قد يعاني الشخص الذي تعرّض لنوبة قلبيّة من نوبة قلبية متكرّرة، ويكون أيضًا في خطر أكبر بكثير لحدوث حدث آخر. الأخبار السّارة هي أنه يمكن تقليل هذا الخطر من خلال علاجات سريعة وفورية لخفض مستويات الكولسترول.
يتبيّن من بحث فحص تأثير تكرار النوبات القلبية، أن أكبر خطر لذلك يحدث في الأسبوعين الأوّلين بعد النوبة الأولى. فريق البحث الذي جمع بيانات من 6,626 مريضًا تم إدخالهم إلى المستشفى نتيجة لنوبة قلبية في الأعوام 2010-2017، وجد أن حوالي 2.5% منهم تم إدخالهم مجددًا خلال 90 يومًا بسبب نوبة قلبية أخرى. كما توفي حوالي 50% من هؤلاء المرضى خلال خمس سنوات، وذلك حسب بيانات الجمعية الأمريكية للقلب (AHA) التي نُشرت في أغسطس 2021. وقد تطرّق البروفيسور إلعاد آشير، المختص في أمراض القلب والقسطرة ومدير وحدة العناية المركّزة القلبية ونائب مدير مركز القلب المتكامل في المركز الطبي شعاري تسيدك، إلى تكرار هذه الظاهرة وتبعاتها.
"تشير الإحصائيات إلى أن هناك نسبًا عالية من المرضى الذين يعانون من نوبة قلبيّة أخرى في غضون 5 سنوات من النوبة الأولى. لذلك، على الرغم من أن النوبة القلبية الأولى تمثل حدثًا كبيرًا وتهديدًا يتطلب علاجًا ملائمًا ومتابعة دورية، فإن منع النوبة الثانية لا يقلّ أهمية"، يوضح البروفيسور آشر، ويكشف أن أحد العوامل المسبّبة لحدوث النوبة الثانية هو عدم الالتزام بتناول العلاجات وغياب المحافظة على نمط حياة صحّي.
بحسب قوله، تُظهر البيانات أنه بعد ستة أشهر من النوبة القلبية الأولى، حتى 50% من المرضى لا يتناولون العلاج الدوائي بشكل صحيح، مما يعرّض حياتهم للخطر. هذا، برأيه، يُبرز الحاجة إلى معلومات موثوقة ليس فقط عن النوبة نفسها، بل أيضًا عن أهمية التأهيل بعدها الذي يمكن أن يمنع حدوث نوبة قلبية أخرى. في الواقع، فإن التعرف على عوامل الخطر وتقليلها، إلى جانب العوامل الوراثية، والتي تشمل الالتزام بتغذية صحية وممارسة النشاط البدني المنتظم؛ الامتناع عن التدخين وتجنّب الإفراط في تناول الكحول؛ النوم الجيد؛ تجنّب الوزن الزائد؛ وتقليل التوتر والضغط قدر الإمكان يمكن أن يقلّل من خطر حدوث نوبة قلبية أخرى.
وماذا عن عامل الخطر الآخر المرتبط بأمراض القلب، الكولسترول "الضّار" (LDLc)؟
"من المهم توضيح وفهم أن الكولسترول ضروري لأجسامنا، طالما هو في المعدّلات الصحيحة. إحدى وظائفه هي إنتاج الميالين – طبقة دهنية تغلّف الخلايا العصبية في الدماغ – التي تتيح توصيل الإشارات الكهربائية بسرعة وبالتالي تشجّع على نمو الدماغ. على سبيل المثال، يستمر دماغ الرضع في النمو، ويولدون بمستويات LDLc منخفضة جدًا تتراوح بين 40-50 ميليغرام لكل ديسيلتر دون وجود مشكلة في ذلك. ومع ذلك، فإن الكولسترول يرتبط أيضًا بتطور تصلّب الشرايين وظهور أمراض القلب، لذلك يجب الحفاظ على مستوياته في النطاق الطبيعي. في الواقع، يميل الكولسترول الزائد إلى الترسب في جدران الأوعية الدموية، ويتراكم في خلايا الالتهاب في عملية تؤثر على وظائف الأوعية الدموية، مما يؤدي إلى تشكّل تصلب الشرايين الذي يضرّ بالشرايين التاجية للقلب. كلّما عانت عضلة القلب من إمدادات دموية غير كافية، تزداد احتمالية حدوث نوبة قلبية. من المهم الإشارة إلى أن مستويات الكولسترول التي قد تؤدّي إلى نوبة قلبيّة لا يتم تقييمها فقط في لحظة معينة، بل على مدار سنوات، وتضاف كما ذكرنا إلى عوامل خطر أخرى".
ومن هنا تأتي أهمية خفض الكولسترول مباشرةً بعد العلاج الأولي للنوبة القلبية؟
"بالتأكيد. أظهرت دراسة أُجريت في أوروبا قبل حوالي عامين بشكلٍ قاطع أهمية العلاج المكثّف في الأيام الأولى بعد أن يُصاب المريض بالنوبة القلبية. أظهرت البيانات أن هذا الإجراء لا يمنع فقط تفاقم وتطور المرض، بل يمكن أن يؤدي أيضًا إلى حدوث انحسار (انخفاض في الحجم) للترسبات التصلبية في شرايين القلب. هذه المعلومات المهمة، التي لم تكن بحوزتنا في الماضي، هي الدليل على أنه يمكن التسبب في انحسار هذا المرض المزمن. هنا يتجلّى الابتكار والتقدم اللذان قد يغيران وينقذان الحياة، كجزء من العلاج العملي الذي يُقدَّم لجميع المرضى، ويشمل الاهتمام بالأمراض المزمنة الأخرى، وإدارة نمط حياة صحي، والالتزام بتناول الأدوية".
كيف يمكن من خلال الأدوية تقليل خطر حدوث نوبة قلبية أخرى؟
"جزء لا يتجزأ من التدخل السريع والعلاج المكثّف الفوري هو من خلال العلاج الدوائي الذي يشمل أدوية بجرعات عالية لخفض مستويات الكولسترول في الدم. هذا بالإضافة إلى دمج أدوية أخرى لتحقيق التوازن لعوامل الخطر الأخرى. حاليًا، هناك عدة خطوط علاجية: الأول يشمل مجموعة أدوية تعمل على تثبيط إنتاج الكولسترول في الكبد (الستاتينات)؛ الثاني يركّز على تقييد امتصاص الكولسترول في الأمعاء؛ الثالث يشمل مثبطات PCSK9: بروتين يرتبط بمستقبلات الكولسترول في الكبد، مما يؤدي إلى تكسيرها وبالتالي يؤدي إلى مستويات أعلى من الكولسترول في الدم. العلاجات التي تثبّط هذا البروتين تسمح بإزالة الكولسترول من الدم عبر الكبد. الرابع – علاجات تمنع إنتاج البروتين على المستوى الجزيئي للنسخ. الهدف العلاجي بعد النوبة القلبية هو خفض مستويات الكولسترول LDL إلى أقل من 55 ميليغرام لكل ديسيلتر في غضون عدة أسابيع. إذا لم يتم تحقيق هذا الهدف، يمكن النظر في علاج إضافي من مجموعة PCSK9".
أهمية الاستثمار في الوقاية من حدوث نوبة قلبية متكررة واستخدام التقنيات المتقدمة.
يؤكد البروفيسور آشير أن من حيث التكلفة والفائدة، فإن الاستثمار في الوقاية من الأمراض القلبية الوعائية هو أمر مهم يجب أن تقوم به المنظومة الصحية، وأن لهذه الإجراءات أهمية لا تقلّ، إن لم تكن تفوق، أهمية العلاج نفسه.
"الوقاية من النوبات القلبية والأحداث القلبية يمكن أن تمنع حالات الرقود في المستشفى، وإجراء القسطرة، وتكرار الأحداث القلبية التي قد تكون أشد خطورة وتعرّض حياة المريض للخطر بشكل كبير"، يقول البروفيسور آشير ويضيف أن جزءًا لا يتجزأ من الوقاية هو خلق الوعي بعوامل الخطر، والحرص على متابعة المجموعات السكانية المعرّضة للخطر من حدوث النوبات القلبية، وتقديم أفضل رعاية طبية للمرضى الذين سبق أن عانوا من نوبة قلبيّة واحدة.
يرفض البروفيسور آشير الادّعاء القائل بأن خفض مستويات الكولسترول قد يضرّ بالمريض. "هذا ادّعاء خاطئ جعل الكثيرين في الماضي يتجنّبون تناول الأدوية"، يوضح البروفيسور آشير ويؤكّد مرة أخرى على أهمية تناول العلاجات الملائمة للمريض والالتزام بنمط حياة صحي.
بنظرة استشرافية، يشير البروفيسور آشير إلى أنه سيتم في المستقبل دمج تقنيات جديدة لتحسين حالة المرضى بشكل أكبر. ويقول إنه من المهم الاستمرار في تخصيص الموارد في الوقاية حتى بين المجموعات السكانية التي لم تتعرّض لأحداث قلبية، مع التركيز على تحديد عوامل الخطر.
"ليس من الواضح دائمًا لماذا يعاني واحد من شخصين لهما نفس المعطيات من نوبة قلبية، بينما لا يعاني الآخر. هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي والدراسات الواسعة التي تتيح التعرّف الأمثل على المجموعات السكانية التي لديها خطر متزايد لتطوير أمراض القلب. كأداة للتشخيص والعلاج يمكن استخدام القسطرة الافتراضية ، والفحوصات الاستقصائية التي تسمح بجمع البيانات وتحليلها. بالإضافة إلى ذلك، توفّر التقنيات المطوّرة والجديدة إمكانية متابعة كل مريض، وتقديم علاجات عند الضرورة لمنع حدوث نوبات قلبية في المستقبل"، يلخّص البروفيسور آشير.
لمزيد من المعلومات أو الأسئلة، يُرجى التواصل مع الطبيب/ة المعالج/ة.
[email protected]