جاءني صديقي بعد انتهاء الجولة الرابعة لانتخابات الكنيست الإسرائيلية خلال عامين، هذه المرة يسير بخطوات بطيئة متثاقلة، ووجهه يكتسي بخيبة الأمل والإحباط وقد مال إلى الاصفرار، حتى ظننت أنه غاب عني سنوات طويلة، وبادرني بالقول بصوت خافت وقد اختفت منه تلك النبرة الحادة:
-
ما رأيك بنتائج الانتخابات، ماذا تقول، وكيف تفسر هذا التراجع الخطير؟
-
هذا هو مجتمعنا وهذه هي نتائج ممارسة الديمقراطية.
قلت له وأنا أحاول أن أبدو بحالة عادية وغير منفعلة. وهنا ارتفع صوته قليلا، وقد امتزجت بكلامه لهجة العتاب الساخر:
-
تقصد هذا هو مجتمعنا الذي طالما تغنيت به، ودعوتني لأن أندمج به مرددا أمامي تلك الشعارات، بأننا شعب واحد لا ينقسم على اثنين ويجمعنا العيش المشترك والوحدة الوطنية، أين اختفى كل ذلك، قل لي بربك؟!
أجبته وأنا أواري بوجهي عنه خشية أن تلتقي نظراتنا ويكتشف حقيقة ما يعتمل في داخلي:
-
نعم هذا هو.. انها خطوة للخلف، وهي كبوة وهي مناسبة لمحاسبة النفس ومراجعة الطريق!
-
إنك تعود للشعارات إياها، ودائما لديك التبرير جاهز لتفسير الإخفاقات بل المصائب.
-
وما الحل برأيك، أو ماذا يمكن أن نفعل، وما هو الطريق الذي نسلكه؟
أجابني وهو يلوح بيديه وينظر للبعيد بنظرة شاردة حائرة:
-
لا أعرف بالطبع، لا أعرف.. لا تتوقع مني الآن أن أقدم لك الحلول، فأنا ما زلت في مرحلة الصدمة وجئت كي أخفف عن صدري، أكاد أشعر بالاختناق، ولجأت إليك لأنك تتمتع بأعصاب باردة وتعرف كيف تصيغ العبارات المطمئنة؟ ماذا في جعبتك؟
-
وهل تظن أنني في وضع يسمح لي بالتنظير والفلسفة في ظروف كهذه، فأنا أيضا أظنّ أنه حصل أمر مريب يستدعي التوقف والمراجعة وإعادة التفكير في كثير من الشعارات التي طالما آمنا بها.
-
صحيح، لقد كدت أصدق ما قلته لي سابقا. كيف تشرح لي بأننا شعب واحد لا يقبل القسمة على اثنين، وقد انقسمنا في الانتخابات ليس إلى شعبين فقط بل إلى شعوب وقبائل وعشائر وبطون وأفخاذ؟
-
أفهمك يا صديقي ولكن امنحني بعض الوقت..
-
خذ الوقت الطويل، ولكن عليك أن تشرح لي أين ذهبت الوحدة الوطنية، وأين هو العيش المشترك الذي تغنيت به؟
-
رغم كل ما جرى، وأنت محق في مشاعرك وأقوالك، علينا ألا نرفع الراية ونستسلم، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي نتعرض فيها إلى تراجعات واخفاقات كهذه.
-
ولا تنسى الشعارات التي باعنا إياها رفاقك وأصدقاؤك بأن الناس معنا وكل بلداتنا مشتركة وشعبنا أصيل وسيرفض التدجين، فاذا هم لم يحافظوا على وحدتنا الداخلية ولم يراعوا قطاعات كبيرة من الناس، كيف تريد من مجتمع كامل وكبير أن يفعل ذلك؟
-
ماذا تقصد، لم أفهمك هنا؟
-
أريد أن أبق الحصوة واعذرني، حيث بلعناها طوال سنوات باسم الوحدة الوطنية، التي لم يتم الحفاظ عليها؟ لقد أخذوا بالاعتبار قطاعات عديدة من شعبنا أو مجتمعنا، لكنهم لم يكترثوا ولم يلتفتوا الى جماعة المسيحيين بينهم، نظروا اليهم دائما على أنهم مضمونين في الصف الوطني بغالبيتهم وليس لهم من ملجأ آخر، ألم يحن الوقت لأن نتحدث بصراحة ومن منطلق المصلحة الوطنية، هل يعجبك هذا النكوص عن المشاركة الوطنية وابتعاد القيادات المسيحية عن المناسبات والاحتفالات الوطنية، واقصاء عدد منهم عن مراكز اتخاذ القرارت في هيئات شعبنا العليا؟
-
نعم ان هذا أمر مقلق ويستدعي ليس التفكير فقط، بل يستدعي العمل، وما ارتكبه أحد أحزابنا الوطنية عشية الانتخابات باقصاء رئيس قائمته ولم يمر عام على انتخابه، باسم الديمقراطية زاد الطين بلّة وجعل الكثيرين يتساءلون عن معنى وجدوى هذه الخطوة؟
-
ليمارسوا الديمقراطية في داخل اطارهم، أما عندما تكون تلك الخطوة على صعيد الانتخابات وتخرج لعموم الناس، فيجب أن تحسب حسابات أخرى لأنك ستتوجه للناس طالبا أصواتهم لا لتبيعهم نظريات وأفكار. ألم يكن بالأجدر للقائمة المشتركة ان تقيم مجلسا استشاريا، يقدم رأيه في تركيبة القائمة وتوزيع المقاعد وترشيح شخصيات خارجية تدعم القائمة وتساهم في انجاحها، وعلى سبيل المثال ما جرى مع السيد مازن غنايم، ألا يجدر بهم مراجعة هذه النقطة أيضا؟
-
صحيح ما تقوله يا صديقي، لكنه يستدعي منا جولات من الحوار، فلنواصل حديثنا في وقت آخر.
[email protected]