عنوان صغير ، لكن مضمونه وأبعاده واسعة يذكرني بحكايات البلد والبلدة، فأحنُّ إلى ماضيها العريق والسهر بين أروقتها القديمة وسطوحها المتلاحمة، عاداتها وتقاليدها، رجالها وفنجان قهوتها يفوح برائحتها الزكية، لتنتشر في أجوائها الهادئة، بينما القمر من فوقنا كالحارس الأمين يترقب برفق حكاياتنا وأحاديثنا المشوقة، ولكانون الحطب ونور السراج الضئيل ، وللجلسة العائلية، مع الجيران حول الوقّادة لنتقاسم معًا رغيف الخبز والمنقوشة بزيت الزيتون الذي يذكرني موسمه بما يشبه التظاهرة الاجتماعية، يشارك فيه كل أفراد العائلة، بينما تحوّل موسم الزيتون، في هذه الأيّام، من نعمة إلى نقمة.
ترتفع حرارة جسم الوليد، فتأخذه أمّه بين ذراعيها، مشيًا على الأقدام إلى الحكيم الوحيد الدّكتور "موفق ذياب"، صانع المعجزات ، وإذا كانت الحالة بسيطة تخرج الممرّضة " لوريس" بلباسها الملائكي لتوزع رقم الدخول على قطعة " كرتون " كتب عليها رقم الدور باللون الأحمر. كان الحكيم يستقبل عددًا كبيرًا يوميًّا من جميع أطياف المدينة، ويخصّص يومًا أو أكثر للقرى المجاورة، وقد يكتفي بأجر متواضع وأحيانا لا يتقاضى أجره، متفهّمًا وضع الأهل، ومتجاهلّا رائحة العجين ودخان الطابون الّذي يفوح من ملابس تلك الأمّ الملهوفة على ابنها!
قد يتساءل القارئ ولمَ كلّ هذه المقدمة ؟! وقد جاءت بعد أن شاهدت ترميم "دوار الحكيم " على مدخل بلدتي، وهنا لا بدّ لي من إرسال همسة شكر وتقدير وثناء لإدارة المؤسسة الكبرى السابقة والحالية، لتكريمها أحد رجالاتها الذين ضحوا وخدموا البلد بأطيافها كافّةً، بكل تفانٍ وإخلاص، من خلال بناء هذا الدوار وإجراء ترميمات جذرية عليه، بهدف استمرار حفظ جميل هذا الرّجل العظيم.
بما أن دوار الحكيم يروي قصة حكيم، أرى ضرورة ملحّة لأن يكون الدوار أكثر حيويةّ يصوّر استمرارية الحياة، كإضافة رسومات وأشكال من وحي أيام زمان، لتتواصل مع تطورات العصر، فالدوار الجميل، رغم النوايا الصادقة ، فقدَ وللأسف رونقه؛ لكثرة الحجارة الصلبة، كما أنّه لا يجسّد قصة تضحية وعطاء عهدناها في الرّجل. وعليه أوجّه، من على هذا المنبر، كلمتي للقيّمين على حقيبة التخطيط والبناء في البلديّة أن يأخذوا هذه الملاحظة مأخذ الجدّ، ويعملوا على إجراء بعض التّغييرات ليزداد الدّوار رونقا وجمالًا.
سبق أن توجّهت زاوية "رماح " للقيمين على التخطيط ، وطرحت الموضوع عليهم، فوعدوا بدراسة الفكرة، وإصدار قرار بهذا الخصوص ..
ولمّا كان الشّيء بالشّيء يذكر، لا بدَّ لي من أن أوجِّه نداءً صريحًا وشفّافًا لإدارة المؤسسة الكبرى ، والقسم الخاصّ المسؤول عن تكريم شخصيّات شفاعمريّة، أن تعمل على تكريم شخصيّات تركت بصماتها على المدينة وسكّانها من أمثال الدّكتور فريد نعمة بولس الذي خدم هذا البلد طيلة أربعين عاما، وتمّ خروجه، هذه الأيام، إلى التقاعد. وبهذه المناسبة نرفع له آيات الشّكر والعرفان على عطائه الكريم، ونتمنى له وافر الصحة والعمر المديد.
[email protected]