بقلم : تيسير خالد :
في الخامس والعشرين من أيلول الماضي كانت الانتخابات التشريعية الايطالية . في تلك الانتخابات حققت زعيمة اليمين المتطرف فى إيطاليا جورجيا ميلونى فوزا مذهلا ، وهو فوز أثار كثيرا من القلق في الدوائر الاوروبية وفي غيرها من الدوائر ، خاصة وأنه جاء بعد أسابيع قليلة من صعود اليمين المتطرف في فرنسا في انتخاباتها التشريعية . إنه بلا شك قلق مشروع من التوجه الذى ستسلكه إيطاليا . فجورجيا ميلونى ضد الإسلام بوضوح وضد الأجانب بشكل أوضح خاصة وأنها تتزعم حزب « إخوة إيطاليا » ، الذي يسير على طريق الحزب الفاشى الإيطالى . جورجيا ميلونى ، بفوزها في الانتخابات البرلمانية في ايطاليا تقترب من الجلوس على كرسي رئاسة الوزراء في إيطاليا وهي لا تخفي تعاطفها مع الصهيونية ومع اسرائيل وتعد بتوفير الدعم غير المشروط لها .
فوز ميلوني جاء مصادفة بعد مرور مائة عام على « المسيرة إلى روما »، فى أكتوبر 1922 . في أعقاب زحف اتباع موسوليني من أعضاء « القمصان السود » ــ على العاصمة روما ، وما تبع ذلك من تتويج زعيم الحزب الفاشى حينها بينيتو موسوليني ، فى منصب رئيس الحكومة.
كثيرون سارعوا لتهنئة جورجيا ميلونى بفوزها في الانتخابات ، وكان من بينهم رئيس حكومة بولندا اليميني المتطرف ماتيوش مورافيتسكى ، وزعيمة اليمين المتطرف فى فرنسا مارى لوبان ، التى سجلت نجاحا لافتا فى الانتخابات الفرنسية ، التي جرت في حزيران من العام الجاري ، قبل اسابيع من الانتخابات الايطالية ، وكذلك فعل رئيس حكومة هنغاريا الشعبوى فيكتور أوربان ، واحد من المتهمين بتأجيج الكراهية للأجانب وبمعاداة السامية في بلاده
وزيرة الداخلية الإسرائيلية أييلت شاكيد انضمت هي الاخرى إلى المهنئين. ، فقد وقفت أمام الكاميرا وسجلت التهنئة وأضافتها إلى حسابها فى « تويتر » وكتبت بالعبرية والإنجليزية : « تهانىّ الحارة لجورجيا ميلونى على الفوز. اليمين فاز فى إيطاليا ، وسيفوز أيضا فى إسرائيل . أييلت شاكيد هذه وزيرة في حكومة لبيد – غانتس – ليبرمان ، يغازلها نتنياهو ويأمل في استمالتها الى تحالفه مع الفاشي العنصري ايتمار بن غفير ، زعيم حزب الصهيونية الدينية ومع بيتسلئيل سموتريتش ، زعيم " عوتسما يهوديت " الذين يشكلون جميعا تحالفا من الباطن مع اليمين المتطرف فى أوروبا .
بنيامين نتنياهو لم يجاهر برأيه بالنسبة لفوز أحزاب اليمين في أكثر من مكان في دول الاتحاد الاوروبي وهو لم يسارع في العلن الى تهنئة لوبان او ميلوني ، غير أن علاقته بفيكتور أوربان الهنغاري معروفة . اوريان كما يعرف الجميع عنصري بامتياز ، فهو يعارض بشدة الاختلاط بين الاعراق الاوروبية والأعراق الأخرى ، هو يصرح بذلك ، ما دفع مستشارته زسوزسا هيغيدوس في تموز من العام الجاري الى المجاهرة بأن رئيس وزراء بلادها يضع بمواقفه اليمينية المتطرفة جوزيف غوبلز ، وزير الدعاية النازية في الظل . رئيس حكومة هنغاريا هذا صديق لزعيم الليكود بنيامين نتنياهو وكان كما نتنياهو من كبار مؤيدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومشروعه للتسوية السياسية للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي المعروف بصفقة القرن ، وهو الذي أفشل قرارا تقدمت به وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني نهاية 2017 ، أمام الاتحاد لإدانة نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة. الفلسطينيون يذكرون مواقفه الشاذة في مجموعة دول الاتحاد الاوروبي ، غير أن نتنياهو ممتن كثيرا لهذه المواقف . صفقة مخجلة بين الاثنين ، نتنياهو يتجاهل مواقف اوريان المعادية للأجانب والمعادية للسامية واويان يتجاهل ان هناك احتلال اسرائيلي في فلسطين . اوريان بشكل عام مقبول في اسرائيل ، فهو يحب الأجانب ويحب اليهود ولكن ليس في هنغاريا ، بل بعيدا عن بلاده وعن أوروبا بأسرها .
ولكن هل هذا جديد بالنسبة لقادة اسرائيل والحركة الصهيونية . بالتأكيد لا ، وايليت شكيد لم تكن الاولى ولن تكون الأخيرة ، هي كما غيرها كثير في اسرائيل ، تشرب من نفس النبع الآسن لأيدولوجية التفوق العرقي ، والمواقف الصادمة لعلاقة هؤلاء مع اليمين المتطرف اكثر من أن تحصى ، فكثير منهم يتبنى نفس الايولوجية العنصرية ، أيدولوجية التفوق العرقي ، هذه الأيدولوجية تجمعهم مع اليمين الفاشي بمن فيه اليمين المعادي للسامية علاقة تحالف شيطاني معلن أحيانا ومن الباطن في أحيان أخرى .
هل ينبع ذلك من سوء تقدير للسمة الشيطانية لأيدولوجية التفوق العرقي وعداء الأجانب ، بمن فيهم اليهود بالطبع . ليس من الصعب الإجابة على ذلك بالتأكيد أو النفي ، وتبقى هناك على كل حال حقيقة لا تخفى على العين . نذكر هنا بأحد القادة البارزين للحركة الصهيونية والوكالة اليهودية ومواقفة من صعود النازية الى الحكم في ألمانيا . فقد كان أكثر النماذج المثيرة للصدمة احتفاء قادة مرموقين في الحركة الصهيونية بانتصار النازية على الليبرالية وفق تعبيرهم ، كما كان حال الدكتور يواخيم برينس ، الحاخام اليهودي ، الذي صعد في صفوف المؤتمر اليهودي العالمي ليصبح نائبا للرئيس والذي كان مقربا من جولدا مائير وأصبح أحد القادة البارزين في الحركة الصهيونية العالمية . فقد انساق الدكتور يواخيم برينس مع موجة التفوق العرقي على الطريقة النازية وألف كتابا باللغة الألمانية بعنوان ( نحن اليهود ) قال فيه : سوف يتضح ما تعنيه الثورة الألمانية للأمة الألمانية ( ثورة أدولف هتلر ) في النهاية لأولئك الذين صنعوها ورسموا صورتها . لقد فقدت الليبرالية حظوظها ، الليبرالية تلك الصيغة للحياة السياسية التي ساعدت اليهود على اندماج اليهود ، هذه الليبرالية تتعرض الآن للهزيمة .
ايليت شكيد ليست وحدها في الميدان ، فهناك من سبقها في التعاطف مع اليمين الفاشي المتطرف في القارة العجوز امثال يواخيم برينس وهناك زملاء تعيش وتعمل معهم أمثال برينس ونتنياهو وسموترئتش وبن غفير وحتى في اوساط حكومة لبيد . جميعهم يتجاهلون السمة الشيطانية للعلاقة مع اليمين المتطرف في اوروبا وكل منهم يعبر بطريقته عن تعاطفه مع يمين معاد للسامية ومؤيد للاحتلال في الوقت نفسه . فبعد أكثر من أسبوع على الانتخابات الإيطالية علقت وزارة الخارجية الاسرائيلية رسميًا على فوز جورجيا مالوني ، الزعيمة اليمينية التي ترأس حزبًا بجذور فاشية وهنأت الشعب الإيطالي على نجاح العملية الانتخابية وعبرت عن رغبتها في مواصلة التعاون المتبادل مع الحكومة التي ستتشكل في إيطاليا في جميع المجالات الاقتصادية ، الطاقة ، المياه ، الحداثة والسايبر . من الباطن قدمت الوزارة التهنئة لحزب " أخوة ايطاليا " ، فلا بأس أن تكون معاديا للسامية ومؤيدا للاحتلال في الوقت نفسه ، فهذه تجارة رابحة على الرغم من سمتها الشيطانية .
[email protected]