جاء إليّ صديقي هذه المرة محاولا عقد حوار انتخابي جديد معي، بعدما صرفته في المرة السابقة بأسلوب هادئ مع قليل من الحزم، وكنت قد عزمت أن أصدّه هذه المرة أيضا، لكنه وبذكاء منه بادرني بالقول:
-
هل تعرف بأني أخذت غيّر في أفكاري حول الانتخابات القادمة؟
لم أتمالك نفسي من سؤاله: وكيف ذلك، هل لك أن توضح لي الأمر؟
فوجدها فرصة ليفتح حوارا لم أحسب أن يطول بيننا، فقال:
-
أظن أن منصور عباس ذكي بل أذكى النواب العرب، وربما يعمل إلى جانبه أمهر المستشارين..
ووقعت في أحابيل صديقي ولم يكن أمامي إلا أن أسأله، دون أن أعلم أنه يجرجرني إلى مناقشته:
-
ما الذي جرى، وما هو الجديد الذي اكتشفته حتى أخذت تغير رأيك؟
فوجدها فرصة للتوغل في النقاش وقال بلهفة مصطنعة:
-
أجل.. أجل، اني أقر وأعترف بذلك.
فسارعت لسؤاله معتقدا أنه سيكتفي بإجابة يتيمة:
-
وما الذي جعلك تقول ذلك أو تغير رأيك؟
-
ألم تر ما فعله في مظاهرة أم الفحم والمكسب الانتخابي الكبير الذي خرج منه؟
-
بالله عليك لا تحدثني بلغة المؤامرة!
-
كلا يا صديقي. ولكن ألا تتفق معي بأنه كان الكاسب الأول مما جرى. اليك بعض الوقائع سريعا. لقد كانت المظاهرة في غاية النجاح حضورا ومشاركة وتنظيما وانضباطا ورسالة. وجاء منصور في نهايتها وقلب الحال رأسا على عقب.
-
هل هو الذي قلب الحال، أم هم الذين قاموا بالاعتداء عليه؟
-
أولا لم يعتد عليه أحد، كل ما جرى أن بعض المتظاهرين الغاضبين صرخوا في وجهه "برا.. برا"، وبالمقابل قام بحركات بيده رفعت من حالة التوتر، ألم تشاهد ذلك.
-
بلى شاهدته يا صديقي، وهل تريد منه أن لا يرد بتاتا؟ ثم إلى ماذا تلمح؟
-
فكر معي.. بما أن احتجاج عدد من المتظاهرين كان تلقائيا توجب على النائب منصور تجاهل الأمر. ألم يتجاهل محمد بركة، رئيس المتابعة تهجم بعض الغاضبين في كفرقرع قبل أسبوع، ألم يتفهم غضب ابن طمرة على القيادات بعد جريمة الشرطة هناك؟ فلماذا لم يسلك كذلك منصور؟
-
هل تقصد أنه قصد استغلال الحادث، وهل هو بهذا الذكاء الكبير حتى يستغل الحدث فورا؟
-
لذا أقول لك أحسد المستشار الذي يعمل معه والذي أشار عليه بافتعال الحدث لاستغلاله انتخابيا، لرفع أسهمه وقيمته بين الناخبين العرب، خاصة على ضوء نتائج غالبية الاستطلاعات التي لا تمنحه اجتياز نسبة الحسم، رغم ضم مازن غنايم للقائمة.
-
وهل شاركت القيادات العربية وكل الأحزاب بهذه اللعبة، حيث سارعوا إلى اصدار بيانات الاستنكار والشجب؟
-
لا، لم أذهب الى هذا الحد يا صديقي. اني أتفهم الأحزاب والقيادات التي سارعت الى اصدار بيانات الشجب، فهي فعلت ذلك انطلاقا من شهامتها والأعراف والتقاليد المتبعة، مع أنها لم تسارع ولم تتأخر في اصدار بيانات الشجب ضد التحريض الدموي على النائبة عايدة توما – سليمان ومنعها من القاء محاضرة في احدى المدن العربية، أليس هذا عنفا؟ كما لم تصدر بيانات تضامن مع النائب يوسف جبارين ورئيس بلدية أم الفحم بعد الاعتداء الشرطوي عليهما؟
-
وهل شاركت وسائل الاعلام والصحفيين أيضا في هذه الزفّة؟
-
بالطبع ساهموا من حيث يدورن أو لا يدرون. فالإعلام ما يهمه اليوم الأخبار المثيرة. أن تنجح المظاهرة وتكون هادئة أمر لا يحتاج إلى تعليق وشرح وتوسع في الحديث، لكن أن يقع حادث شاذ مثل الادعاء باعتداء على النائب منصور أمر يثير الكثير من الكلام والنقاش وردود الفعل، وهذا ما حدث.
-
انك تذكرني بالمقولة البديهية التي تدرس في الاعلام، أن يعض كلب انسانا ليس خبرا انما أن يعض انسان كلبا فهذا هو الخبر.
-
صحيح، ألم تلاحظ الترويج الإعلامي الواسع الذي جرى لحادثة الاعتداء المزعومة، حيث تبين أنه لم يكن هناك اعتداء، بل احتجاج شرعي على وجود نائب أغضب كثيرين من أبناء مجتمعنا بتصريحاته الغريبة عن الأسرى في السجون وتسليم الهويات وتأييده لنتنياهو..
-
وماذا مع المستشارين؟
-
ألم تلاحظ يا عزيزي كيف استغل منصور عباس الحادث، حيث استقبلته كل وسائل الاعلام، وفتحت له منصاتها ليتهم نشيطي أحزاب منافسة بالتهجم عليه، قبل أن يتأكد أحد من هوية المعترضين على وجوده. ولم يكتف بذلك بل لجأ وحملته الانتخابية إلى اصدار أفلام ونشر صور مع اطلاق الاتهامات تجاه أحزاب معينة، بهدف استعطاف الناس وكسب أصوات جديدة تنقذه من خطر الفشل.
هنا أشرت لصديقي بأنه من الضروري انهاء الحوار، مشيرا له بأنه إذا كان ما قاله صحيح، وأعترف أنه يحتوي على منطق ما، فإن مجتمعنا يستحق ما يصيبه من عثرات وانتكاسات. لكن صديقي ووفق أسلوب الحوارات الاذاعية والتلفزيونية حاول كسب الثواني الأخيرة، فقال:
لم يسعفنا الوقت للحديث عن نتنياهو وصب القهوة ولعب الكرة على شاطئ جسر الزرقاء.
فقطعت عليه كلامه كمحاور حازم: ضع نقطة يا صديقي فالوقت أدركنا.
[email protected]