نشر بـ 24/05/2022 12:37
|
التعديل الأخير 24/05/2022 12:47
بقلم: هاني المصري
تمرّ ذكرى هبة القدس وسيفها مع احتمالية أن نشهد، يوم الأحد القادم، مواجهةً شعبيةً وعسكريةً جديدةً بعد موافقة وزير الأمن الإسرائيلي على تنظيم "مسيرة الأعلام"، ومرورها من باب العامود والحي الإسلامي، وبعد قرار المحكمة الإسرائيلية بإزالة القيود على المقتحمين للأقصى لتمكينهم من ممارسة طقوسهم الدينية في باحاته.
حذّرت فصائل المقاومة، على لسان إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وزياد نخالة، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، والناطقين العسكريين، من أنها لن تسمح بتغيير قواعد الاشتباك وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل معركة سيف القدس.
وإذا لم تستطع تدخلات الوسطاء، وخصوصًا المصريين، من إقناع سلطات الاحتلال بإلغاء المسيرة أو تغيير مسارها، فإن سيناريو المواجهة العسكرية التي لا يريدها الطرفان وارد جدًا؛ إذ قال قيادي في "حماس" إذا لم تصل رسائلنا عبر الوسطاء فستجد طريقها عبر الصواريخ.
لا تريدُ المقاومةُ المواجهةَ العسكريةَ؛ لأنها مكلفة جدًا وقطاع غزة لم يلملم جراحه كما لم يُعد بناء ما تهدم في المعركة السابقة، وكذلك حكومة الاحتلال لا تريدها جراء الخسائر المترتبة على المواجهات السابقة، وخصوصًا بعد أن ضربت صواريخ المقاومة مواقع في القدس وتل أبيب وعطّلت مطار اللد، وعلى خلفية الخلافات في المستوى السياسي وعلى صعيد القادة العسكريين والأمنيين الذين لا يوصون بالمواجهة العسكرية؛ لأنهم لا يضمنون نتائجها، وبالتالي إذا حصلت بدلًا من أن تساعد على تجاوز أو التقليل من الأزمة الحكومية التي تهددها بالسقوط فتسارع في سقوطها.
إذا نفذت المقاومة تهديدها بإطلاق الصواريخ فهناك مشكلة؛ لأن الثمن مكلفٌ جدًا، وإذا لم تطلق بعد تعهداتها وبعد سيف القدس فمشكلة أيضًا؛ لأنه يمس بمصداقيتها. لذا، لا بد التواضع في التصريحات والوعود، ولا بد من بلورة إستراتيجية واحدة قادرة على إنهاء الانقسام وتحقيق الترابط والتكامل بين أشكال النضال؛ حيث يكون اللجوء إلى صواريخ المقاومة آخر شيء، ويتم عند حدوث خطوات كبرى، مثل الضم، وترسيم التقسيم الزماني والمكاني، وارتكاب مجازر كبيرة، أو ترحيل جماعي يقوم به الاحتلال. أما وضع خط أحمر يطالب بمنع كل ما يجري بشكل متكرر من دون الالتزام به سيؤدي إلى الخيبة واليأس، وربما إلى النقمة على أصحاب الوعود الكبيرة.
في هذا السياق، لا بد من أخذ موازين القوى في الاعتبار من دون الخضوع الكامل لها، وأخذ خصائص وإمكانات وقدرات كل تجمع فلسطيني بالحسبان، فلا ينفع تقديس العفوية والعمليات الفردية ودعوة كل فلسطيني أن يخرج للقتال بما يملك من سلاح أو فأس؛ لأن هذا يحدث فقط عند اندلاع المواجهة الشاملة واللجوء إليه من دونها ينذر بحدوث مواجهة شاملة قبل أوانها.
إنّ الأعمال الفردية عظيمة كونها تسد جزءًا من الفراغ الناجم عن تقادم الفصائل والأحزاب وترهلها، وعدم ميلاد فصائل وحركات جديدة قادرة على سد الفراغ؛ أي أنها تعكس المأزق، والمهم الانشغال في كيفية تجاوز المأزق، وليس إنكاره، ولا التعامل مع المقاومة تارة وكأنها عصا سحرية قادرة على كل شيء، وتارة أخرى وكأنها مطالبة فقط بإبقاء جذوة الصراع مستمرة إلى أن ينهض المارد العربي أو الاسلامي أو الأممي، في حين أنها قادرة على تحقيق ما يمكن تحقيقه الآن، وفي كل مرحلة، على طريق تحقيق الأهداف والأحلام الكبيرة التي ستتحقق نتيجة تغيير جدي في موازين القوى والظروف العربية والإقليمية والدولية، وإذا لم تحقق إنجازات ملموسة ستفقد شعبيتها.
زيادة ملموسة في غير القادرين على احتمال استمرار الوضع الحالي
سأتناول في هذا المقال أين يقف طرفا الانقسام في الساحة الفلسطينية، وأصر على استخدام هذا المصطلح الذي يزعج أوساطًا كثيرة عند الطرفين، بحجة أن طرفًا واحدًا يتحمل مسؤولية الانقسام، أو لأن الانقسام انتهى في ظل وحدة الشعب ما عدا مجموعة متحكمة، وأنا ما زلت أعتقد أن الانقسام بمنزلة نكبة جديدة، وهو مستمر ويتعمق ويسير نحو انفصال دائم، ولا يتحمل مسؤولية وقوعه واستمراره طرف واحد، بل طرفا الانقسام، وإن بتفاوت بين مرحلة وأخرى، فلا يمكن وضع حركة فتح وأنصارها وحلفائها في الكامل خارج الصف الوطني كما يصل البعض، مع أن الرئيس والقيادة الرسمية يتحملون المسؤولية الأولى الآن ومنذ فترة، وبعد ذلك تتحمل "فتح" و"حماس" المسؤولية ثانيًا.
سأبدأ بعرض ما يواجه الرئيس والقيادة الرسمية وحركة فتح الذين يبدون في وضع لا يحسدون عليه، لا سيما بعد وصول خيار المفاوضات والعملية السياسية إلى طريق مسدود، وفشل كل المحاولات والرهانات على إعادة إنتاجه، وسيرهم نحو الأخذ بالتعامل مع "تقليص الصراع" و"السلام الاقتصادي"، ومواصلة التعاون الأمني بدلًا من اختيار تغيير المسار بشكل جوهري، من خلال الوحدة على أساس برنامج وطني يجسّد القواسم المشتركة والمقاومة والشراكة والديمقراطية.
كما تواصلت عملية الإجهاز على منظمة التحرير كما يظهر في عدم عقد اللجنة التنفيذية اجتماعات، وعدم توزيع المهمات للأعضاء الجدد، وخصوصًا مهمة أمين سر اللجنة التنفيذية؛ ما يعمق تجميد عمل مؤسسات منظمة التحرير، وتهميشها، وتحويلها إلى تابع للسلطة، خصوصًا بعد قرار شطب المجلس الوطني، وتحويل كل صلاحياته إلى المجلس المركزي، الذي يجري بتسارع تحويله إلى بديل عن المجلس التشريعي في ظل عدم وجود نية بإجراء الانتخابات العامة، ولا التوصل إلى وفاق على المشاركة، ولو عن طريق التعيين والمحاصصة الفصائلية، وكذلك عدم الاستعداد لتفعيل المنظمة كما هي، التي تحولت بقدرة قادر إلى دائرة من دوائر السلطة بقرار تم الإيحاء بتعديله ولم يسحب، لكنه ألحق بقرارات مثل ضم كل موظفي ودوائر المجلس التشريعي إلى رئاسة المجلس الوطني/المركزي، وتجهيز غرفة رئيس المجلس التشريعي لكي يشغلها روحي فتوح الذي عين عمليًا رئيسًا للمجلس التشريعي المنحل رسميًا، والذي حل محله المجلس المركزي عمليًا.
ولا يقتصر مأزق هذا الفريق على تجويف مؤسسات المنظمة وتهميشها، وإنما يظهر مأزقه في أن الحكومة تعاني من غياب رؤية وخطة، ومن تداخل بالصلاحيات؛ حيث تبدو في العديد من الحالات آخر من تعلم، ولا تملك من أمرها شيئًا بعد عجزها عن تعديل تركيبتها على الرغم من الإعلان عنه، وفي ظل الأزمة المالية المعرضة للتفاقم ووسط محاولات حثيثة لجعلها كبش فداء مثلها مثل كتلة الشبيبة في جامعة بيرزيت، كما نرى في الحديث الدائم عن فشل الحكومة وقرب تغييرها من أشخاص كانوا المبادرين إلى إقناع الرئيس بتشكيلها رئيسًا ووزراء، مع أن المسبب الرئيسي للتدهور في مختلف المجالات هو سياسة وأداء القيادة الرسمية التي أوصلها إلى حد أنها لم تعد ذات صلة ليس بما يجري في غزة، وإنما فيما يحدث في القدس والأقصى، ولدرجة عقد اجتماعات وقمم عربية وعربية إسرائيلية من دون وجود ممثل عن الفلسطينيين.
"فتح" لم تعد تشبه نفسها ولا شعبها
جاء التأجيل المتكرر لموعد عقد المؤتمر الثامن لحركة فتح على خلفية الخلاف حول مخرجاته، وعلاقة ذلك بالصراع على الخلافة بعد وجود إشارات إلى أنها تسير باتجاه واضح نحو تكريس شخص بعينه بعد التعيينات الأخيرة في المنظمة، وكذلك نتائج انتخابات جامعة بيرزيت غير المسبوقة التي فازت فيها كتلة الوفاء، الذراع الطلابي لحركة حماس، بالأغلبية، 28 مقعدًا من أصل 51، فيما حصلت كتلة الشبيبة الفتحاوية على 18 مقعدًا، وتداعياتها المتمثلة في استقالة أمين سر وأعضاء إقليم رام الله والبيرة، وتجميد الأقاليم في المحافظات الشمالية لعملها إلى حين إصلاح الأوضاع التنظيمية، ووجود إرهاصات ومطالبات من داخل "فتح" وخارجها تذهب أبعد من ذلك بكثير تطالب بتغيير شامل للقيادة والرئيس عبر تقديمها الاستقالة أو إجبارها على الرحيل؛ لأن "فتح" لم تعد تشبه شعبها، ولا نفسها، واستمرار الوضع على حاله ينذر بالتدهور الشامل، وسيسدل الستار على واحدة من أكبر وأهم حركات التحرر في المنطقة وعبر التاريخ .
وما يميز الإرهاصات الحالية من داخل "فتح" وخارجها أنها لم تعد تؤمن بالعمل من داخل الأطر في "فتح" والسلطة والمنظمة وعبر المناشدات والمطالبات؛ لأن هذه الأطر غير موجودة، فكل مقاليد الأمور في يد شخص واحد، ومعيار التعيين لأي شخص بأي منصب مهم أو حتى غير مهم في الوزارات والأجهزة والمحافظين والسلطات المختلفة الموالاة التامة، وهذا انعكس وسينعكس على دور ووزن حركة فتح التي لم تعد قادرة على الحفاظ على دورها القيادي السابق، ولا المشاركة الفاعلة في القيادة، فكل ما يهم القائمين حاليًا والمتحكمين بالقرار بقاء السلطة والوضع الحالي بأي ثمن، وبقاء الحال كما يقال على ما هو من المحال، فالتغيير سنة الحياة، والمهم أن يكون تغييرًا إلى الأمام لا إلى الخلف، وهذا غير مضمون، فقد يكون الحراك المتأخر نوعًا من "حلاوة الروح"، أو بداية عهد جديد ينسجم مع اقتراب النهوض الجديد الذي بدأت إرهاصاته تتعاظم، خصوصًا في السنوات الأخيرة.
"حماس" أيضًا في مأزق
وإذا انتقلنا إلى الطرف الآخر، وتحديدًا حركة حماس، سنجد أنها أيضًا في مأزق، وإن اختلف في عمقه وأسبابه ونتائجه، ويظهر في استمرار نوع من التداخل بين الوطني والإسلامي، وتأثير المحاور المختلفة وتأثير ديكتاتورية الجغرافيا، وفي أن الإنجازات التي حققتها تمت، وقطاع غزة لا يزال تحت الحصار وفي أكبر وأطول سجن في التاريخ، وبدلًا من البحث في كيفية كسر هذه المعادلة يتم تضخيم قوة المقاومة بصورة ضارة، من خلال الحديث عن إمكانية زوال الاستيطان حتى نهاية العام، والتبشير بقرب زحف اللاجئين من بلدان الطوق، واعتبار شعبنا في الداخل ناضجًا وفي أفضل حال؛ أي تصور ما ليس قائمًا، أو ليس من المحتمل حدوثه سريعًا، لتبرير عدم التدخل بدلًا من وضع الخطط والأعمال الكفيلة بإنضاجه.
في هذا السياق، تصورت أوساط نافذة في "حماس" أنها باتت قادرة على قيادة السفينة الفلسطينية، وهذا غير دقيق؛ لأن القيادة بحاجة حتى تقود إلى أكثر من الصواريخ، بحاجة إلى فكره ناظمة ورؤية وطنية جامعة تشاركية، فالمقاومة وحدها لا يمكن أن تمكن من القيادة، خصوصًا إذا كانت مقيدة وتخدم سلطة تقودها "حماس" انفراديًا، ومرتبطة ومحكومة بتفاهمات تغيّرت من معادلة "هدوء مقابل هدوء" إلى "هدوء مقابل تسهيلات وتخفيف للحصار".
من يقود أو سيقود، عليه أن يحدد الهدف المركزي، والأهداف التي يمكن تحقيقها في هذه المرحلة، وكيف يمكن الوصول إليها، ولا بد أن يكون في الحساب هل الإقليم والعالم عامل مساعد أم معرقل أم معارض؟ وهذه نقطة في منتهى الأهمية؛ لأن الرهان على الحرب الإقليمية حول القدس وفلسطين بحاجة إلى تدقيق في ظل احتمال الاتفاق على الملف النووي.
المقاومة وحدها لا تكفي وليست حلًا، بل أداة مهمة للحل الوطني
على الرغم من تبني "حماس" لوثيقة سياسية تتضمن تطورًا سياسيًا في العام 2017، وتحديدًا للهدف الوطني، إلا أن تصريحات وممارسات الكثير من قياداتها لا توحي بالعمل على هدى هذه الوثيقة، وعلى "حماس" أن تجيب مرة أخرى عن أسئلة، مثل: هل تستهدف في هذه المرحلة إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة على طريق التحرير الكامل، أم أنها تنتظر وتتوقع زوال إسرائيل خلال فترة وجيزة حدها الأقصى العام 2027، أي عندما تبلغ إسرائيل عمر الثمانين، وكأنه لا يكفينا نبوءة زوال إسرائيل 2022 ليحل محلها لعنة الثمانين؟
وهل تعدّ "فتح" في المعسكر الوطني أم خارجه، وهل تريد شراكة مع "فتح" على أساس وطني عن طريق الاتفاق أو الانتخابات أم كليهما، أم تريد الإطاحة بقيادة "فتح" والحلول محلها، أم الإطاحة بنهج التخاذل والتساوق فقط؟
وهل خطتها موضوعة على أساس أن إسرائيل ستزول عندما تتوفر عوامل زوالها؟ وهذا يمكن أن يحدث، ولكن بالعمل الحثيث والمثابر لتوفير شروط حدوثه، وليس عبر انتظار حدوث أو حتى الترويج لنبوءات ولعنات، حتى لو كررها قادة إسرائيليون في معظم الأحيان لأغراض في نفس يعقوب.
لقد رفعت "حماس" سقفها السياسي كثيرًا بعد معركة سيف القدس أكثر مما ينبغي، وتصورت أنها ستكون مثل معركة الكرامة بالنسبة إلى حركة فتح، فطرحت تشكيل مجلس وطني وقيادة مؤقتة بالتعيين لمدة عامين، وعندما وجدت أن هذا غير ممكن كونه غير مقبول، طرحت على استحياء، وبتردد، مسألة الجبهة الوطنية العريضة، باعتبارها خطوة على طريق استعادة الحيوية والوحدة في إطار المنظمة، وهذا تطور مهم، شرط ألا تكون مجرد محاولة لاستبدال هيمنة "فتح" بهيمنة "حماس"، أو مجرد تكتيك مؤقت إلى أن ينضج اتفاق محاصصة ثنائي جديد مع "فتح".
تكمن أهمية الجبهة إذا استندت إلى هدف الإنقاذ الوطني ورؤية شاملة وطنية تعددية تشاركية ديمقراطية، تحدد الأهداف وأشكال العمل والنضال والتحالفات والمراحل، ولا تنظر إلى الآخرين باعتبارهم مجرد ملاحق، وإنما بوصفهم شركاء في الدم والقرار في السلطة والميدان، وفي الأرباح والخسائر.
وهذا يتضمن إشراك الآخرين في حكم قطاع غزة، وتقديم نموذج حكم رشيد، وإجراء الوحدة الميدانية في مختلف المستويات إلى أن تتحقق الوحدة الشاملة، والتعامل مع الآخرين، وإجراء الانتخابات المحلية في مختلف القطاعات والمجالات بشكل منتظم إلى حين إجراء الانتخابات العامة، وإعطاء إنهاء الانقسام الأهمية التي يستحقها، بما في ذلك توفر استعداد حقيقي للتخلي عن السيطرة الحمساوية على غزة مقابل شراكة كاملة في السلطة والمنظمة بعد تغيير السلطة، لكي تكون في خدمة المشروع الوطني وإعادة بناء وإحياء وتفعيل المنظمة لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي المؤمن بالشراكة.
|
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]