صُدم الكثيرون من أبناء مجتمعنا وشعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج، بالخطوة التي أقدمت عليها القائمة العربية الموحدة بمشاركتها في ائتلاف تشكيل حكومة جديدة في المؤسسة الإسرائيلية بزعامة المتطرّف نفتالي بينت، إلا أنها لم تكن مفاجئة أبدا لآخرين بعد المشاركة في لعبة الكنيست.
لقد حذّرت جهات كثيرة ومنها حزب "الوفاء والإصلاح" من مخاطر المشاركة السياسية في مفاصل المؤسسة الإسرائيلية، فذاك انزلاق لا تُعرف نتائجه، وانعطاف غير مبرّر ومضر بمسيرة ونضال شعبنا منذ نكبة عام48.
إن هذه الإنعطافة الحادة بعد المشاركة في لعبة الكنيست لقائمة عربية تمثّل شريحة أصيلة من مجتمعنا، لطعنة في عصب مشروعنا الوطني مهما ساق المؤيدون لها من حجج وبراهين للدلالة على صدقيّتها وشرعيّتها، فالقضايا المطلبيّة والمعيشيّة ليست معيارًا ومبرّرًا لدعم تشكيل حكومة احتلال وتمييز وفصل عنصري أبدًا.
إن التاريخ لا يرحم أبدًا، فقد دوّن بمداد أسود ظواهر انحياز البعض وتعاملهم مع المحتل فوُصفوا ونُعتوا بصفات لاذعة ومشينه لأنها تخدش الانتماء الوطني وتنال من الثوابت، حتى وإن ادعى هؤلاء أنهم بذلك يخدمون شعوبهم ومجتمعاتهم بالتقرب إلى المحتل ومهادنته والتعايش معه، فلم يجنوا من ذلك إلا الملامة والخذلان. فسياسات المحتل دائمًا ذكية وماكرة، تناور بالتقرب لأصحاب البلاد لأخذ الشرعية منهم والظهور أمام الرأي العام العالمي ككيان ديمقراطي وعادل.
إن الأبعاد السلبية للمشاركة في الكنيست والائتلاف الحكومي في الكيان الإسرائيلي كثيرة ومتنوعة، منها:
أولًا، تتحمّل الأطراف المشاركة المسؤولية كاملة عن سياسات وممارسات الحكومة وما يصدر عنها من قوانين وقرارات عنصرية وظالمة حتى وإن تمّت معارضتها من قبل القائمة العربية، فهم شركاء في كل شيء بناء على اتفاق الائتلاف، مثل ملفات الاستيطان في الأراضي الفلسطينية بما فيها مدينة القدس، والاعتقال وشن الحروب وهدم البيوت العربية وانتهاك المقدسات وترحيل المواطنين العرب الخ..
ثانيًا، المشاركة ظاهرة صارخة تزيد من حالة الانقسام الوطني الحاصل في الداخل، وتزيد الخلاف والنقاش الداخلي بين أتباع الأحزاب والتنظيمات الفاعلة على الساحة، و تشكل إضافة نوعية غير حميدة للسلطات الإسرائيلية العاملة والداعمة لشق الصف العربي في البلاد بناء على قاعدة "فرّق تسد" المعروفة، وتصنيف فلسطينيي الداخل تصنيفا يعيدنا لمرحلة الحكم العسكري، العربي الجيد والعربي غير الجيد.
ثالثًا، نوع من التمرد على الثوابت الوطنية بغض النظر عن ذرائع الطرف المؤيد وحججه القائمة على ضرورة الشراكة للتأثير من الداخل على صنّاع القرار، وتحصيل خدمات ومصالح عينيّة للمجتمع العربي، لأن الثوابت الوطنية لا يمكن ولا يجوز في أي عرف من الأعراف مقايضتها بمسائل مطلبية ومدنية أبدًا، والكل يعرف ما دوّنه التاريخ عن حكومة فيشي إبان الحرب العالمية الثانية وموقفها المتواطئ مع الألمان بحجة حماية الشعب الفرنسي ثم منظمة الحركيين في الجزائر.
رابعًا، دعم شرعية المؤسسة الإسرائيلية واحتلالها للأراضي الفلسطينية وسياساتها القمعية والعنصرية لمجتمعنا وشعبنا الفلسطيني، وإظهارها أمام الرأي العام العالمي نظامًا ديمقراطيًا يحمل معاني الحرية والمساواة لكل المواطنين، في حين أنه نظام تمييز عنصري بامتياز، وهذا من شأنه خلق نظرة سلبية عند عموم الشعب الفلسطيني وشعوبنا العربية والإسلامية تجاه الأطراف المشاركة، فبعد تلميع صورة الاحتلال، بعد أن كانت تتهمه، كيف ستطلب النصرة ضد عنصريته.
خامسًا، تعزيز مبدأ التعايش السلبي المبني أصلا بصورة غير عادلة ولا شرعية، على حساب تشريد شعب من وطنه واتباع سياسة التطهير العرقي ضد أبنائه وتدمير الحيز الفلسطيني العام وتهويد معالم البلاد وتدمير المقدسات، وعليه فإن مغزى التعايش هذا والذي من أدواته المشاركة في الحياة السياسية الإسرائيلية، القبول بالأمر الواقع والرضى بالفتات من مال وخدمات ومناصب.
سادسًا، وسيلة إغراء بائسة للدفع نحو مشاركة أحزاب وقوائم وحركات عربية أخرى في اللعبة السياسية الإسرائيلية بهدف تحييدها وحرفها عن مسارها ونهجها المزعج للسلطات أحيانا ومواقفها المساندة للحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني.
سابعا، تعريض الطرف المشارك في الائتلاف الحكومي جماعته للنقاش الداخلي في مؤسسات لجنة المتابعة العليا للبت في مصيرها إما البقاء ضمن مركبات لجنة المتابعة أو الفصل للتعارض الذي حصل، فمشاركة قائمة عربية عضو في لجنة المتابعة على ضعفها في السلطة، لا يتساوق مع دستور لجنة المتابعة بل ويتعارض معه من حيث المبدأ.
وأخيرا لقد نجح الكيان الإسرائيلي جزئيا في دق أسفين في صفوف مركبات مجتمعنا وشق صفه الوطني، الا أن شعبنا لن يفقد البوصلة.
[email protected]