كان يومًا ماطرًا شديد البرودة ومحدود الرؤيةِ، الشارع شبه فارغ من المارة، يُخيم عليه صمت بركان يخفي في جوفه الأسرار، لا صراخ أطفال، لا عجقة سيارات ودراجات، ولا مواء قطط مزعجة، ولا مشاجرات ومعاكسات الأحياء المظلمة، ولا نباح كلاب متشردة باستثناء بعض نباح وحوش بهيئة بشر تسمع بين الحين والحين لتعلن أنها سيدة الموقف.
عندما أرخى الليل سدوله، تناثرت النجوم في السماء، وساد الظلام الحالك والهدوء، فهاجت الذكريات وتصارعت المشاعر الجيّاشة، فعصفت رياح همومي القاتلة لتقذفني بعنف إلى عالم من الأشباح الراقصة، فيه فقط الأشجار الباسقة على جانبي الطريق المظلم تحرك أحيانا قممها النسمات العلية لتوقظها من سبات نومها العميق.
أما أنا، فحاولت عبثًا أن أكون في قمة انسجامي وهدوئي، أطلقت كل عصافيري السجينة وأشعلت الشموع داخلي وأدمعت عيني فأزهرت بذور موهبتي محاولة شدي للكتابة، لأنها وسيلتي للتنفيس عن مكنونات النفس ودماء عروقي، فأشعر بالحرية المطلقة بعد أن أسرني نزيف جرحي اللئيم وتفشي وباء الكورونا الخبيث، وقد جعل حياتنا جحيما بين الجدران التي ملت هي الأخرى هذه الأجواء المتوترة ومشاهدها المترقبة لتعيد مشاهدها.
نعم أكتب، لا لأبرز المواهب والمهارات، وإنما بدافع وضع النقاط على الحروف، وإظهار الحقيقة والتوعية وإحداث إصلاح جذري، حضاري، وحقيقي في المجتمع الآخذ بالانحلال والتردّي في كل مرافق الحياة وميادينها، خاصّة الأخلاقية، لنغرس فيه ما نحلم به من قيم ومعانٍ سامية لندون ليس فقط الأحداث الفائتة، وإنما لتكون شاهدة على أزمة قادمة حتما.
فالكتابة لحظة عشق كاملة متكاملة تبدأ بالغزل بالمداعبة وتنتهي ...
أحرص أن تكون غالبا كموجة ناعمة تمس الرمال الساحرة دون أن تبللها!
أعترف أن تكون أحيانا لحظة لا تفسير لها قد تثيرك مداعبة العشق، لكنها قد تخذلك!
كالقلب عندما يحب يصبح مأهولا بالأشباح المتراقصة، فلا تحصل على نشوتك وتظل تحترق على فراش الشوك وقد تهلك حتى الموت، فالموت لا يحلق في الأفق البعيد، وخاصة لحظة الكتابة، بل يبقى يحوم ويراوغ...
نعم، يلازمني شعور منذ أن احترفت الكتابة منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود بأني سأنطفئ فوق مكتبي وأوراقي شبه المبعثرة في ترتيبها وليس في فحواها.
[email protected]