التقى متعب مع صديقه منحوس، وبعد أن حيا أحدهما الآخر وتصافحا، دعا منحوس صديقه متعب للجلوس قائلا له:
-
أراك متجهما، ساهما وكأنك تحمل هموم الدنيا على ظهرك!
فأجابه متعب وهو لا يخفي ما به:
-
ربما ستستغرب ما سأقوله. نعم أشعر أن هموم الدنيا ستفجر دماغي.
قال له منحوس محاولا التخفيف عن صديقه:
-
ول.. ول.. خير ان شا لله، أقلقتني، حدثني يا صديقي علك تخفف بعض همومك!
رد عليه متعب وهو شارد النظر:
-
لكن أرجو ألا تنعتني بالجنون وأنني أزيدها.
-
لا لن أتفوه بذلك، أعدك..هيا لم أعد أحتمل!
-
عجبك ما حدث بين أطراف القائمة المشتركة؟
كاد منحوس يقفز من مكانه ناعتا صديقه بأن مسا من الجنون أصابه، لكنه ضبط أعصابه وأردف:
-
لو لم أعدك يا صديقي.. حسنا وماذا جرى حتى جعلك على هذا الحال؟
-
قال بسألني ماذا جرى.. كأنك لست من هذا العالم؟ بربك أيرضيك ما حصل؟
-
كلا لا يرضيني ولا يرضي أي إنسان عاقل من شعبنا؟
-
الآن ستسبب لي الجنون، وكيف أراك ببرود الأعصاب تتحدث؟
-
وماذا تريدني أن أفعل يا صديقي، ولم تستغرب ما حصل من انشقاق وفرقة، ونحن الذين عشنا سنوات طويلة أكسبتنا التجربة والخبرة.
-
تقصد ما قاله أسلافنا بأن الشركة التركة؟
-
وهل هناك أصدق من ذلك، أليست هذه خبرة الحياة بعينها؟
-
بلى.. ولكن لا تقل لي أيضا ما قاله من سبقنا، بأن العرب اتفقوا على ألا يتفقوا؟
-
ها أنت قلتها بلسانك ولم ترغمني على ذلك.
هنا تراجع متعب بجسده قليلا، وأخذ نفسا عميقا زفر ما دخل رئتيه من هواء وأطلقها حادة:
-
يا أمّة ضحكت من جهلها الأمم..
فعقب منحوس وهو يحاول التخفيف عن صديقه:
-
ليس لهذه الدرجة.. خفف عنك يا صديقي .. خذها ببساطة.
-
وكيف يكون ذلك.. كيف أنظر ببساطة إلى هذا التشرذم والانقسام والفرقة التي تضعفنا وتجعلنا لقمة سائغة أمام الخصوم والأعداء..
-
لأنه قالت العرب أيضا "ربّ ضارة نافعة"، ألم تسمع بهذا القول؟
-
صحيح، ولكن كيف ينطبق هذا على حالنا الأغبر؟
-
ألم تكن الاستطلاعات تشير إلى تراجع كبير في نسبة الناخبين، وازدياد أعداد المقاطعين للانتخابات والمستائين من تأثير التصويت وتحريك الأمور؟
-
أي تقصد أن هذه الضربة الذاتية ربما ترفع نسبة التصويت، حيث يولد التنافس حراكا بين الكوادر، وسيعمل كل حزب على رفع نسبة التصويت وحث الناس على الخروج للصناديق.. وماذا مع المقاطعين عن قناعة واقتناع؟
-
دع كل فريق يعبر عن رأيه وموقفه، المهم أن نقبل كل انسان على ما هو، وألا نلجأ للتخوين والطعن أحدنا بالآخر.. من ناحية ننادي بالتعددية ومن ناحية أخرى نعمل على قمع الرأي الآخر. هل يستوي الأمران؟
-
لا بالله.. لقد أرحتني وهدأت روعي حقا.. لكن.. لكن..
هنا استغرب منحوس ارتفاع درجة الحرارة لدى صديقه متعب، ورآه يرتجف ثانية بعدما بان عليه الهدوء، وقال له:
-
ما بك يا صديقي.. ماذا لكن.. لقد اتفقنا، ماذا يزعجك من جديد؟
فأجابه متعب وهو يمسك بذراعه ويشده بقوة:
-
هل تعدني بأن ترتفع نسبة الناخبين العرب عن النصف أي أكثر من 50%، وهل تضمن لي ألا تسقط أي قائمة عربية..
هنا انعقد لسان منحوس وأخذ يتمتم:
-
ها.. أعدك.. أعدك بماذا يا صديقي؟ وهل أنا ساحر أو نبي؟
وعاد متعب وأخذ نفسا عميقا، وهذه المرة بدل أن يزفر هواء أطلق بصقة كبيرة من جوفه، خالها منحوس تشكل بركة ماء، فتعوّذ من المشهد وقام من مكانه مسرعا دون أن يودع صديقه.
[email protected]