هذا المجال. فالمعلم الذي لم يتلقّ هو نفسه تدريبًا على تقنيات التواصل والحوار، لن يكون قادرًا على نقله إلى تلاميذه. ولهذا يجب أن تتضمن برامج إعداد المعلمين وحدات خاصة حول فنون الخطابة، إدارة النقاش، استخدام الأسئلة المفتوحة، وتشجيع التفكير النقدي. بل إنّ الأمر يتطلب أحيانًا أن يتعلم المعلم كيف يسيطر على لغته الجسدية ونبرات صوته ليكون قدوة في التعبير.

ومن الإصلاحات الممكنة كذلك أن يُعاد تصميم الفضاء المدرسي نفسه. فالصفوف التقليدية التي تُرتب فيها المقاعد في صفوف مستقيمة أمام اللوح أو الشاشة الذكيّة تُكرس أحادية الاتجاه: معلم يتكلم وتلاميذ يستمعون. أما إذا أعدنا ترتيب المقاعد في شكل دوائر أو مجموعات صغيرة، فسيتحول المشهد إلى حوار جماعي. المكان نفسه يمكن أن يكون عاملًا مساعدًا على إطلاق الكلمة أو كبحها.

ولعلّ من المثير للتفكير أنّ التعبير الشفوي ليس مجرد مهارة لغوية، بل هو أيضًا مدخل لصقل قيم إنسانية. حين يتحدث الطفل في الصف، فهو يتعلم أن يُصغي لغيره، أن يحترم الدور، أن يختلف بأدب، أن يطرح سؤالًا بدل أن يفرض رأيًا. وهكذا يصبح النشاط اللغوي تدريبًا على الديمقراطية الصغيرة، يمارسها الأطفال في حياتهم اليومية. فإذا أردنا أن نؤسس مجتمعًا يقدّس الحوار، فعلينا أن نبدأ من مقاعد التعليم الابتدائي.

وهنا يبرز سؤال آخر: ما علاقة التعبير الشفوي بالإبداع؟ الحقيقة أنّ العلاقة وثيقة جدًا. فالإبداع يبدأ من القدرة على تخيل صور جديدة وصياغتها بالكلمات. الطفل الذي يُدعى ليخترع قصة قصيرة من وحي خياله، أو ليصف مشهدًا لم يره أحد سواه، هو طفل يتعلم كيف يبتكر. وإنّ أكبر خطر على الإبداع هو القوالب الجاهزة التي نُرغم الأطفال على تكرارها. لذلك يجب أن نمنحهم مساحات للخيال الحر، حيث لا يُحاسبون على صحة القواعد النحوية بقدر ما يُشجعون على أصالة الفكرة.

أما في مجتمعاتنا التي تتأرجح بين ثقل التراث وضغوط الحداثة، فإنّ التعبير الشفوي يحمل أيضًا دورًا في تعزيز الهوية الثقافية. فالطفل الذي يتعلم أن يحكي قصة من بيئته المحلية، أو أن يصف عادات أسرته، أو أن يشارك مثلًا شعبيًا سمعه من جدته، هو طفل يربط بين لغته وجذوره. وهكذا يصبح الإصلاح التربوي وسيلة تصون الثقافة الشعبية، بدل أن يكون فقط تقليدًا لنماذج خارجية.

ومع ذلك، فإننا لا ننكر التحديات التي ستواجه هذا المسعى. فهناك من سيقول إنّ المناهج مثقلة أصلًا بالمواد، وإنّ المعلم مثقل بالمهام، وإنّ الوقت لا يكفي لإضافة أنشطة جديدة. لكنّ الحقيقة أنّ الأمر لا يتعلق بإضافة عبء، بل بإعادة ترتيب الأولويات. إذا كنا نؤمن أنّ التعبير الشفوي هو الأساس الذي تُبنى عليه باقي المهارات، فعلينا أن نمنحه مكانه قبل أي شيء آخر. إنّ دقائق قليلة يومية من الحوار الصادق قد تفعل في تكوين الطفل ما لا تفعله ساعات من الحفظ الميكانيكي.

ولكي نبرهن على جدوى هذا الإصلاح، يكفي أن نعود إلى تجارب بسيطة في حياتنا اليومية. كم من مرة التقينا بإنسان متعلم، يحمل شهادات عالية، لكنه يعجز عن التعبير عن نفسه بوضوح أمام جمهور صغير؟ وكم من مرة التقينا بآخر لم يكمل تعليمه، لكنه قادر على شدّ الانتباه بخطاب بسيط وصادق؟ هذا التفاوت ليس في الذكاء، بل في التدريب المبكر على الكلمة. فإذا أهملنا هذا التدريب في المدرسة، فسنظل ننتج أجيالًا تعرف كيف تكتب الامتحان، لكنها لا تعرف كيف تدافع عن فكرة.

إنّ إصلاح أنشطة التعبير الشفوي ليس مشروعًا قصير المدى، بل هو استثمار طويل الأجل في الإنسان ذاته. ومردوده لا يظهر فقط في نتائج الامتحانات، بل في جودة الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية. مجتمع يتقن أفراده فن الحوار هو مجتمع أقل عرضة للعنف وسوء الفهم، وأكثر قدرة على التقدم. وهكذا يصبح الأمر قضية حضارية بامتياز، تتجاوز حدود الصفوف إلى حدود الوطن كله.

إننا، إذ ندعو إلى هذا الإصلاح، لا نطرح حلمًا مثاليًا بعيد المنال، بل نتحدث عن خطوات عملية يمكن أن تبدأ من الغد: أن نعيد تنظيم الحصص، أن نكوّن المعلّمين، أن نغير ترتيب المقاعد، أن نفتح المجال للأسئلة الحرة، أن نقيم مسابقات في الخطابة والقصص القصيرة، أن نجعل من المدرسة ورشة كلام حيّة. وإذا بدأنا بهذه الخطوات الصغيرة، فإننا سنرى نتائجها تتضاعف مع مرور السنوات.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]

تعليقات

إقرأ أيضاً


هل يمكن تحقيق الوحدة وإعادة بناء القائمة المشتركة؟ د. أحمد كامل ناصر

هل يمكن تحقيق الوحدة وإعادة بناء القائمة المشتركة؟ د. أحمد كامل ناصر

الأثنين 25/08/2025 20:43

كلنا نعيش على شاطئ واحد، نتشارك نفس الرمل ونواجه ذات البحر، لكن كل واحد منا يبني مركبه في زاوية منعزلة، يظن أن الريح ستدفعه وحده نحو برّ النجاة.

وحيد في أفكاره- زياد شليوط

وحيد في أفكاره- زياد شليوط

الأحد 24/08/2025 21:12

لم يعِ وحيد نفسه، كيف فزّ من سريره مهرولا نحو مكان الاختباء، الذي صممه لنفسه بحيث لا يتسع لغيره، ولماذا يتسع لآخرين طالما أنه يعيش لوحده في البيت.

حين تتسع البيوت وتضيق القلوب بقلم: غزال أبو ريا

حين تتسع البيوت وتضيق القلوب بقلم: غزال أبو ريا

الأربعاء 13/08/2025 21:13

تناقضات الحاضر في عصرنا الحديث، رغم اتساع المساحات المادية من حولنا، تشهد حياتنا تناقضات داخلية عميقة

ما يسبق: الصفقة الجزئية أو الشاملة أم التصعيد؟ بقلم: هاني المصري

ما يسبق: الصفقة الجزئية أو الشاملة أم التصعيد؟ بقلم: هاني المصري

الخميس 07/08/2025 20:00

بعدما بدت الصفقة الجزئية بشأن غزّة في متناول اليد، وتضاءلت فجوات الخلاف حول خرائط الانسحاب ومفاتيح الأسرى والمساعدات الإنسانية والضمانات، فجّر المبعوث...

لغة موحّدة في الملعب التنظيمي ... بقلم: غزال أبو ريا

لغة موحّدة في الملعب التنظيمي ... بقلم: غزال أبو ريا

الأحد 03/08/2025 21:35

في عالم كرة القدم، لا تكفي المهارات الفردية لتحقيق الفوز؛ فالفريق بحاجة إلى لغة موحدة، يفهمها الجميع دون كلمات، وتُترجم إلى حركات، إشارات، ومواقف جماع...

محاولات المصالحة الوطنية: مراجعة نقدية في عمق الانقسام الفلسطيني بقلم : هاني المصري

محاولات المصالحة الوطنية: مراجعة نقدية في عمق الانقسام الفلسطيني بقلم : هاني المصري

الثلاثاء 29/07/2025 21:25

منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في 14 حزيران/يونيو 2007 حين نفذت انقلابا، فيما سُمي منها بـ"الحسم العسكري"، دخلت الساحة الفلسطينية في حالة انقسام سيا...

تحضير ناجع للفريق = انطلاقة ناجحة  بقلم: غزال أبو ريا

تحضير ناجع للفريق = انطلاقة ناجحة بقلم: غزال أبو ريا

الثلاثاء 22/07/2025 20:50

مع انطلاق التحضيرات للدوري، نؤكد على أهمية الإعداد المهني والجماعي للفريق الرياضي، لأن التحضير السليم هو الخطوة الأولى نحو تحقيق الإنجازات.

الوطن العربي في مرآة اللهيب: بين التفكك الداخلي والمواجهات المصيرية بقلم: رانية مرجية

الوطن العربي في مرآة اللهيب: بين التفكك الداخلي والمواجهات المصيرية بقلم: رانية مرجية

الخميس 17/07/2025 19:32

في المشهد العربي الراهن، تتشابك خطوط النار والسياسة، وتتداخل خرائط الأزمات من المحيط إلى الخليج، حيث لم يعد من الممكن عزل حدثٍ عن سياقه الإقليمي أو عن...

بين سماءٍ وأرض بقلم: رانية مرجية

بين سماءٍ وأرض بقلم: رانية مرجية

الخميس 17/07/2025 19:24

بينَ سماءٍ وأرضٍ...

الأكثر قراءة

د.اشرف ابو شقارة: المسنون والأطفال والحوامل ومرضى الأمراض المزمنة هم  الفئات الأكثر عرضه لخطر موجات الحر

الأحد 10/08/2025 14:54

د.اشرف ابو شقارة: المسنون والأطفال والحو...
ثانوية حنا مويس الرامة تحتفل بتخريج الفوج ال 70

الأثنين 25/08/2025 22:13

ثانوية حنا مويس الرامة تحتفل بتخريج الفو...
انتخاب الأستاذ مجيد فراج مديراً للمدرسة الابتدائية على اسم الشاعر سميح القاسم في الرامة

الخميس 21/08/2025 19:54

انتخاب الأستاذ مجيد فراج مديراً للمدرسة...
ألف مبارك تخرج الدكتورة مجد نورالدين الوريكات

الأربعاء 30/07/2025 20:15

ألف مبارك تخرج الدكتورة مجد نورالدين الو...
ساجور: مقتل الشاب ساهر ابراهيم (29 عامًا) اثر تعرضه لاطلاق نار في الرامة

الأثنين 04/08/2025 18:00

ساجور: مقتل الشاب ساهر ابراهيم (29 عامًا...

كلمات مفتاحية

زحالقة الوزير إردان المفرقعات رمضان اطلاق نار مجلس محلي زيمر اعتقال مشتبه الاحوال الجوية حاله الطقس انخفاض درجات الحراره ميني تارت فوائد الملوخية بيتزا التونة أبشع أنواع تعذيب استخدمت في التاريخ ! اخبار محليه اخبار طلب عرار مداهمة مكبات تخزين الحديد المعادن ترشيحا معليا الكوش عرابة كرة قدم طمرة
  • أخبار محلية
  • الرامة
  • المغار
  • عيلبون
  • دير حنا
  • سخنين
  • عرابة
  • اخبار عالمية
  • رياضة
  • رياضة محلية
  • رياضة عالمية
  • تقارير خاصة
  • اقتصاد
  • مقالات
  • مطبخ
  • صحة وطب
  • مجلة الحمرا
  • جمال وازياء
  • تكنولوجيا
  • فن
  • ستوديو انتخابات 2022
  • مـسـلسـلات
  • مسلسلات كرتون
  • مسلسلات رمضان 2019
  • مسلسلات رمضان 2017
  • افلام
  • افلام كرتون
  • افلام تركية
  • افلام هندية
  • فنانين محليين
  • برامج تلفزيون
  • منوعات
  • رقص النجوم 3
  • حديث البلد - موسم 7
  • تراتيل جمعة الالام
  • من نحن
  • اتصل بنا
  • للاعلان لدينا
  • شروط الأستخدام
© جميع الحقوق محفوظة 2025
Megatam Web Development