الانتخابات كرّست "الليكود" حزباً استيطانياً ومهيمناً في ظل تغييب اليسار لموضوع الاحتلال
إسرائيل ستواصل سياسة إدارة الصراع وفرض وقائع تحيل حلّ الدولتين إلى شبه مستحيل
تشكيل "القائمة المشتركة" يفتح آفاقا سياسية عريضة للفلسطينيين في إسرائيل
رام الله: اعتبر المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، تعبر بوضوح عن صعود ما سماه "إسرائيل الثالثة"، التي تتسم بتسارع تحول المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين، وتحول خطاب اليمين من الخطاب الاجتماعي الليبرالي، إلى الخطاب الاستيطاني النيوليبرالي المشبع بالمفردات الدينية، إلى جانب استمرار حالة التشرذم الحزبي والسياسي الداخلي.
وكان حزب "مباي" هيمن على "إسرائيل الأولى" طوال عقدين، ما انتهى بـ "انقلاب العام 1977"، حيث عبر فوز الليكود للمرة الأولى، آنذاك، عن صعود «إسرائيل الثانية»، التي تضم بالإضافة إلى الشرقيين أبناء مدن التطوير وسكان الأطراف والحريديم الذين استقطبهم الليكود عبر خطاب اجتماعي، إلى جانب خطاب سياسي يميني ليبرالي، وقد شهدت تلك المرحلة تقاسم المشهد السياسي والحزبي بين المعسكرين الكبيرين.
وأضاف "مدار" في مؤتمر شهد إطلاق تقريره الاستراتيجي الحادي عشر في رام الله، أمس، إن الفوز الحاسم لنتنياهو على "المعسكر الصهيوني"، وما شهدته المعركة الانتخابية من استقطاب حاد، يكرّس ملامح حزب الليكود حزبا استيطانيا، مبينا أن هذا التغيير في المشهد الإسرائيلي العام ليس طارئا وعابرا، بل يأتي كتعبير عن تغيّرات ديمغرافية عميقة شهدها ويشهدها المجتمع الإسرائيلي، وينتظر أن ينعكس سلبا على استعداده للمضي في تسوية سياسيّة جادة.
وأوضح تقرير "مدار" أن التغيرات التي كشفتها الانتخابات للكنيست العشرين، تتمثل بارتفاع مستوى التديّن وشيوع بعض أنماطه المتشددة، وفي تداخل أمور الدين والدولة، في ظل تزايد ثقل المستوطنين الذين باتوا يشكلون 10% من السكان، وضعوا بثقلهم وراء الليكود "الجديد"، فيما شكل اليمين الشرقي مصدر دعم الليكود في الثمانينيات.
واعتبر التقرير تشكيل القائمة المشتركة التي تضم القوى المؤثرة بين الفلسطينيين في اسرائيل، وتحولها إلى ثالث أقوى معسكر في الكنيست، علامة فارقة في الانتخابات الاخيرة، متوقعا أن يفتح هذا التطور آفاقا جديدة للعمل والتأثير السياسي للفلسطينيين في إسرائيل، يتمثل في إعادة تنظيم مؤسساتهم الجماعية، وتحول القائمة إلى قوة ضغط مهمة في المشهد السياسي الداخلي، وزيادة إمكانياتها للمناورة من خلال بناء شراكات عينية مع أحزاب وأعضاء كنيست لتمرير قوانين معينة وعرقلة أخرى، إضافة لتحولها إلى عنوان للتخاطب من قبل مؤسسات أو جهات دولية.
ونبه التقرير إلى طغيان الموضوع الاجتماعي على أجندات اليسار والوسط، والموضوع الأمني على اليمين، مقابل تغييب موضوع الاحتلال، في ظل صياغة أية مواجهة مع الفلسطينيين بلغة الأمن.
ويرى التقرير أن اسرائيل ستواصل سياسة إدارة الصراع من جهة، والقيام بتغييرات على الأرض تحيل حلّ الدولتين إلى شبه مستحيل، عبر تعميق الاستيطان وتغيير الواقع الديمغرافي على الأرض، من خلال تصعيد المخططات في مناطق القدس ومناطق ج، والاستمرار في مساعي نزع الشرعية عن أي حراك فلسطيني، سواء أكان سياسيا رسميا، أم شعبيا ميدانيا، والعمل على ربط النضال الفلسطيني بالإرهاب «الإسلامي» كما تمثله حركات كداعش والقاعدة وبوكو حرام.
وحول التحركات الأوروبية توقع التقرير أن تواصل إسرائيل الضغط من خلال إعادة تدوير مصطلحات من خطاب اللاسامية والعنصرية التاريخية والمسألة اليهودية والمحرقة، وإعادة تصنيعها سياسيا، واستعمالها فزاعة لمجابهة الخطوات الأوروبية، مع تعزيز توجه إسرائيل نحو القوى الصاعدة، وخاصة مع الهند التي باتت العلاقات معها إستراتيجية من الدرجة الأولى، وتعزيز الحضور الإسرائيلي في مناطق جديدة وخاصة في أفريقيا.
وتوقع التقرير تصاعد التوتر في العلاقات الأميركية الإسرائيلية والأوروبية الإسرائيلية، حيث تشير عدة مصادر إلى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد يتجه – كونه حرّا في الفترة المقبلة من الضغوط الانتخابية - إلى تبني سياسة ضاغطة أكثر على حكومة بنيامين نتنياهو، في المقابل، من المتوقع أن يستمر نتنياهو في اللعب على التوترات الأميركية الداخلية بين الجمهوريين والديمقراطيين، بما لا يمسّ عمق العلاقات الاستراتيجية، ولا التعاون الأمني بين البلدين.
وعلى الصعيد الاستيطاني، ينتظر أن يواصل اليمين الجديد السعي نحو تعميق الهيمنة اليمينية الاستيطانية على الخطاب العام، وعلى مؤسسات المجتمع المدني، إلى جانب تآكل مستمر للحدود السياسية - الأيديولوجية الفاصلة بين المستوطنين والمستوطنات من جهة وإسرائيل داخل الخط الاخضر من جهة أخرى، وتزايد تمازج المستوطنين في المجتمع الإسرائيلي، باعتبارهم جزءا طبيعيا من الطبقات والفئات الاجتماعية، واستمرار صعودهم في النخب.
داخليا، توقع التقرير استمرار طغيان الأجندات الفئوية والاجتماعية على خطاب أحزاب الوسط والمعسكر الصهيوني، وذلك في ظل عدم وجود برنامج سياسي بديل مطروح من قبلهم.
وخلص التقرير إلى توقع استمرار إسرائيل بتبني سياسة «تقليم» الأظافر من أجل التعامل مع حماس في غزة، حيث يتم التعامل مع حماس كسلطة مسؤولة عن حفظ الأمن في غزة، يتم عقابها إذا لم تقم بذلك، من غير السعي إلى تدميرها.
يذكر ان تقرير مدار الاستراتيجي تقرير سنوي يصدر للعام الحادي عشر على التوالي، ويعده نخبة من المتخصصين في الشأن الأسرائيلي، وقد أعد فصول هذا العام كل من : د. هنيدة غانم (الملخص التنفيذي)، د. عاطف أبو سيف (مشهد العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية)، أ. أنطوان شلحت (المشهد الحزبي الداخلي)، د. مهند مصطفى (مشهد إسرائيل وعلاقاتها الخارجية)، د. عاص اطرش (المشهد الاقتصادي)، د. فادي نحاس (المشهد الأمني والعسكري)، أ. نبيل الصالح (المشهد الاجتماعي)، أ. همت زعبي ود. رائف زريق (الفلسطينيون في إسرائيل).
أيمن عودة: يمكن التأثير في المجتمع الاسرائيلي
وقال رئيس "القائمة المشتركة" انتخابات الكنيست الأخيرة في تعقيبه على التقرير، أن التقرير يتسم بالمهنية، ويلبي ضرورة علمية وسياسية للفلسطينيين، وإن كان لا يتفق مع استخدام مصطلحات قاطعة في التعاطي مع التطورات في إسرائيل، من نوع "نهاية حل الدولتين"، معتبرا أن المشهد الإسرائيلي مشهد متحرك، ويمكن التأثير فيه.
واعتبر عودة أن الذهاب إلى "القائمة المشتركة" لم يكن نتيجة رفع نسبة الحسم، وإن كان هذا الإجراء سرع التوحيد، لكن هناك أسباب ذاتية لذلك التوحيد نضجت أخيرا، تتلخص في تقاطع الاحتياج التصويتي لكافة مكونات المشهد السياسي للفلسطينيين في إسرائيل في الكنيست، كما ان ايديولوجيا الاحزاب المتوحدة ليست موضوعة على محك نقاش دستوري.
واعتبر عودة أن الخلافات الايديولوجية عربيا ليست بذات الحدة التي تفهم بها في النظرية الغربية، إذ لا يوجد إسلاميون بلا بعد وطني، ولا قوميين ويساريين بدون بعد وطني وديني، كما توجد قيادة علمانية لكنه لا يوجد مبشرون علمانيون.
واعتبر عودة أن القائمة المشركة حققت انجازات رغم حداثة نشأتها تمثلت برفع نسبة المشاركة إلى أعلى رقم منذ انتخابات العام 1999، إلى جانب زيادة عدد المقاعد، واحتلال عناوين الصحافة العالمية، معربا عن ثقته باستمرار بقاء القائمة العربية المشتركة، لاستمرار الدوافع الموضوعية وراء تشكيلها.
وقال عودة أن استراتيجية الفلسطينيين في إسرائيل يجب أن ترتكز على البقاء، والحذر من الذهاب إلى صدام غير محسوم، وتبني مشروع يوظف طاقات المجتمع العربي للتأثير على المجتمع الإسرئيلي.
[email protected]