معظمنا لن ينسى ذلك اليوم عندما اكتشفوا لأول مرة، عند زيارة الطبيب، أن جسمهم "يحب" السكر كثيرًا، لدرجة أنه لا يرغب في التخلّي عنه بسهولة أو مشاركته مع بقية أعضاء الجسم.
في تلك اللحظة، التي فيها يخبرنا الطبيب بأنه قد تمّ تشخيصنا كمرضى سكّري، نكون ما زلنا غير مستعدّين لتوديع الحياة التي عشناها حتى الآن، وأن زيارة الطبيب هذه، التي كانت من المفترض أن تكون كأيّ زيارة عاديّة قد تحوّلت إلى أمرٍ مختلف تمامًا، مليء بالتحضير للعلاج، بالإحساس بالإحباط، بالكثير من المعلومات التي لم نعتقد أبدًا أننا سنحتاجها، والأهم من ذلك أن مرحلة جديدة من الحياة قد بدأت، ورحلة جديدة تطرق أبوابنا.
ومن قال إننا لا نستطيع أن ننظر إلى هذه الفترة كفترة نتعلم بها، وتمثّل مرحلة جديدة من حياتنا؟
الرحلة الجديدة تتطلّب التزوّد بخارطة:
رايات حمراء؟ وجدناكم!
العلامات الأولية لمرض السكري كثيرة ومتنوعة، وإليكم أبرزها:
-
كثرة التبوّل وزيادة العطش: إذا وجدتم أنفسكم تذهبون إلى المرحاض مرارًا وتكرارًا، وأنكم تستيقظون ليلاً بكثرة للتبوّل، فقد يكون ذلك إشارة لإصابتكم بمرض السكري. في حالة أنكم شُخّصتم بالفعل كمرضى سكّري، تبدأ الكلى بالعمل في حالة من الضخ العالي وتتخلّص من كل بقايا الجلوكوز من الدم، وهذا هو السبب في كثرة الحاجة للتبوّل. وبالمقابل، يحدث العطش المتزايد عندما يحاول الجسم استعادة كل هذه السوائل. يتجلّى هذان العارضان عادةً معًا، ويشكّلان جزءًا من جهود الجسم للحفاظ على مستوى متوازن من السكر في الدم.
-
انخفاض الوزن: يمكن أن يؤدّي ارتفاع مستويات السكر في الدم إلى فقدان سريع للوزن، بين الـ 5 والـ 9 كغم، خلال شهرين إلى ثلاثة. يساعد الإنسولين الجلوكوز على دخول خلايا الجسم لاستخدامه كمصدر للطاقة، ونتيجة لاضطراب في إفراز الإنسولين (داء السكري من النوع 1) و / أو مقاومته (داء السكري من النوع 2)، "يعتقد" الجسم أنه في حالة جوع ويبدأ بتفكيك بروتينات من العضلات كمصدر بديل للطاقة. بالإضافة إلى ذلك، تبدأ الكلى بالعمل لوقت إضافي للتخلص من السكر الزائد مما يؤدّي إلى فقدان السعرات الحرارية، وذلك لكونها عملية تتطلب الكثير من الطاقة. وبالتالي، ما يحدث هو أن الجسم يبدأ في خسارة الوزن بطريقة غير مرغوب بها ودون تخطيط.
-
التعافي البطيء: إذا لاحظت أن الجروح، الخدوش أو الالتهابات لا تلتئم بالسرعة العاديّة، فهذه علامة على وجود مشكلة ما. هذه إشارة كلاسيكية لمرض السكري. يحدث هذا عادة بعد تضرّر عدد كبير من الأوعية الدموية، بسبب وصول كميات كبيرة من الجلوكوز إلى الأوردة والشرايين. في مثل هذه الحالة، فإن الدم الذي من المفروض أن يصل إلى المناطق التي تحتاج إلى الشفاء، يواجه صعوبة في القيام بذلك.
* في حال لاحظت أن هذه الأعراض مألوفة وجسمك يمرّ بها، أو أي تغيّر آخر غير عادي، يوصى بزيارة الطبيب المعالج.
الجسم يشعر بالتغيير
لن نحاول تجميل الأمور، سنلتزم بالشفافية والوضوح معكم، قد يكون ردّ فعل الجسم قاسيًا.
إليكم ثلاث حالات خطرة، من الممكن أن تحدث لجسمكم، إذا لم تأخذوا زمام الأمور وتتحكّموا بالوضع مبكرًا:
-
يمكن أن يزيد مرض السكري من خطر الإصابة بسكتة دماغية. والسبب في ذلك هو وجود نسبة عالية من السكر في الدم والتي يمكن أن تلحق الضرر بالأوعية الدموية. وتصبح الأوعية الدموية متصلّبة ويمكن أن تتسبّب في تراكم ترسّبات الدهون، مما يؤدي إلى تكوين جلطات دموية قد تنتقل إلى الدماغ وتتسبب في حدوث سكتة دماغية.
-
اعتلال الشبكية السكّري- هو أحد مضاعفات مرض السكري الذي يصيب العين. وهو ناتج عن تلف الأوعية الدموية للأنسجة الحساسة للضوء في الجزء الخلفي من العين. كلما قلّ التحكم في مستوى السكر في الدم، زاد خطر الإصابة بمضاعفات في العيون، والتي من شأنها أن تؤدي إلى مشاكل في الرؤية - ابتداءً من مشاكل تعتبر خفيفة وحتى صعبة جدًا-.
-
اعتلال الكلية السكّري (مرض الكلى): وهو خلل في وظائف الكلى لدى مرضى السكّري. هذه الظاهرة - والتي تعد أحد المضاعفات الرئيسية لمرض السكري - تسمى أيضًا بـ DKD (اختصار لـ Diabetic kidney Disease) أو CKD (Chronic Kidney Disease) - مرض الكلى المزمن، والذي يمكن أن تؤدي إلى تدهور حاد وحتى الفشل الكلوي الذي يتطّلب غسيل الكلى (علاج الدياليزا) لمعالجتها، أو زرع الكلى.
كلمات رئيسية ومهمة: المسؤولية، المواظبة، المبادرة
أظهرت الدراسات حول علاج مرض السكري أن التحكم المبكر في مستويات السكر في الدم، في السنة الأولى منذ تشخيص المرض، وخاصة مرض السكري من النوع 2، يقلّل من حدوث المضاعفات المستقبلية ويحدّ من الحالات الصحيّة الخطيرة.
لذلك، يوصى بأن يتعلّم كل مريض مصاب بالسكري كيفية موازنة مستويات السكر في الدم على النحو الأمثل في أقرب وقت ممكن من وقت التشخيص، ومن المهم أن يكون مرضى السكري على دراية بعواقب ارتفاع مستويات السكر مع مرور الوقت.
فيما يلي بعض الأمور التي ستساعد في موازنة مستويات السكر في الدم:
-
تحسّن التمارين الرياضية من جودة حياتنا: الرياضة صحية لكل شيء، ولكن عندما يتعلق الأمر بمرض السكري فهي ذات أهمية قصوى: التمارين تساعد على منع مشاكل في الأقدام وفقدان الوزن، والأهم من ذلك أنها تساهم في موازنة مستويات السكر في الدم. صحيح أن الأمر ليس سهلاً دائمًا وليس هناك دائمًا رغبة في ممارسة الرياضة، ولكن في الحقيقة لا يتعيّن عليكم "أن ترهقوا أنفسكم" ببذل الكثير من الجهد. حتى التمرين القصير والسهل نسبيًا يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا.
-
استشارة الطبيب المعالج: اعتمادًا على نوع مرض السكري الذي تم تشخيصه، نوع 1 أو 2، يوصى باستشارة الطبيب المعالج حول كيفية تلقّي الإنسولين- الذي ينقل السكر الزائد من الأوعية الدموية إلى الخلايا، وينظّم مستويات السكر في الدم ويقلّل من مخاطر حدوث مضاعفات.
-
المراقبة الذاتية: استخدام جهاز لفحص مستويات السكر في الدم (غلوكومتر): أثناء العلاج بالإنسولين من المهم جدًّا مراقبة مستويات السكر في الدم لتقييم نجاعة العلاج ومعرفة ما إذا كان ينبغي تغيير الجرعات.
-
الحرص على التغذية السليمة: من أهم التوصيات التي تُعطى لمرضى السكّري عند تشخيصهم، هو طلب المشورة الغذائية من اختصاصية تغذية علاجية. الغرض من الاستشارة هو ملاءمة قائمة الغذاء اليومية الشخصية لمرضى السكري وفقًا لمعطيات الجسم والميول الغذائية وحالة المرض وغير ذلك.
لم نقل إن الرحلة ستكون هيّنة. كل من يشارك بها قد يتوه أحيانًا أو يواجه المصاعب في الطريق. ولكن إذا تمسّكنا بالخارطة التي في أيدينا، والمعرفة التي اكتسبناها والعلامات التي وضعناها، فسنكون في النهاية قادرين على عيش الحياة والوصول إلى الهدف الذي كان دائمًا أمام أعيننا، وسعينا لتحقيقه: الوصول للضوء في نهاية النفق.
* للمزيد من المعلومات حول الأعراض وطرق العلاج الأخرى لمرضى السكّري، يرجى التوجّه للطبيب المعالج.
[email protected]