أما وقد انتهت الانتخابات للكنيست الـ25 وأنتجت ما انتجته من نتائج مقلقة، إلا أن غبار صولات وجولات الأحزاب وكوادرها لم تهدأ بعد، ويجب العمل على تهدئة الخواطر وعدم الانزلاق نحو الشرذمة والفرقة أكثر وأكثر.
امتنعت تقريبا عن الخوض في السجالات الانتخابية قبل الانتخابات وخاصة في مواقع التواصل/ التنابذ الاجتماعي، نظرا لما شهدته من عصبوية واسفاف في بعض الأحيان، لكن بعد ظهور النتائج وانكشاف بعض الحقائق لم يعد من سبب للصمت حتى لو قام البعض بتصنيفي على هذا الجانب أو ذاك، فقد تعودنا على أن يقوم الآخرون بالحكم على الشخص وليس مناقشة رأيه، ومحاصرته في خانة ما وعدم التعامل مع ما يطرحه من أفكار.
في مقالتي هذه سأصب اهتمامي بالأحزاب العربية، وأرجيء معالجة الحالة العامة إلى مقال آخر. وأؤكد باديء ذي بدء أنه شعرت بارتياح أن أرى حزبي "الجبهة" و"التجمع" في مركب مشترك وقد أعلنا عن اتفاق بينهما على التحالف، فهما أقرب إلى بعضهما سياسيا وجمهورهما أقرب إلى بعض اجتماعيا، لكن روح الشقاق والخلاف بينهما عادت وتغلبت على روح الحزبين لأسباب عديدة غالبيتها معروفة ولن أدخل فيها في هذه العجالة، ومنها تنامي مشاعر الكراهية بين كوادر وأعضاء الحزبين أدى إلى توسيع الفجوة بينهما وتغلبت الكراهية الشخصية على الخلاف الأيديولوجي، وطغت الشتائم والمسبات والسخريات المقيتة بين بعضهما البعض على الحوارات والنقاشات السياسية المرغوبة.
دائما وقفت مع الجانب المظلوم ولا يهم من يكون المظلوم فردا، دولة، شعبا، حزبا وغيره، هكذا تعودت واعتدت وذلك من منطلق كرهي للظلم، وكنت في صغري قرأت مقولة لفيلسوف يوناني أعجبتني ورسخت في ذهني تقول "خير لك أن تكون مظلوما من أن تكون ظالما"، فانحزت تلقائيا إلى جانب المظلوم، رغم تحفظاتي أحيانا على بعض سلوكياته. وفي هذه الانتخابات شعرت أن حزب "التجمع" تعرض لمحاولات ظالمة تهدف إلى تحجيمه وتصغير شأنه وبالتالي اقصائه عن الساحة السياسية المحلية، وتجلى ذلك في الدعوات المستهينة به وبقوته، بأن يخوض الانتخابات لوحده، فهو لا يملك سوى بضعة آلاف الأصوات وقوته لا تزيد عن نائب في الكنيست وبالأكثر عضوين، وعندما وقع الجد وخاض التجمع الانتخابات لوحده وبانت قوته وفق الاستطلاعات، تحولت الدعوات إلى الادعاء بحرق الأصوات وأن على التجمع الانسحاب ودعم أحد الأحزاب، وهنا تساءلت: لماذا تحولت النداءات وما الهدف منها وتبين أنها تهدف إلى إزاحة التجمع وإبقاء حالة الضبابية بشأن قوته الانتخابية، وتمنيت على التجمع أن يواصل في خوض الانتخابات حتى نعرف مدى قوته فعليا. أمر آخر عانى فيه التجمع من ظلم "ذوي القربى" ما جرى في ليلة تقديم القوائم، وبغض النظر عن الروايات المختلفة، شعرت مرة أخرى أن التجمع تعرض للظلم وأنه حيكت "خطة خبيثة" ضده لاخراجه من المشتركة ووضعه في الزاوية التي تجبره على الانسحاب من التنافس الانتخابي، لكن التجمع وفي اللحظة الأخيرة تدارك الأمر وتقدم بقائمته.
ومع تصاعد شعبية التجمع والتفاف الجماهير حوله وخاصة حول رئيس قائمته، النائب سامي أبو شحادة زادت حدة الحملات الظالمة عليه، ولمست مدى حملات التشكيك الظالمة والافتراءات بحق التجمع، وشاهدت بالمقابل مدى الالتفاف الشعبي وخاصة الشبابي حول التجمع. ووصلت ذروة الحملة الظالمة ساعات قبل اغلاق الصناديق، حين أعلن التجمع أن الموحدة والجبهة اجتازتا نسبة الحسم وينقصه بضعة آلاف من الأصوات، عندها سارعت قيادة الموحدة والجبهة إلى اطلاق تصريحات تكذب ذلك وتعلن أنها ما زالت في دائرة الخطر، وتبين أن ذلك كان بهدف منع تحول الناخبين نحو منح أصواتهم للتجمع، وبالتالي المساهمة في عدم وصوله إلى نسبة الحسم واغلاق أبواب الكنيست أمامه.
تلك الأمثلة تثبت أن التجمع كان صادقا وشفافا مع الجمهور العربي، بينما الأحزاب الأخرى لجأت إلى المناورة والمداورة وخداع الجمهور، وبالتالي وقع التجمع فريسة لمخطط خبيث كما قلت نجح في اقصائه عن الكنيست، لكن ذلك المخطط انقلب على معديه بحيث اكتسب التجمع في المقابل شعبية غير متوقعة وتأييدا كبيرا وجارفا بين الجمهور العربي، وأثبت التجمع أنه قوة سياسية متقدمة وأنه لن يكون بالإمكان بعد اليوم الاستهانة بقوته أو تهميشه في أي تحالف قادم وفي أي اطار عربي سيقوم، وبالتالي فان التجمع تحول إلى "رأس الزاوية" كما قال السيد المسيح، وهو يعلم اليهود في الهيكل ويضرب لهم الأمثال وخاطبهم قائلا: "أما قرأتم قطّ في الكتب: إنّ الحجر الذي رذله البناؤون هو الذي صار رأس الزاوية". وتابع قائلا لليهود: "من أجل ذلك أقول لكم إنّ ملكوت الله يُنزع منكم ويُعطى لأمّة تستثمره" (متى 21: 42-43) وكما نزعت السلطة من اليهود آنذاك، هكذا نراها اليوم تنزع من أحد الأحزاب في الشارع العربي، وهو الذي سيطر طويلا على هذا الشارع، فهل سيتعظ ويتواضع قبل أن يلقى مصيرا لا يرضاه لنفسه ولا نرضاه له؟!
[email protected]