قال الخبير الاقتصادي نور ندا إن لعضوية مصر في منظمة شنغهاي أهمية كبرى، في ضوء رغبة القاهرة في تأكيد الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، وهذا من أهم مبادئ السياسة المصرية منذ الستينيات.
ووقعت مصر مذكرة تفاهم لانضمامها كـ"شريك حوار" بمنظمة شنغهاى للتعاون "SCO"، بالعاصمة الأوزبكية "طشقند"، بهدف تعزيز مصر لعلاقاتها التجارية والأمنية والاستثمارية والسياحية مع العديد من المنظمات الدولية ذات الثقل عالميا.
وتنضم مصر بذلك إلى 6 دول أخرى بالمنظمة كشركاء حوار وهي: أرمينيا، وأذربيجان، وتركيا، وسريلانكا، وكمبوديا، ونيبال. وتوقيع مصر لمذكرة التفاهم هذه، قبيل عقد قمة رؤساء الدول والحكومات الأعضاء في المنظمة، بمثابة الخطوة الهامة لتعزيز علاقات مصر مع دول المنظمة في مجالات مختلفة، فضلا عن دعم الأمن والاستقرار الإقليمي.
وقال الخبير إن هذه الخطوة تعكس عدة أبعاد تتعلق بدور مصر الفاعل داخل دوائر مصالحها واهتماماتها الاستراتيجية الأساسية، كما تعطى دلالات محددة بشأن الانفتاح المصري على العالم، كما تفتح مجالا لدوائر جديدة للسياسة الخارجية المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي نجح في تأكيد الحضور المصري في مناطق ارتكاز جديدة للسياسة الخارجية المصرية لتحقيق المصالح المصرية ووفقا لاستراتيجية الأمن القومي المصري في التحرك في جمهوريات آسيا الوسطى وفى النطاقات الآسيوية المتعددة.
وسيقدم انضمام مصر لمنظمة شنغهاى فرص واعدة في مجالات الاستثمارات الخارجية وجذبها، خاصة أن مصر تمتلك بنية تحتية ومناخا جيدا للاستثمار، وهو ما يمكن أن يمنح لدول المنظمة الاستثمار والتحرك المشترك من أجل تحقيق المصالح والفوائد المشتركة لمصر وللدول الأعضاء بهذه المنظمة.
والجدير بالذكر التأكيد على الدور التنموي لمنظمة شنغهاى في بناء الممر العابر لأفغانستان، وتنفيذ مشاريع البنية التحتية المشتركة، مثل خط سكة حديد ترميز - مزاري شريف - كابول - بيشاور، وهذه المشاريع لا تحل فقط المشكلات الاجتماعية والاقتصادية ومشكلات النقل والاتصالات، بل وتقدم أيضا مساهمة كبيرة في ضمان الأمن الإقليمي.
وقال الخبير إن منظمة شنغهاي للتعاون من أكبر المنظمات الإقليمية في العالم، حيث تضم نحو نصف سكان الأرض، وهي تعد كيانا دوليا فريدا من نوعه، لأن المنظمة لا تتدخل في الشئون الداخلية وسياسات الدول الأعضاء، وتضم المنظمة بلدانا من مختلف الثقافات والحضارات وسياسات خارجية خاصة بكل دولة ونماذج للتنمية الوطنية مختلفة، وأصبحت هذه المنظمة عنصرا لا يتجزأ من النظام السياسي والاقتصادي العالمي الحديث.
ويبلغ إجمالي الناتج المحلي للدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون حتى الآن نحو ربع أجمالي الناتج القومي للعالم، وهناك زيادة كبيرة في عدد الدول المستعدة للانضمام إلى أنشطة منظمة شنغهاي للتعاون من عام إلى آخر، وذلك في ظل تحول النظام الحديث للعلاقات الدولية والإقليمية، وسعى دول العالم لإيجاد نظام اقتصادي أكثر عدلا وأنصافا عن نظام برايتون وودز المهيمن عليه أمريكيا.
من جهته، قال الباحث والمحلل السياسي محمد صلاح، إن قمة منظمة دول شنغهاي للتعاون التي بدأت بتكريس نموذج عالم متعدد الأقطاب، خطوة للأمام نحو انشاء تكتل شرقي متكامل قائم على القوى الشرقية فقط، و الاعتماد على التجارة البينية بين الدول الأعضاء بالعملات المحلية، مع الموافقة على تنفيذ عدة مشروعات لوجستية هامة مثل خط الانابيب الروسي الصيني عبر منغوليا، والسكك الحديدية بين غرب الصين و جنوب روسيا، والتي يتوقع أن تمتد مستقبلاً لدول شرق أوروبا، كخطوة لتكوين سوق مشتركة تكاملية بالعملات المحلية بين الدول الأعضاء!
وأضاف أن منظمة شنغهاي ضمت في دورتها الحالية الجديدة إيران، وتناقش مستقبلا ضم مصر والسعودية وقطر لعضويتها، ليصل نفوذها السياسي والاقتصادي إلى الشرق الأوسط بمفاهيم جديدة ومختلفة عن الحالية، ربما أبرزها التصالح بين ايران والعرب عبر الوساطة الروسية السرية، وهو تصالح لو قدر له النجاح سيكون بمثابة انقلاب سياسي ضخم سيغير كل معادلات الأمن والسياسة والاقتصاد في الشرق الأوسط والعالم.
اليوم يسير العالم في اتجاه (فطام) إجباري يقوم به الشرق للغرب، طلاق بائن بين موارد الشرق من الطاقة والمواد الخام والمصانع والأيدي العاملة، وبين الغرب بتكنولوجيته وأمواله، وهو طلاق قد ينهي نحو 400 عام من التفوق الغربي، وحدث قد يصحح أخطاء الماضي السياسية الكبرى بين القوى الشرقية، تلك الأخطاء التي كانت بمثابة الثقب الذي عبر من خلاله الغرب للسيطرة على العالم!
وقال الباحث إن هذه الأفكار على بساطتها ووضوحها إلا أن تنفيذها قد يكون معقدا جدا، فلن يقف الغرب مكتوف الأيدي أمام هذا العالم الجديد الذي يتشكل، وسيستخدم كل أدواته ولوبياته الداخلية ووكلائه وسماسرته في الشرق لعرقلة هذا التحالف الاقتصادي الأمني السياسي المشترك.
وستقوم حروب كبرى بكل أجيالها وأنواعها لعرقلة هذا المخطط، الحروب التقليدية والالكترونية والسيبرانية ستكون فقرة يومية في كل الأخبار، و لن يعرف العالم السلام قبل أن يقتنع الغرب أن المال وحده لا يكفي لبناء الثقة، وأن القبول بتعدد الأقطاب هو آخر فرصة له للحفاظ على علاقات صداقة مع الشرق تضمن له ليس فقط الموارد الكافية للاستثمار، و لكن ربما للحياة أيضا!
المصدر: RT
[email protected]