قبل عشرة أيام من موعد الانتخابات الإسرائيلية، فجّرت الادارة الاميركية قنبلة مدوّية في وجه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بدت وكأنها رد على خطابه في الكونغرس: الكشف عن وثيقة تفاهمات مع الفلسطينيين قبل بها نتنياهو قبل حوالي 14 شهراً وتتحدث عن انسحاب إلى حدود العام 1967.
وإذا لم يكن هذا كافياً، فإنّ الوثيقة تتحدث أيضاً عن تقسيم القدس وإخلاء مستوطنات. وبديهي أن وقع هذه الوثيقة كان أقرب إلى انفجار قنبلة في مقر قيادة اليمين الإسرائيلي.
وجاءت الصرخة الأولى من زعيم البيت اليهودي، نفتالي بينت الذي أعلن أن نتنياهو تنازل عن القدس وعن «أرض إسرائيل».
وإذا كان خطاب نتنياهو أمام الكونغرس جلب له مقعدين أو ثلاثة مقاعد من أوساط اليمين، فإن الوثيقة التي كشفت عنها «يديعوت»، وليس صدفة من واشنطن، تنذر بخسارة مقاعد وربما الانتخابات.
وتتحدث بعض الأوساط الإسرائيلية عن احتمال تكرار ما وقع مع شمعون بيريز حينما خسر الانتخابات لصالح نتنياهو بسبب الكشف عن وثيقة «بيلين» مع الفلسطينيين في العام 1996.
وبحسب ما نشر فإن مبعوث نتنياهو إلى المفاوضات مع الفلسطينيين، المحامي اسحق مولخو، بلور في نهاية العام 2013 وثيقة تفاهمات مفصلة مع مقربين من الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وتتحدث الوثيقة عن إقامة دولة فلسطينية وعن تبادل أراض، بل وعن عودة محدودة للاجئين فلسطينيين إلى داخل أراضي «الدولة اليهودية»، على أساس إنساني ووفقاً لاعتبارات الحكومة الإسرائيلية.
وأشارت «يديعوت» إلى أن ممثل الرئيس عباس في المباحثات مع مولخو كان حسين آغا، وأن الوثيقة أسميت «مقترح لوثيقة مبادئ بشأن الوضع الدائم» وصيغت في آب 2013. وصيغت مسألة القدس في الوثيقة بشكل حذر: اعتراف بالمطامح القومية للفلسطينيين في شرق القدس.
وجاء في الوثيقة أيضاً، أن «يتفق الطرفان على أن فلسطين دولة مستقلة وسيادية في أرض قابلة للحياة توازي في مساحتها الأرض التي كانت تحت سيطرة الأردن ومصر قبل الرابع من حزيران 1967. واتفاق إقامة فلسطين يحل كل مشاكل الوضع الدائم، بما في ذلك المستوطنات. الإسرائيليون الذين سيختارون البقاء في أماكنهم في دولة فلسطين يعيشون تحت الحكم الفلسطيني... ويكون انسحاب تام على مراحل للقوات الإسرائيلية من أراضي فلسطين. القوات الإسرائيلية الأخيرة يتم إخلاؤها مع تنفيذ المرحلة النهائية من الاتفاق».
وقد تبلورت الوثيقة في نطاق قناة اتصال سرية أدارها مولخو مع الفلسطينيين ويجري الحديث عنها منذ خمسة أشهر، بعدما كشف أمرها موقع «والا» الإخباري.
وأمس، نشرت «يديعوت» على صفحتها الأولى الوثيقة التي كانت أطراف عدة أكدت وجودها من دون أن تكشف معطياتها. ومعروف أن من واكب صياغة هذه الوثيقة من جانب الأميركيين لم يكن سوى المبعوث الرئاسي الخاص دينيس روس.
وفي مقابل ما أبدى الإسرائيليون من تنازلات في الوثيقة، وافق الفلسطينيون باسم عباس على تنازلات في مسائل حساسة، كمكانة القدس والترتيبات الأمنية وهوية إسرائيل كـ «دولة يهودية». وقال مصدر أميركي إنه «في مقابل موافقة إسرائيلية صريحة على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 مع تبادل أراض متفق عليه، باع الطرف الفلسطيني كل الحانوت، ما بدا في حينه وكأنه أفضل من أن يكون حقيقياً».
ولكن لاحقاً، ووفق «والا»، عندما تبين أن التفاهمات وضعت في القناة التفاوضية التي أدارها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، تبين أن التنازلات التي قدمها المندوب الفلسطيني في المباحثات تمت من دون موافقة عباس.
ولكن موقف نتنياهو كان أكثر تعقيداً. فقد وافق على ظهور عبارة «الحدود المستقبلية والآمنة للدولة الفلسطينية تستند إلى خطوط 1967 مع تبادل أراض متفق عليها ثنائياً»، في وثيقة الإطار التي أعدها كيري. وطلب الاحتفاظ بحق التحفظ على وثيقة كيري، وعرضها على ممثلي اليمين داخل حكومته باعتبارها «وثيقة أميركية» لا تمثل إسرائيل.
وبحسب مصدر أميركي، فإن الفارق بين وثيقة كيري ووثيقة التفاهمات التي تبلورت في المسار السري «هو أنه يستحيل عرض وثيقة المسار السري كورقة أميركية وحسب، غير ملزمة لإسرائيل. فالحديث فيها يدور عن وثيقة كان التدخل الأميركي في صياغتها ضعيفاً، وصاغها تقريباً الرجلان، إسحق مولخو ممثلاً لنتنياهو والممثل الفلسطيني الذي يعتبر قريبا جداً من عباس».
وجاء الرد من أوساط اليمين الإسرائيلي سريعاً. فبعد نشر الوثيقة كتب نفتالي بينت في صفحته على «فايسبوك» أن «رئيس الحكومة، تحت ضغط شديد من الإدارة الأميركية، قدم اقتراحاً لعباس أساسه: العودة إلى خطوط العام 1967 مع تبادل أراض، وتأجيل موضوع القدس واللاجئين، وعدم تدمير مستوطنات يهودية وإنما نقلها للسيادة الفلسطينية، أو إخلاؤها بالاتفاق مع تعويضات. نعم هذه وقائع».
وقال بينت إن هذه الوقائع سبق ونشرتها «ماكور ريشون» و «القناة 7» ووسائل إعلام أخرى بينها «يديعوت أحرنوت»، محذراً أنه «في العامين القريبين ستمارس ضغوط شديدة لم يسبق لها مثيل على إسرائيل لتسليم يهودا والسامرة إلى العرب لإقامة دولة فلسطينية. من دون بيت يهودي كبير، هذه الكارثة ستقع. لن يوجد من يوقفها».
ورد الليكود على الوثيقة وكلام بينت في بيان رسمي باسم نتنياهو جاء فيه: «هذا حشد من الهراء. لم يسبق لي أن قبلت بتقسيم القدس أو العودة لخطوط العام 1967. كما لم أقبل أبداً التنازل عن التواجد في غور الأردن أو الإقرار بحق العودة».
وأضاف أن «ما كان هو محاولة لبلورة مسودة أميركية، قلت سلفاً أنني سأعارض البنود غير المقبولة عندي. لم يصر رئيس حكومة بشدة على البناء والاستيطان مثلي. والواقع أننا بنينا آلاف الوحدات الاستيطانية في القدس والسامرة وصمدنا أمام ضغوط غير اعتيادية».
[email protected]