في مسألة أعداد ضحايا القتل والعنف في مجتمعنا، من يتولى مسؤولية الإحصاء الدقيق؟!
زياد شليوط
أعلم أن البعض سيوجه إليّ اللوم، أو سيستهجن انشغالي بمسألة جانبية، نسبة لنكبة جرائم القتل التي تسود مجتمعنا للأسف، أو سيظن آخرون أني أخرج عن سياق الموضوع، ربما تكون كل تلك التحفظات او بعضها صادقا، ورغم ادراكي لها إلا أنها لا تمنعني عن التطرق للجانب الذي سأخوضه، كي ندقق في الأمور ولا يبقى نشر الأرقام خاضعا للأهواء أو التضخيم أو لاعتبارات غير مفهومة، وهذا مخالف للأصول العلمية ويسيء لعمل الباحثين والإعلاميين.
منذ عدة سنوات وأنا أتابع جرائم القتل بشكل يومي، وأقمت بمبادرة شخصية في حاسوبي الخاص، أرشيفا لكل جرائم القتل التي وقعت في مجتمعنا منذ عام 2016 وحتى اليوم، دون طلب من جمعية أو مؤسسة ما، بل هي مبادرة فردية محض. ولاحظت دائما وجود خلل في عملية إحصاء جرائم القتل وخاصة في عدد ضحايا تلك الجرائم، وقد أزعجني ذاك الجانب دون الخوض فيه علنا، وجعلني أتساءل عن أسباب التفاوت في إحصاء الضحايا.
من خلال متابعتي للإحصاءات ومقارنتها بالمعطيات المتوفرة لدي، وجدت أن الفارق بالأرقام ينبع لسببين الأول أن بعض المواقع والأطراف تشمل ضحايا القتل في الخلافات والنزاعات العائلية وغيرها، من أحياء القدس الشرقية العربية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، ضمن ضحايا العنف في مجتمعنا في الداخل، هذا الأمر لم يكن متعارفا عليه سابقا، حيث اعتبرت القدس الشرقية تابعة للمناطق الفلسطينية المحتلة، التي احتلت جميعها عام 1967 بينما أعلنت إسرائيل ومن طرف واحد وخلافا للقرارات الدولية عن ضم القدس الشرقية إليها، فمن الذي قرر عندنا الحاق القدس الشرقية لمجتمعنا العربي وإلغاء صفة الاحتلال عنها؟ وهل يصح أن نضم ضحايا العنف في القدس الشرقية الى ضحايا العنف في مجتمعنا؟ وأثير هذه النقطة لما تشكله من أبعاد سياسية في الموضوع والتي يجب الانتباه لها.
السبب الثاني أن بعض الجهات أيضا اعتبرت وتعتبر من سقط برصاص الشرطة الإسرائيلية أو أذرع الأمن الإسرائيلية، بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك حيث ضم من وقع برصاص المستوطنين (باعتباره من أبناء المجتمع العربي) ضمن احصائيات القتلى في جرائم القتل أو النزاعات العنيفة. وهنا يتوجب علينا التمييز بين الأمرين، فهل يصح اعتبار من سقط على خلفية قومية ونتيجة الصراع القومي، كالذين سقطوا في عمليات القتل والعنف؟ وبالتالي من عليه أن يتولى الفصل في هذه المسألة؟!
أزعجني دائما هذا التضخيم في العدد وعدم التدقيق فيه، وذلك لأنه غير صحيح منطقيا واحصائيا، كما أنه لا فائدة ترجى من هذا التضخيم سوى الإساءة لمجتمعنا. وهنا سيسارع أحدهم ليقول لي وما الفارق اذا سقط 50 أو 60 ضحية، المهم أن هناك ضحايا عنف من أبناء مجتمعنا، وهذا أمر لا خلاف عليه، فالجريمة يجب محاربتها حتى لو سقطت ضحية واحدة، لكن ليس هذا ما أبحث فيه في مقالتي هذه. وأكثر ما اثار دهشتي يوم الثلاثاء الماضي، أن أستمع مصادفة إلى إحدى النشيطات العربيات تصرح في مقابلة مع إذاعة "جالي تساهل"، أن عدد الضحايا العرب وصل حتى نهاية الشهر آب المنصرم إلى 84 ضحية، وهذه مبالغة بحد ذاتها، فعدت إلى إحصائية مركز "أمان" وإذ هي 79 ضحية، بينما الإحصاء الشخصي الذي أقوم به يشير الى 69 ضحية بمن فيهم الذين سقطوا في أحياء القدس العربية وبرصاص الشرطة، فمن أين جاءت هذه التناقضات في الأعداد؟ أظن حتى لو وقع لدي خطأ – وهذا أمر محتمل- فان الفارق لا يصل إلى 10 ضحايا؟ ويبقى السؤال من الجهة التي يمكنها تقديم إحصاء دقيق وموثوق لضحايا الإجرام في مجتمعنا؟
من هنا أطالب الهيئات التي تعمل على رصد ومتابعة قضية الاجرام في مجتمعنا، أن تضع معايير صحيحة لعملها، كي تقدم لنا إحصاءات دقيقة وصحيحة.
[email protected]