مقالة ساخرة بقلم: معين أبو عبيد
دقّ جرس الهاتف في ساعات الصَباح المبكرة، ليوقظني من نومي، وإذا بمواطن شفاعمري يبدو أنه أصيل تهمّه مصلحة بلدته، استقرارها، وأمنها، لا يحب القيل والقال!!. وقبل إلقاء التحيّة قال بلهفة: عندي خبريّة ما حدا بيعرفها غير أنا وسعادة الريس. قلت: يا ساتر يا رب شو هالخبرية؟ قال ضاحكًا في صوت مرتفع: "وأخيرًا انتهى عهد المَلَك". قلتله يا رجل بس الجرايد المحلية كتبت عن هذا الموضوع، والناس كلها بتحكي فيه، والموضوع حديث الساعة قال: شو ولو صار الكل عارف!! وتتالت المكالمات على نفس المنوال.
دخلت مكتبي، وإذا بعضو بلدية يدعم المعارضة والائتلاف (بتاع كله) يتصل ويسأل: وينك؟ أجبته في المكتب، شو بغدر أخدمك؟ دقيقة وبكون عندك. يدخل وكأنه مالك الكون، وابتسامة عريضة على مُحياه. خير مالك يا أبو فلان قال: اسمع إلك عندي خبرية بس بشرفك خليها بيناتنا. قلتله سرك في بير قال: ما يكنش بير الطيبة. بس بير الطيبة مكشوف للرايح والجاي قلتله للشرق أكثر. قال وين يعني؟ قلتله بير المكسور. قال مالك يا زلمة ما هو مكسور وبنزف قلتله ما كله بنزف بلدتي وخبرك ولو ما قريتش في الصحف مبارح؟ قال لا والله بقراش جرايد وخاصة...
دخل علينا موظف بلدية كبير، وقال: شو رايكو نروح نهمل همه، ونحاول نقنعه يعدل عن استقالته لأنها خسارة للبلد، الملك أصيل وخبير وإلو معارف بيحل وبربط. عجبا قبل شهر كان هذا الموظف عندي، وقال بكفيه القائم بأعمال، شو هي طابو أي والله الكرسي والبلد زهقوا.
تنفست عميقا، وبلعت ريقي وقلت سبحان الله. مشهد وظاهرة المجاملات والتلون للأسف لا تزال تلعب دورا في مجتمعنا.
زاوية رماح القلقة، تتساءل من باستطاعته في هذا البلد أن يملأ هذا الفراغ؟ مسكينة بلدتي ستعاني وتعاني وستشل حركة البلد والبلدية.
من أجلي ومن أجل التسهيل، عليك عزيزي القارئ أعود الى مقالتي: "اللعب خارج خط التّماس والعزف على إيقاع نشاز"
هو الحاكم النّاهي يضع أسس اللّعبة ويشكّل التّركيب، ويعزف على أوتار خاصّة به وبمزاجه، وعلى أنغام وبإيقاعات مبهمة مدروسة عمدا، لا تنسجم مع بقيّة أفراد الفرقة، وبعيدا عن المنطق والواقع فهو يعيش في عالم أحلامه الخاصّة، وهم ليسوا في هذا الوارد ألبتّة. إنّه يتحدّى بكلّ برودة وسخرية كلّ أعضاء الفرقة؛ الكبير والصغير مهما كانت صلاحيّتة وخبرته، فهو السّلطة التّشريعيّة والقضائيّة والتّنفيذيّة.
حقيقة أنّني لا أنكر الارتباك الشّديد الّذي انتابني ولم يسبق له مثيل! فهل أصف هذا اللاعب المخضرم المثاليّ بأنّه " دون كيشوتيّ "؟ أم أنّه صانع العجائب؟ أم الدّاهي ممّا يدفعني إلى أن أكنّ له الاحترام والتّقدير؛ لما يتمتّع به من مكانة مرموقة، وطاقة هائلة، وسلطة مدعّمة. لا شكّ من تمتّعه بالسّلطة والصّلاحيّات المسروقة الّتي لا حدود لها؛ فلا يتجرّأ أحد على بحث أيّ موضوع، أو اتّخاذ أيّ خطوة أو قرار، ولا يدلي بأيّ تصريح دون استشارته وتكرّمه على ذلك الموظّف بالضّوء الأخضر شبه المعدوم؛ لأنّ الضّوء الأحمر دائما، في حالة تأهّب والمطلوب رفع إشارة قف! أمامك حاجز وخطر التّجاوز وبلغه بسيطة جدّا.
اعذروني لو قلت إنّ على أعضاء الفريق أن يتناولوا أقراصا مهدّئة ليسيطروا على ارتجافهم قبل الدّخول إليه! ناهيك طبعا عن إلقاء التّحيّة بكل هدوء، تواضع، وخشوع ربما الرّكوع! كيف لا؟ ربّما عليهم تقبيله بحرارة فلعلّ وعسى أن يفكّر بتلبية مطلب أو تسهيل معاملتك، ولو كانت قانونيّة بحتة، لكنّها تبقى في سلّة الانتظار كأنك تنتظر قطار الصحراء. ولنسّهل عليك عزيزي القارئ فالسّيناريو القديم الجديد الّذي قد يبدو غامضا، ومعادلة معقدة ما زال حاضرا، فما عليك أيّها المواطن - إن قدّر الله عليك - أن تكون أحد اللاعبين سوى إرجاع الكرة إلى قدمي سيّدك حتّى لو كان بمقدورك هزّ الشّباك، وإحراز أجمل الأهداف وإنقاذ فريقك من هزيمة؛ وذلك لأنّ أسس اللّعبة ونتائجها هو من يقرّرها مسبقا، وعليه يجب أن يحرز الهدف فقط عن طريقه وما أكثرها في شباك المواطن المسكين المغلوب على أمره!! وهذه اللّعبة وهذا المشهد كان بالأمس البعيد لكنّه ما زال يكرّر نفسه إلى أن يتمّ تغيير هذا التركيب .
رماح، تبعث بهمسة عرفان وتقدير، لرئيس البلدية السّيد أمين عنبتاوي على أسلوبه الحضاريّ وطريقة معالجته لهذا الموضوع الحسّاس، وعدم إفساح المجال لراقصي الأفاعي بالاصطياد في المياه العكرة، وإسدال الستارة على هذا المشهد. وبهذه المناسبة لا يسعني إلّا أن أبعث بتحياتي للزميل عمر على ما قدّمه، وترك بصمات واضحة وأكيدة في خدمة مصلحة البلدة، متمنيًا له وافر الصّحة والعمر المديد.
[email protected]