عندما قررت أن أتطرق إلى هذا الموضوع الحساس، تزاحمت في مخيلتي العبارات وتسابقت إلى ذهني الكلمات ووقعت في صراعٍ مع نفسي وضميري، متسائلًا وأنا بين نارين؛ نار الصّمت، ونار الكلام: هل من حقي التطرق إلى موضوع شخصي؟ ماذا أقول في مثل هذا الحدث والموقف؟ تسارعت أنفاسي وارتجف قلمي خوفا وحرصا من أن تثير كلماتي المشاعر أو أن يساء فهم ما بين السطور، رغم أنها تهدف الى نبذ هذا المشهد المتكرّر.
في هذا المقام كنت أود أن يكون عنوان مقالتي هذه مدينتي فلة، شمعة منورة كما عهدناها، ليس فقط بإنارة قلعتها رمز ماضيها وحاضرها. لكنّ ما يجري ويدور من اعتداء على الخصوصيات، ودوس كرامة الغير وهدم الأسرة والرقص على دماء الجريح من خلال نشر وتناقل لقطات من فيديو مصور، بطريقة متعمّدة، لوضع شخصيّ، مهما كانت الأسباب والظروف، لهو دليل قاطع على ما وصلنا إليه من انحلال خلقيّ.
فماذا نتج عن ذلك النّشر الدنيء؟ إنّه اختراق مقيت لأقدس أقداس الفرد والمجموع؛ إذ وصل الفحوى إلى كل هاتف نقال، ليصبح في متناول الكبير والصغير على جميع مستويات وطبقات المجتمع، وليس فقط على شريحة الشباب وضعاف العقول والإيمان، ليغدو سلعة مرغوبة يبيعها الشباب وطلاب المدارس ببضعة شواقل، ويصبح الأمر، للأسف، حديث الساعة بين أروقة المكاتب والجلسات العائليّة والمحطات، حتّى بات شغل أهل المدينة الشاغل بجميع أطيافها ناسين ومتناسين كل ما يجري من أوضاع مأساوية وتطوّرات على الصعيد العالميّ، وما نعاني من أوضاع متردّية في معظم مجالات ومرافق الحياة على الصعيد المحلي؛ كلّ ذلك جعلني أختار هذا العنوان المحبط ، الأمر الذي يعني أننا تجاوزنا كل الخطوط الحمراء، وتخلّينا عن أصول التربية والقيم، وأصبحنا أعداء الدين والله باختيارنا مسلك الشر ونشر الرذيلة، وهذه ظاهرة خطيرة جدًّا علينا كأسرة شفاعمريّة واحدة موحّدة العمل معًا وسوية وبحسن نوايا بشتّى الوسائل، التصدي لها، قلبًا وقالبًا، لما قد تخلّفه من نتائج سلبية على المجتمع.
أدعو أحبّتي، أبناء وبنات بلدي الأعزّاء، إلى العمل بالحديث الشّريف، عن ربّ العزّة أنّه قال مخاطبا عباده: مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، قَبْلَ أَنْ تَدْعُونِي فَلَا أُجِيبَكُمْ، وَتَسْأَلُونِي فَلَا أُعْطِيَكُمْ، وَتَسْتَنْصِرُونِي فَلَا أَنْصُرَكُمْ".
[email protected]