هناك اهتمام كبير لدى المواطنين العرب بالسلطات المحلية من الافراد والحركات السياسية والاجتماعية، وهذا الاهتمام المتزايد نابع من انعكاس العمل البلدي مباشرة على حياة المواطن وكون الجماهير العربية على هامش السياسة الاسرائيلية، وتعيش الاغتراب وتجلس على رصيف الاقتصاد والمجتمع الاسرائيلي – السياسي والثقافي، وتعانى في احسن الاوضاع من التهميش.
ولذالك، فان الاهتمام عند الجماهير العربية بالسلطة المحلية اكثر منه في الوسط اليهودي.
المطلوب هو تعزيز الثقة بين السلطة المحلية والمواطنين ومواجهة أزمة عدم الثقة والاغتراب، فتنمية الثقة تساعد على خلق عمق استراتيجي بين السلطة المحلية والمواطنين. والسؤال هو كيف نصل الى تعزيز الثقة لأن السلطة المحلية هي الرافعة الاجتماعية السياسية والاقتصادية والمحرك المركزي في حياة البلد نحو الرقي والتمدن.
من المهم تأكيد الأمور التالية:
* المواطنة الفعالة والمشاركة من قبل المواطنين.
يجب أن تسعى السلطة المحلية, الى مرحلة "تقوية" المواطنين وعدم الخوف من ذالك. السلطة المحلية قوية في حالة وجود جماهير قوية وفعالة، كذالك من يدرس السلوك الانساني يصل النتيجة ان المواطن، بشكل عام، يسعى لان يكون منتميا ومؤطرا وبحاجة لحلقات انتماء وان يكون فعالا ونشيطا لتحقيق ذاتة من خلال نشاطة في مجموعات مختلفة. وهذا الفهم يجب ان يُوجّه السلطة المحلية. والسؤال هو ما هي الاقتراحات العملية للمواطنة المحلية الفعالة لخلق جسور الثقة بين السلطة المحلية والمواطنين؟
* اللجان البلدية.
هناك حاجة ماسة لتفعيل اللجان الالزامية في السلطة المحلية، كـ"لجنة المعارف" و"التربية والتعليم" و"الصحة" الخ..
لكن ما يحدث في حالات عديدة انة يتم اختيار اعضاء للجان الزامية بعد الانتخابات مباشرة، وفي مرحلة تشكيل الائتلاف، ويتم تشكيل اللجان بشكل عفوي ولا تقوم اللجان بالاجتماع الا في فترات متباعدة جدا وليس بشكل منهجي، رغم أن القانون يلزم بانعقاد جلسات منهجية. وعليه بانعدام المنهجية تصل السلطة المحلية الى إفراغ اللجان من مضامينها وتاثيرها. وفي النهاية يتم اضعاف السلطة المحلية نفسها، كذالك عدم النهوض بقضايا ومجالات اللجان وهذا بدورة يضرب مصلحة البلدة نفسها .
* لجان الأحياء.
ضمن استراتيجية العمل البلدي يجب العمل على اقامة لجان احياء داخل البلدة وتكون اللجان حلقة الوصل بين المواطنين والسلطة المحلية، وتدرس اللجان وتشارك في برمجة وتخطيط وتنفيذ المشاريع، وتكون سندا للسلطة المحلية وللأهداف الجماعية في البلدة. لكن ما يحدث ان السلطة المحلية لا تبادر بشكل منهجي لبناء لجان أحياء، ربما لعدم وعيها لأهمية اللجان او لأن النهج البلدي المركزي غير متفهم وحساس للجان المذكورة. أو عدم امتلاك الأساليب والطرق المهنية وانشغال السلطة المحلية في ردود الفعل واطفاء الحرائق كذلك هناك خوف عند قسم من قيادة السلطات المحلية من لجان الاحياء. وكأن اللجان تشكّل "مصدر ضغط " على السلطة المحلية. هذا الموقف سلبي وخطير لأنه- كما ذكرت- فإن المسألة ليست اضعاف وضرب المواطنة بل تقوية المواطنة من أجل تقوية السلطة المحلية ومساعدتها على القيام بواجبها. لجان الأحياء يجب ان تكون في مركز رؤية العمل البلدي وأن يؤسّس قسم (دائرة) في السلطة المحلية بتركيزها والتفرغ لها وان يكون هذا القسم جزءا من المبني التنظيمي للسلطة المحلية.
* لجان شعبية ومهنية.
نهج اخر يوصلنا الى المواطنة الفعالة واقامة لجان غير الزامية (اختيارية) شعبية، لجان توجية، استشارية في مجالات مختلفة كالتربية والصحة وقضايا الارض والأمن والشؤون الأدبية والرياضة والزراعة والتطور الاقتصادي والسياحة والشؤون الاعلامية وغيرها.
يكون المواطنون هم أعضاء هذة اللجان، كل حسب اهتمامة – فعلى سبيل المثال لجنة التربية والتعليم تضم مربين واّباء ومعلمين ومديري مدارس وأعضاء من السلطة المحلية ومستشارين تربويين وطلابا، ويكون هدف اللجنة النهوض بقضايا التربية والتعليم والعمل ضمن رؤية وترجمتها الى استراتيجية عمل.
ومن يقوم اليوم بزيارة لسلطة محلية يسأل السؤال المفتاحي والأساسي: هل توجد لجنة حقيقية فعالة للتربية والتعليم في البلدة؟
ومن هنا نرى انه في حالة بناء اللجان الاستشارية المختلفة يمكن حشد طاقات المواطنين للعمل وترجمة الانتماء الى سلوك عملي، وهذا يحول السلطة المحلية الى طاقة عمل ومبادرة، وفي النهاية تُبني جسور وأسس المواطنة الفعالة والمشاركة وتحقيق أهدافنا الجماعية العملية وبعيدة المدى في قرانا.
* موظّفو السلطات المحلية.
من المهم جدا تفعيل عمال وموظفي السلطة المحلية، وهذه مسؤولية الموظف والادارة. يجب رؤية الموظفين موردا بشريا لتحقيق حلم السلطة المحلية والعمل على الدافعية والحوافز عند الموظف ضمن نهج اداري ومفاهيم العمل العصرية وليس تقسيم الموظفين الى "معنا" و "ضدنا".
الموظفون يجب أن يكونوا خارج الخانات العائلية والحزبية وكل محاولة لشل عمل موظف في النهاية هي شل السلطة المحلية.
الثقافة التنظيمية والنهج الاداري داخل السلطة لهما أهمية كبرى. حيث أكل الدهر وشرب على النهج المركزي من جهة قيادة السلطة، ويليق تعليقه في المتاحف الادارية، نحن بحاجة الى تبنى آليات عمل نهج توزيع الصلاحيات بين الاقسام وتعزيز الاتصال والتعاون بين الاقسام المذكورة، ان المركزية الادارية الفظة والارتجالية هي نهج كفيل بأن يصفّى كيان السلطة المحلية ويضع العاملين في هامش الحياة اليومية السلطة، وفي غربة عن سلطتهم.
مهمة القيادة بناء رؤية للبلدة ويجب ان لا تشغل نفسها يوميا بالرد على أمور صغيرة ويجب الانتقال من مرحلة الرد واطفاء الحرائق الى مرحلة البرمجة والتخطيط الاستراتيجي لحياة البلدة بعقلية ترى المصلحة العامة فعلا، لا مصلحة الرئيس وحزبة او أطراف الائتلاف بشكل ضيق.
* ثقافة التطوّع.
اعادة ثقافة التطوع في قرانا أمر حاسم في تنمية المواطنة الفعالة الايجابية آخدين بعين الاعتبار ان شعبنا، في تراثة وخلفيتة، يكنّ احتراما عميقا للعطاء والعمل التطوعي. ونتذكر في ذلك مخيمات العمل التطوعي في قرانا ومدننا في السبعينات وتحولها الى اعراس عمل وبناء.
يجب العودة الى العمل التطوعي الشعبي الذي بدورة يوحد الجماهير حول اهداف جماعية ويربى لها.
* شكاوي الجمهور.
مسألة تعيين مسؤول للمبادرات وشكاوى الجمهور امر حاسم في تطوير ثقافة وجودة الخدمة واحترام المواطنين، على السلطة المحلية ان تسعى بصدق، للاستماع والاصغاء للمبادرات المحلية، لشكاوى المواطنين، لأن السلطة المحلية قائمة لهذا الهدف.
نحن بحاجة الى عقلية عصرية، ومفاهيم مواطنة سليمة توحد كل اهل القرية او المدينة كمواطنين، وتطوير عقلية مدنية واعتماد نهج مبني على التسامح والتعاون في مركزة الاهداف والمصالح الجماعية. ان المهمة العليا امام السلطات المحلية هي عصرنة الحياة والخدمات وبناء انسان مسؤول تجاه المجتمع متحرر من العقلية الضيقة، الحمائلية او الطائفية او غيرها، الانتماء الوطني والمواطنة يجب ان يصهرا الجميع كيانا اجتماعيا واحدا متماسكا.
[email protected]