صدق من قال أن قيامة المسيح هي حجر الزاوية الذي يقوم عليه الايمان المسيحي، فالمسيحية هي المسيح، تستمد وجودها من ميلاده، وحياتها من حياته، واستمراريتها من قيامته، وقوتها من شفاعته، فإن لم يكن المسيح قد قام لما صار للمسيحية وجود أو كيان، وأمسى المسيح نفسه غير صادق في نبوته وتعاليمه، وفي رسالته "الخلاص الخطاة الهالكين، الموتى بالذنوب والخطايا"، لأنه كيف لميت أن يقيم ميتاً نظيره؟ وفي دعواه بأنه ابن الله الذي له الحياة في ذاته (يوحنا 5 : 26).
من أجل هذه الأسباب قامت معاول الكثيرين لتنال من حقيقة قيامة المسيح. فمن قائل أن المسيح لم يقم مطلقاً، إلى مدع بأن قيامة المسيح كانت من إغماء طويل انتابه نتيجة لآلام الصلب الرهيبة، ومن معتقد أن المسيح قام في مبادئه وتعاليمه، إلى مؤمن بأن المسيح قام في عقول وتصورات التلاميذ، الذين آمنوا أن المسيح لابد وأن يقوم فكان إيمانهم هذا وراء قيامة المسيح من الموت.
ونحن نشكر الله لأن المسيح أبطل كل الادعاءات "لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ" (متى 28 : 6)، قام ناقضاً أوجاع الموت إذ لم يكن ممكناً أن يمسك منه (أعمال الرسل 2: 24). وكيف لقبضة الموت أن تجرؤ على الإمساك برب ورئيس الحياة (أعمال الرسل 3: 15).
وثبّت دعواه بأنه ابن الله الذي له الحياة في ذاته، القادر على أن يقيم من الموت كل من آمن به، أسمعه يقول: "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا" (يوحنا 11 : 25). وهو القادر على أن يخلص من الخطية كل مؤمن به (لوقا 19 : 9).
وكل معترف بربوبيته وبقيامته من الموت، يقول رسول المسيحية بولس: "إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ" (روميه 10 : 9)، وعندما تساءل حافظ السجن المودع فيه بولس وسيلاً طالباً الخلاص قائلاً ماذا ينبغي أن افعل لكي أخلص؟ كانت الإجابة "آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ" (أعمال الرسل 16: 30- 31).
وما زال المسيح إلي يومنا هذا يُخلص ويُقيم من موت الخطية كل من يقبله بالإيمان في قلبه، ويعترف به ويصلبه ويموته وبقيامته، لأنه هو وحده "الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا" (كولوسي 1 : 14).
قيامة المسيح وإيمان التلاميذ: لم تكن قيامة المسيح قيامة مبادئ أو تعاليم، ولم تكن قيامة إيمان عرف طريقه إلى عقول التلاميذ، فأفكار التلاميذ كانت تتجه وتنحصر في الموت فقط، ولم يأت لتفكيرهم مطلقاً أن المسيح سيقوم كما قال لهم، وهذا يفسر لنا كيف أن مريم المجدلية لم تعرف المسيح المقام، وظنته البستاني (يوحنا 20 : 15).
وبطرس في فشله وقف وسط التلاميذ قائلاً : أَنَا أَذْهَبُ لأَتَصَيَّد" فوافقوه ورافقوه (يوحنا 21 : 3)، كما أن توما عندما وصلته أنباء عن قيامة المسيح لم يستطع أن يصدق لإيمانه بأن المسيح مات وحسب، فكان شرطه إن لم ير أثر المسامير في يدي وقدمي المسيح، وإن لم ير الجنب المطعون فهو لن يصدق (يوحنا 2 : 34 - 35)، وهكذا الحال مع التلميذين اللذين كانا في طريقهما إلي قرية عمواس لم يكونا ليصدقا أن المسيح قام من الأموات (لوقا 13: 27 – 34).
كان إيمان التلاميذ يتجه نحو المسيح المصلوب، الذي ُدِفن وقُبر. وأذهانهم تدرك أن الذي علقت عليه آمالهم المسيانية في فداء إسرائيل قد مات، فأصبحت حياتهم يتملكها الخوف من تعقب وبطش اليهود بهم، فسجنوا أنفسهم في علية، وأحكموا غلق الأبواب عليهم (يوحنا 20 : 19) وما كانت لهذه الحياة سوى الموت. لكن يسوع المسيح الذي مات في أذهان التلاميذ، بعد قيامته من الأموات، تقابل هذا المائت وهو في طريقه إلى الحياة، مع التلاميذ – الأحياء - الذين في طريقهم إلى الموت، فأقام فيهم إيمانهم، الذي به وهم في طريقهم إلى الموت سوف يحيون إلى أن ينطلقوا إلى السماء ليتقابلوا مع المسيح الحي المقام، والذي في أذهانهم هو مائت. هذا أيضًا يفسر لنا كيف تحول جبن التلاميذ إلى شجاعة منقطعة النظير حتى وإن قادتهم بشارتهم وكرازتهم بالمسيح المقام للصلب والرجم والموت.
القيامة ركيزة الإيمان المسيح وقيامته الظافرة، أساس وركيزة المسيحية الحقة، إنه البشري الخالدة التي نادى بها التلاميذ، والذي منه جاءت قوة شهادتهم، وفعالية كرازتهم، يقول رسول المسيحية بولس: "وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا، وَبَاطِلٌ أَيْضاً إِيمَانُكُمْ، وَنُوجَدُ نَحْنُ أَيْضاً شُهُودَ زُورٍ لِلَّهِ لأَنَّنَا شَهِدْنَا مِنْ جِهَةِ اللهِ أَنَّهُ أَقَامَ الْمَسِيحَ وَهُوَ لَمْ يُقِمْهُ .. وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أَنْتُمْ بَعْدُ فِي خَطَايَاكُمْ! إِذاً الَّذِينَ رَقَدُوا فِي الْمَسِيحِ أَيْضاً هَلَكُوا" (1كورنثوس 15 : 14 – 18).
فالمسيح المقام هو قوة كرازتنا بالخلاص الذي في المسيح، لأن قيامة المسيح هي بمثابة البرهان الواضح والدليل الأكيد علي إتمامه عمله الخلاصي، وبقبول الله لذبيحته وكفارته التي قدمها عن الإنسان الخاطئ، وهي في ذات الوقت الانطلاقة الكبرى في حياة وكرازة التلاميذ والرسل، ولئن قام المسيح حقاً من الموت "أَرَاهُمْ أَيْضاً نَفْسَهُ حَيّاً بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْماً وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ" (أعمال 1 : 3).
فآمنوا به، وإذ قدم إرساليته العظمى لهم قائلاً: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ، وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ" (متى 28: 19، 20)، فانطلقوا في أثر ذلك غير مبالين بما يلاقونه من اضطهاد أو استشهاد في سبيل ذلك المقام الذي رأته أم أعينهم. وفي المسيح المقام يتأسس إيماننا وغفران خطايانا، يقول الكتاب المقدس عن المسيح "الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا" (روميه 4 : 25).
فموت المسيح لم يكن إلا ذبيحة كفارية قدمها بإرادته لله الأب ملتمساً غفران خطايا الإنسان الساقط الهالك، لكن قيامة المسيح هي أساس التبرير، لأنها إعلان الله عن قبوله كفارة وذبيحة المسيح، فلو لم يقم المسيح لما صار لنا الفداء أو التبرير أمام الله، لكن والمسيح قد قام، وضع أساس المصالحة بين الله والناس. ولنا في المسيح المقام الضمان والوعد بعدم هلاك المؤمنين الذين رقدوا فى المسيح، لأن المسيح القيامة يعلن: "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا. وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ" (يوحنا 11 : 25 - 26). فكل من يؤمن بالمسيح فأنه ينتقل من الموت إلي الحياة ولن يسود عليه الموت الثاني الذي هو الطرح في بحيرة النار! (رؤيا يوحنا 20: 14).
كما أنه في المسيح المقام يكمن لنا رجاء حي، يقول الرسول بطرس: "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ" (1بطرس 1: 3). فقيامة المسيح تعني ميلادًا جديدًا، وحياة جديدة يملؤها الرجاء واليقين في المسيح الحي، المقام من الأموات وفي وعوده بضمان حياة أبدية سعيدة معه في السماويات. القيامة ميلاد جديد لقد آمن التلاميذ بالمسيح، معتقدين أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل، وعندما مات المسيح، مات إيمانهم، ودفن رجاءهم، وصارت حياتهم تجسيداً للفشل الكامل، لكن قيامة المسيح كانت ولادة جديدة، وإيماناً جديداً لحياة جديدة، ولرجاء حي لا يموت، لأنه مؤسس على مخلص حي لن يموت. وقيامة المسيح تقدم رجاءً جديدًا للخطاة، لأنها أيضًا تعني ميلادًا جديدًا بالنسبة لهم، يقول الرسول بطرس، "مُبَارَكٌ اللهُ الَّذِي وَلَدَنَا ثَانِيَةً، بِقِيَامَةِ الْمَسِيحِ لأن الله إذ أرسل لنا ابنه قدَّم في هذا الابن حياة جديدة، وكل من يقبل الابن فهو يولد من فوق ( يوحنا 3 : 3). ويصير خليقة جديدة (2كورنثوس 5 : 17).
وتتم الولادة الجديدة بقبول المسيح وبالإيمان به، هذا ما يخبرنا به البشير يوحنا في إنجيله "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ (المسيح) فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ" (يوحنا 1 : 12)، ونلاحظ أن أولاد الله هم المؤمنون باسمه، أي الذين قبلوا المسيح في قلوبهم. عزيزي .. هل نلت الحياة الجديدة؟ .. جاء المسيح ليموت عوضاً عن خطاياك.. وقام أيضاً لتبريرك .. منه جاءت الحياة.. بل هو نفسه الحياة .. فهل اختبرته في حياتك؟ وهل عرفت الحياة طريقها إلى حياتك؟ أصلي أن تفتح قلبك له .. ولتؤمن به .. فتنال الحياة الجديدة .. والولادة الجديدة .. فتغدوا متأكداً من قيامتك .. من قبر خطاياك .. متأكداً أن الحياة تسري فيك.
[email protected]