حين هم الحاج مالك الشباز بالحديث في قاعة مسرح "أودوبون" في نيويورك، تعالت ضجة خصام بين الحاضرين، وحاول الحاج ومساعدوه تهدئة الوضع، وفجأة ركض رجل إلى المسرح وأطلق النار.
المهاجم أطلق النار مباشرة على الحاج مالك الشباز يوم 21 فبراير 1965، ثم التحق به شخصان آخران وأطلقا النار هما أيضا على الشباز، فسقط الرجل ميتا، وكان يبلغ من العمر 39 عاما، بعد أن تلقى 21 رصاصة، وكانت زوجته الحامل وبناته الأربع يجلسن في الصف الأمامي، ويحاولن في هلع الاحتماء من الخطر.
مالك الشباز كان اسمه عند ولادته في عام 1925 في مدينة في مدينة أوماها بولاية نبراسكا مالكولم ليتل. انتقلت أسرته لاحقا إلى مدينة لانسينغ في ميشيغان خوفا من تهديدات جماعات "كو كلوكس كلان" العنصرية المتطرفة على خلفية نشاط والده في مجال الدفاع عن حقوق السود.
اشتدت التهديدات ضد والد مالكولم وتحولت إلى جريمة بقتله من قبل عنصريين متطرفين في عام 1931، في حين رفضت سلطات ميشيغان محاكمة المسؤولين عن الجريمة.
مالكولم انتزع من أسرته من قبل العاملين في مجال الرعاية الاجتماعية في عام 1937. لاحقا ترك مقاعد المدرسة الثانوية، وانتقل للعيش في بوسطن، وهناك خالط أصحاب السوء وتورط في أنشطة إجرامية.
ألقت الشرطة القبض عليه في عام 1946 وكان يبلغ من العمر 21 عاما ووضع في السجن بتهمة السطو.
في السجن تعرف مالكولم على تعاليم الإسلام على يد أتباع لزعيم حركة "أمة الإسلام"، أليجا محمد، التي يعرف المنتمون إليها باسم المسلمين السود.
تأثر مالكولم بتعاليم زعيم هذه الطائفة، ووضع لنفسه برنامجا مكثفا للتعليم الذاتي، وبدأت شخصيته الجديدة في التبلور. اعتنق الإسلام وأضاف إلى اسمه حرف "إكس" وأصبح يدعى مالكولم إكس، ليرمز بذلك إلى هويته الإفريقية المستلبة.
أطلق سراح مالكولم إكس بعد ست سنوات، وأصبح من الأعضاء النشطين في حركة أمة الإسلام في حي هارلم بنيويورك.
مكانته زادت داخل الحركة مع مرور الزمن، حيث اشتهر في أوساط الأمريكيين من أصول إفريقية في نيويورك وفي جميع أرجاء الولايات المتحدة بفضل مواقفه الصلبة وخطبه النارية.
اتخذ مالكولم إكس خطا مستقلا عن زعيم الحركة أليجا محمد، وكوّن فلسفته الخاصة منذ مطلع عام 1960، وزادت الهوة بين الرجلين وكان يرى مالكولم أن الزعيم يهادن السلطات ولا يساند كما يجب حركة الحقوق المدنية النشطة في ذلك الوقت.
خرج مالكولم إكس من صفوف حركة "أمة الإسلام" رسميا في عام 1963، وسافر إلى السعودية حيث أدى مناسك الحج، وتعرف عن قرب على تعاليم الإسلام وأصوله، وعاد إلى الولايات المتحدة باسم جديد هو الحاج مالك الشباز، وهناك أسس في يونيو من عام 1964 حركة الوحدة الأفرو أمريكية، التي دعت إلى هوية سوداء، ورأت أن العدو الأكبر للأمريكيين من أصول إفريقية يتمثل في العنصرية وليس في العرق الأبيض.
اتسعت حركة الحاج مالك الشباز ومالت فلسفته بشكل متزايد نحو الاعتدال، إلا أن الرصاص الذي انطلق في 21 فبراير عام 1965، أنهى مسيرته كقائد بارز مفوه في حركة النضال من أجل الحقوق المدنية لأبناء جلدته.
اتهم ثلاثة أعضاء في حركة أمة الإسلام باغتيال الحاج مالك الشباز، ووجت إليهم تهمة القتل من الدرجة الأولى، وأدين الثلاثة لاحقا وحكم عليهم بالسجن 20 عاما.
خلال المحكمة التي التأمت في عام 1966 أقر أحد المدانين بذنبه، لكنه أكد براءة الاثنين الآخرين.
الاثنان أطلق سراحهما في الثمانينيات، وتمت تبرأتهما فقط في عام 2021 في أعقاب تحقيق أظهر اكتشاف وثائق لمكتب التحقيقات الفيدرالي كانت حجبت عن الدفاع والادعاء أثناء المحاكمة. أحد الاثنين كان توفى في عام 2009، في حين أن الثاني كان ناهز من العمر 83 وقد تمت تبرئته، وفي العام التالي جرت الموافقة على تعويضهما بمبلغ 36 مليون دولار على الظلم الذي لحق بهما.
المؤرخ المتخصص زاهر علي يقول إن الحاج مالك الشباز رأى محنة السود في إطار أكبر بكثير، وأنه :"تخيل دائما حرية السود التي تتجاوز حدود الولايات المتحدة.. لقد رأى نفسه دائما كمواطن في العالم، ومتصل بالسود في جميع أنحاء العالم".
هذا المؤرخ يعتقد أيضا بأن أجهزة الأمن الأمريكية اعتبرت مالكولم تهديدا، وقد "عملت على تقويض جهوده، وأثارت الصراع وفاقمته، وعجلت فعلا بالظروف التي من شأنها أن تؤدي إلى مقتله".
زاهر علي شدد على أن مالكولم إكس "لم يبشر بالعنف، بل بشر بالدفاع عن النفس"، مضيفا في هذا السياق أن "أمريكا لم تكن أبدا غير عنيفة مع السود، لذا بدلا من اتهام مالكولم بالعنف، علينا أن نسأل أمريكا عن عنفها".
[email protected]