يتابع العالم بقلق التطورات العسكرية في أوكرانيا، كما تابع أخبار الحروب والمعارك في العديد من الأماكن سابقا، وأكثر ما يقلقنا حياة الانسان وحريته وحقه في الحياة بكرامة إنسانية، ودائما كان للحروب تداعيات اقتصادية واجتماعية لكن أن يصل الأمر إلى حد محاربة الثقافة عموما والأدب خصوصا لم يخطر، ربما، ببال أحد منا، خاصة إذا جاءت على خلفية عنصرية ونظرة فوقية بغيضة.
فوجئنا مؤخرا بما نقلته صحيفة "ميلانو" الإيطالية وعدد من المواقع الاخبارية، عن الكاتب باولو نوري، أن جامعة "بيكوكا" في ميلانو، حيث كان من المفترض أن يلقي نوري سلسلة محاضرات عن فيودور دوستويفسكي، ألغت محاضراته لأسباب سياسيّة (!) متعلّقة بالحرب الروسية- الأوكرانيّة. كما نقلت المواقع والمحطات الإعلامية أخبارا، عن إلغاء عروض فنية وإقالة موسيقيين وفنانين من وظائفهم الرفيعة، وحجب مشاهد مسرحية أو مقاطع أدبية وفنية، بجريرة أنها روسية أو امتناع أولئك المفصولين عن اتخاذ موقف سياسي من الحرب (!)
إن هذه الهجمة "الوحشية" على الأدب والفن – يضاف إليها الهجوم على الرياضة والرياضيين – من قبل الغرب "الديمقراطي" و"المتنور" كما يدعي، تكشف عن وجهه البغيض، العنصري، المتعالي والمتغطرس، وعن ضيق أفق ومصالح لا علاقة لها بالقيم الإنسانية. من هنا فإننا، في "الاتحاد العام للكتّاب الفلسطينيين- الكرمل 48"، وبغض النظر عن الموقف الفردي الذي يتخذه كل كاتب منا من الحرب، نستنكر هذه الحملة ونرى بها إجراءات ظلاميّة تعود بنا إلى الذهنيّات التحريميّة القروسطيّة، والتي تقوم بها شرطة الأفكار في الجامعات والمؤسسات، تلك التي، نحن ككتّاب فلسطينيين، ذقنا الأمرّين منها، وتلظّينا بنارها، في منهاج المدارس والجامعات الإسرائيليّة، وندينها ونرفضها بشدّة.
إن الكاتب الروائي والقصصي والصحافي والفيلسوف فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي، صاحب مكانة عالمية رفيعة، لأنه عرف خلال أزمة بلاده والجنس البشري كله، كيف يضع الأسئلة بادراك خيالي حاسم. وهو من مواليد العام 1821 في روسيا، ورحل عن الدنيا عام 1881، تاركًا للإنسانيّة إرثًا إبداعيًا عظيمًا، تُرجم وقُرئ في كل أنحاء العالم، مؤثّرًا في المسيرة الثقافية العالميّة. وأكثر أعماله شهرة "الإخوة كارامازوف" و"الجريمة والعقاب" و"الأبله".. وغيرها، التي درستها وقرأتها، وما زالت، أجيال وأجيال، لا يحق لأحد إلغاؤها من التراث الإنساني بقرار أبله.
[email protected]