ظاهرة السّعي وراء المناصب والشّهرة من قِبل بعض أفراد المجتمع عمَتْ بصائرهم، إذ وصلت إلى درجة التخلي عن مبادئهم، حتّى صاروا يركبون الموج الذي قد يؤهِّلهم، بنظرهم، للوصول إلى شاطئ المنصب، غير آبهين بخطورة أمواج البحر العاتية، وصخوره المتلاطمة، وعمق مياهه التي تتطلب سبّاحًا ماهرًا.
إنّ مبادراتهم لتحقيق إنجاز واضح وضوح شمس تموز في وضح النهار، وهو رفع راية التقدّم والظهور عاليًا، لكي يراه الناس بشتى الوسائل وبأيّ ثمن، حتّى تحقيق مآربهم الشخصيّة الضيّقة، وغاياتهم النابعة من الغرور، المنافسة، الحقد، والكراهية ليصل إلى درجات الارتقاء إلى القمّة، باذلين جهودا لا يُستهان بها، وعلى مدار السّاعة، مضحّين بالغالي والنفيس في سبيل الوصول إلى مكانة اجتماعيّة طالما حلموا بها؛ قد عمت بصائرهم وضمائرهم وجعلتهم لا يميّزون ليلهم من نهارهم، وغدت شغلهم الشاغل، ناسين ومتناسين النتائج السلبيّة الناجمة وانعكاسها على محيطهم، من زرع بذور الشقاق والفرقة في صفوف أقرب المقرّبين خاصّة، ومجتمعهم عامّة باتّباعهم أساليب منبوذة ومرفوضة.
حذّرت الأديان من حبّ الشّهرة وممَنْ يسعى إليها ويجعلها هدفه الأوّل، وخاصّة عندما تكون هذه الفئة متّزنة، عاقلة، مؤمنة، ومقرّبة من الله. فالله سبحانه وتعالى أراد لخلقه أن يكونوا صالحين، متواضعين، بعيدين عن مظاهر الغرور على اختلافها، أو السعي وراء المثاليّة والمناصب. فهذه الفئة تضحّي بكلّ ما لديها لتكون حديث الساعة، وعلى حساب الدِّين والأخلاق وتحت شعار الوطنيّة المزعومة وهي منهم براء، إذ يتوجّب على العاقل والصالح إن يكون عمله وخدمته لوجه الله وطاعته، والشهرة يجب أن لا تكون هدفا في ذاتها، كما هو الحال عندهم، والسلوك يجب أن يكون مغايرا لمسلكهم الذي يولّد النميمة والخلاف وغياب القيم الأخلاقيّة والتربويّة الحقيقيّة،إلا أنّهم يواصلون التّغنّي بذلك السّلوك الذي لا يرضي الله.
عزيزي القارئ، لكي لا يُساء فهم وتفسير ما بين السطور أقول إنّ ما دفعني إلى تناول هذا الموضوع البالغ الأهميّة هو تجاهل الأقلام له من جهة، ومن جهة أخرى كي أحذر وأنبّه أبناء المجتمع من تفشّي هذه الظاهرة السلبيّة المقلقة، والتصدّي لها وخاصة من هؤلاء الذين انحرفوا عن الأهداف الحقيقيّة، وسلكوا مسلك إلحاق الأذى بالآخرين عمدًا، الأمر الذي يتنافى مع تعاليم الدّين والعادات وكلّ ما يدّعونه في كونهم الأجدر والأفضل، وأنّ لديهم القدرات، المهارات، والطاقات، والقدرة على تقييم أنفسهم باعتبارهم الحلقة الأقوى الكاملة والمتكاملة في ميادين الحياة ومرافقها المختلفة، وخاصّة أنّهم خبراء في العزف، وهم، بالفعل، يعزفون خارج الإيقاع وموسيقاهم مزعجة، وأنّهم سباحون ماهرون، لكنّهم يعومون في شبر ماء، ويغرقون في أبسط المستنقعات، وما يفرج قلبهم أنّهم رسامون محترفون، رغم أنّ هناك من يلوِّن لهم لوحاتهم، وبريشتهم المشوّشة والملطخة بمزيج الألوان التي تدلّ على شخصيّتهم، يحوّلون الشمس إلى بقعه صفراء، علمًا بأنّ الرسام الحقيقيّ يحوِّل البقعة الصفراء إلى شمس، ناهيك عن ادّعائهم الكفاءة والقدرة على حلّ أعقد المعادلات، وهم أنفسهم يشكّلون معادلة معقّدة لا حلَّ لها .
زاوية رماح، تقول لهم رحم الله امرأً عرف مقدار نفسه! والزمن لا يغيِّرنا، بل يكشفنا، والكرامة ليست امتلاكَ المفاخر بل استحقاقها.
[email protected]