بينما كانت صولانج الجميل تعد المقبلات اللبنانية وخاصة التبولة والحمص بطيحنة والباباغنوج لتقدمها على طاولة الإجتماع في منزل بشير الجميل حيث كان في جلسة عمل مع أرييل شارون الذي أعجب كثيراً بطريقة إعدادها وتقديمها للطعام، وبينما كان الإجتماع في بدايته دخل سمير جعحع للمشاركة به ببدلته العسكرية وذلك بناءً على توصية مباشرة من رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي ناحوم أدموني وكانت النقطة الأساسية المطلوب بحثها في هذا الإجتماع هي كيفية التخلص من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وتهجير وتوطين عدد منهم وسلخهم جميعاً عن هويتهم الوطنية، وهذه دلالة تؤشر على أن ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا لم يكن مجرد إنتقام لمقتل بشير الجميل الذي حصل بعد هذا الإجتماع وإنما هي إستكمال للسيرة والمسيرة المستمرة من بشير إلى سمير وغيره من قادة القوات اللبنانية الذين ارتكبوا هذه المجزرة التي استفاق العالم على بشاعتها من خلال مشاهد الدماء المسفوكة في أزقة المخيم وشارعه الرئيسي حيث انتشرت الجثث المذبوحة بلا رؤوس ورؤساً بلا أعين وأخرى محطمة وبطون مبقورة وجثث ممثل بها لرجال وأطفال ونساء من المدنيين العزل غالبيتهم من الفلسطينيين واللبنانيين تجاوز عددهم 1600 ضحية بينما العدد وفق منطق من ارتكبوا المجزرة مختلف حيث صرح أحد المجرمين ضاحكاً من الأرقام المعلنة وقال: حين يحفرون نفقاً للميترو في بيروت سيعرفون العدد الحقيقي، وهذه لغة تتناسب مع لغة ميليشيا القوات اللبنانية الذين قال عنهم أحد الجنرالات الإسرائيليين: نحن الذين دربناهم على حمل السلاح فهم ليسوا إلا عصابات همجية في لباس عسكري وحتى اللباس العسكري منا، وأضاف: هم الآن مجرد دمى في أيدي دول الخليج وقال ضابط الإستخبارات الإسرائيلي إلكان هارنون المطلع على السيرة والمسيرة أمام لجنة كاهانا إن قوات الكتائب اللبنانية قالوا أمامه: سنحول صبرا إلى مزرعة حيوانات وشاتيلاً إلى موقف سيارات، ومنذ ما قبل لقاء بشير وسمير مع أرييل شارون كانت القيادات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية ترشح سمير جعجع للقيام مباشرة بمهمة التخلص من اللاجئين الفلسطينيين كونه شخص ذو طبيعة إجرامية وموثوق جداً بالنسبة لهم مستندين إلى رده على سؤال إرييل شارون له في ذلك الإجتماع حين سئله: ماذا تفعل لو اعتقلت فلسطينياً، فأجاب: الفلسطيني لا نحقق معه بل نقتله. ولهذا زاد إعجاب الإسرائيليين به أكثر من إعجابهم بشخصية بشير الجميل الذي كان بنظرهم أقل مما قاله عنه الكاتب والصحافي الكبير غسان تويني حين قال للجميل: أنت فاشي صغير ونازي صغير وشخص كثير الخوف ولهذه الأسباب وغيرها كانت علاقة سمير جعجع بالموساد أقدم وأكثر عمقاً من علاقة بشير الجميل وكان صلة الوصل الأولى لهذه العلاقة النائب الحالي لسمير جعجع جورج عدوان من خلال محطة الموساد في باريس التي التقى فيها جورج عدوان مع ديفيد كيمحي أمين عام وزارة الخارجية الإسرائيلية في ذلك الوقت والذي كان مهتماً بشخصية سمير جعجع الذي وصفه لاحقاً الجنرال عاموس جلعاد الرئيس السابق للدائرة الأمنية والعسكرية في وزارة الدفاع الإسرائيلية بأنه شخص مرعب وصاحب عينين جاحظتين مليئتين بالموت وقال أيضاَ إن كل التحذيرات بشأن الخطر الكامن وراء العلاقة الحميمة بين القوات والموساد والتي أصبحت فوق كل نقد قد أدت لأن تكون مجزرة صبرا وشاتيلا بهذه البشاعة التي فاقت أي تصوير بشري.
وحول هذه العلاقة أيضاً قال رئيس جهاز الموساد ناحوم أدموني: لقد فعل الموساد كل ما بوسعه لتناول قضية العلاقة مع عملاءنا من القوات اللبنانية بشكل موضوعي قدر الإمكان ولكن العلاقات الشخصية الوطيدة والوثيقة التي نشأت كان لها التأثير الأكبر في العلاقة وما جرى من أحداث. وهذا لم يمنع بعض الكتاب والصحافين الإسرائيليين من تحميل الموساد المسؤولية في مجزرة صبرا وشاتيلا حيث قام بتقديم الأموال والارشاد والتدريب والأسلحة والمعدات اللازمة لتنفيذ المجزرة بمشاركة قادة القوات ومنهم سمير جعجع الذي إرتبطت مسيرته وسيرته المليئة بالقتل والنهب والخطف والإغتيال والتجسس والتخريب والكراهية والعنصرية بما يؤهله لإرتكاب المجزرة ومعه عناصره وخاصة مجموعة (هنود الأباتشي) التي تتبع له مباشرة وكل عناصرها مدمنين على مادة الكوكايين ومن هنا ما زالت تبرزفي السيرة والمسيرة ما ارتكبته مجموعات من الوحوش البشرية في صبرا وشاتيلا بدعم من الإسرائيليين الذين وفروا للقتلة التمويل والتدريب وحصار وإضاءة المخيم طيلة ليالي إجرامهم التي بدأت مع غروب يوم الخميس 16 أيلول 1982 لغاية ظهيرة يوم السبت 18 أيلول 1982 حيث بلغت ساعات المجزرة ثلاث وأربعين ساعة متواصلة ولم تنتهي كوابيسها وتداعياتها حتى الآن في الحزن والجرح الذي لا ينسى والباقي فوق المخيم والنشيد.
[email protected]