ملخص: بتنا في دوامة، فإذا جرت الانتخابات مشكلة، وإذا لم تجر مشكلة أيضًا. والحل الوحيد إطلاق سراح مروان البرغوثي، وإقناع ناصر القدوة بعدم خوض الانتخابات بقائمة وطنية مستقلة. والذرائع للتأجيل كثيرة، تبدأ بالانقسام وإفرازاته، وتمر بالتصويت في القدس، ولا تنتهي بكورونا. أي في كل الأحوال، وصلنا إلى نهاية مرحلة، ولا مخرج إلا بتغيير جدي وحقيقي للنظام السياسي القائم.
ما أن انتهى حوار القاهرة حتى تزايدت احتمالات وصول قطار الانتخابات إلى محطته الأولى (الانتخابات التشريعية)، لدرجة يمكن القول إن نسبة إجرائها وصلت إلى 50%، إلا أن هناك عراقيلَ وألغامًا فلسطينية وإسرائيلية وأميركية لا تزال تقف في طريقها تستوجب العمل لإزالتها، فما هي السيناريوهات المحتملة؟
السيناريو الأول: وصول قطار الانتخابات إلى محطتي التشريعي والرئاسة
يتحقق هذا السيناريو من خلال إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها، وإذا جاءت النتائج كما هو مرغوب ومخطط لها فستُجرى الانتخابات الرئاسية في موعدها أيضًا، بينما لا تزال الشكوك قائمة حول وصول قطار الانتخابات إلى محطة المجلس الوطني، وهذا سيناريو ممكن أن يحدث كون حركتا فتح وحماس بحاجة إلى الانتخابات لتجديد الشرعية، ولأنهما توصلتا إلى تفاهمات اعتُمدت فلسطينيًا، مع بعض التحفظات من بعض الفصائل، ومقاطعة الجهاد الإسلامي.
وتضمنت التفاهمات الفتحاوية الحمساوية الاتفاق على انتخابات تشريعية، تتلوها رئاسية، ثم استكمال بقية أعضاء المجلس الوطني، على أن يتم خوض الانتخابات من خلال المشاركة وليس المغالبة، وذلك عبر تشكيل قائمة وطنية واحدة بمشاركة فتح وحماس ومن يوافق من الفصائل وبعض الشخصيات المستقلة، باعتباره الخيار الأول والمفضل وليس مجرد خيار من الخيارات، ما يضمن أن تجري الانتخابات بهدوء وتكون مضمونة النتائج إلى حد كبير .
كما تضمنت التفاهمات أن الأساس السياسي للانتخابات برنامج سياسي واسع فضفاض يستند شكلًا إلى وثيقة الوفاق الوطني ومقررات اجتماع الأمناء العامين، ومضمونه الفعلي أن الانتخابات تهدف إلى تجديد شرعية السلطة الملتزمة بالتزامات اتفاق أوسلو، ضمن معادلة إدارة الانقسام وشرعنته، مع الأمل بإنهائه بعد الانتخابات، من دون توفير أية ضمانات لتحقيق ذلك، وبأفق سياسي سقفه الأعلى اتفاق أوسلو، لأن واقع السلطة الفعلي الآن أقل من أوسلو، ولا يحكم إسرائيل أي اتفاق معها، كون الحكومات الإسرائيلية تجاوزت أوسلو منذ زمن بعيد، وما يدلل على ذلك قرار التراجع عن قرار التحلل من الاتفاقيات واستئناف التنسيق الأمني وعودة العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية إلى ما كانت عليه، ورفض إضافة فقرة في البيان الختامي الصادر عن حوار القاهرة تتحدث عن التمسك بقرارات المجلسَيْن المركزي والوطني بخصوص إعادة النظر في العلاقة مع الاحتلال، ووقف التنسيق الأمني والاتفاقات الموقّعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير.
وجرى الاتفاق بين الحركتين على دعم "حماس" لترشيح الرئيس محمود عباس كمرشح توافقي للانتخابات الرئاسية، مقابل عدم المساس بسيطرتها على قطاع غزة، وتأجيل البحث في إنهاء الانقسام وترسّباته وتداعياته إلى ما بعد الانتخابات، والسماح بحرية الحركة لتنظيمها في الضفة الغربية.
كما شمل الاتفاق تشكيل حكومة ائتلافية وطنية مقبولة دوليًا (وهذا يعني أن تكون ملتزمة بالاتفاقيات والاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف)، وأن تشارك "حماس" في منظمة التحرير من خلال تطبيق ما اتفق عليه من استكمال "انتخابات" المجلس الوطني الذي سيكون من خلال تعيين بقية أعضائه بالمحاصصة الفصائلية، خصوصًا الثنائية، هذا إذا وصل القطار إلى محطته الثالثة.
تأتي التفاهمات الثنائية التي أصبحت عامة بعد المصادقة عليها مع تحفظات في حوار القاهرة، بدعم عربي وإقليمي ومن بعض الأوساط الدولية، في سياق التحضير والاستعداد لاستئناف المفاوضات عندما تعطيها إدارة بايدن الضوء الأخضر.
وهنا من المهم الإشارة إلى أن واشنطن أكدت على ضرورة الالتزام بشروط الرباعية الدولية، وأنها لن تعترف بأي حكومة فلسطينية لا تلتزم بتلك الشروط.
هذا السيناريو ممكن الحدوث، ولكن احتمالات حدوثه لا تتجاوز 50%، أو أكثر من ذلك بقليل، وتعزز خصوصًا بعد إصدار مرسوم الحريات تطبيقًا لإحدى البنود التي اتفق عليها في حوار القاهرة.
السيناريو الثاني: إلغاء أو تأجيل الانتخابات
يقوم هذا السيناريو على فشل الجهود لإجراء الانتخابات، وهو سيناريو وارد، ولا تقل نسبة حدوثه كثيرًا عن السيناريو الأول؛ لأن التفاهمات – حتى الآن - لا تقوم على أرض صلبة، بل هشة ومعرضة للانهيار، ويحاصرها الانقسام، ودليل على ما سبق المعارضة الواسعة للتفاهمات داخل صفوف حركتي فتح وحماس ومختلف أوساط الشعب الفلسطيني.
وعبّرت المعارضة الواسعة عن نفسها بوضوح شديد من خلال معارضة فكرة تشكيل قائمة وطنية موحدة، ومعارضة أكبر إذا كانت قائمة مشتركة فتحاوية حمساوية فقط، ومن لا يصدق عليه أن ينظر إلى معارضة ناصر القدوة العلنية للقائمة المشتركة، التي وصف السعي لها بالانتهازية الرخيصة، وأن كل ما يجري صفقة لتحقيق مصالح فردية على حساب المصلحة الوطنية، داعيًا إلى قيام تيار وطني ديمقراطي من أهدافه خوض الانتخابات بهدف تغيير النظام السياسي الفلسطيني، كون الإصلاح لم يعد كافيًا لإنقاذه.
ولتبيان حجم المعارضة للمقاربة الجاري تطبيقها بين حركتي فتح وحماس (وحدة شكلية مع بقاء الانقسام)، يكفي قراءة الردود الإيجابية على تصريحات القدوة، وعلى الأنباء التي تحدثت عن إمكانية خوض الأسير القائد مروان البرغوثي الانتخابات الرئاسية واحتمال دعمه لقائمة وطنية يرأسها ناصر القدوة في الانتخابات التشريعية.
وإذا كانت المعارضة داخل "حماس" لم تصل إلى حد مثيلتها الفتحاوية حتى الآن، لكنها عبرت عن نفسها من خلال معارضة علنية من محمود الزهار وتحفّظات من موسى أبو مرزوق، ومعارضة وتحفظ عدد كبير من الكتاب الحمساويين أو المقربين من الحركة كما تظهر في كتاباتهم ومقابلاتهم.
هذه المعارضة قوية لدرجة تهدد فكرة تشكيل قائمة ثنائية أو وطنية واحدة، حيث بدأنا نلاحظ نوعًا من النفي أو التلعثم عند الحديث عنها، مع أن التراجع عنها كليًا يهدد بفشل الاتفاق كله. فخوض البرغوثي للانتخابات الرئاسية، ودعمه لقائمة القدوة في الانتخابات التشريعية سيغيّر قواعد اللعبة كليًا.
إن خوض الانتخابات بقوائم متنافسة من ضمنها قوائم بمشاركة قيادات وكوادر من "فتح" خارج القرار المركزي، وقوائم "مستقلة" تدعمها قيادات من "حماس"، يعني أن النتائج لن تكون معروفة ولا مضمونة، لأن كل قائمة ستحاول الفوز بأقصى ما يمكن من الأصوات والمقاعد، وبالتالي يمكن فوز "فتح" وحلفائها، أو "حماس" وحلفائها، وهذا يتعاكس مع جوهر الاتفاق الذي يقوم على الوحدة في إطار الانقسام، من دون حصول أي طرف على الأغلبية.
ويعزز هذا السيناريو أن التوافق العربي والإقليمي ومن أوساط دولية سيضعف، وأن الموافقة الإسرائيلية على إجراء الانتخابات غير مضمونة، وستكون إسرائيل للانتخابات بالمرصاد، خاصة إذا لم تحقق الانتخابات مصلحة إسرائيلية، حيث ستحاول، كما بدأت فعلًا، مصادرة نتائجها بالتهديد والاعتقالات للشخصيات التي يمكن أن تخوض الانتخابات، وإذا فشلت ستعمل على منع حدوثها.
إنّ موافقة إسرائيل على إجراء الانتخابات ليست مضمونة في كل الأحوال، فإذا وجدت إسرائيل نفسها أمام احتمال فوز "حماس" واليسار وقوائم غير مسيطر عليها في الانتخابات التشريعية تعكس إرادة الشعب الفلسطيني ومصلحته بالتغيير، وفوز مروان البرغوثي بالرئاسة، فهذا سيقودها إلى محاولة إفشال الانتخابات، لأن هذا الأمر سيعيد الصراع إلى طبيعته كصراع تحرري، تتناسب معه حالة رئيس أسير لشعب أسير.
وما يعزز هذا السيناريو أن أوساطًا في "حماس"، خصوصًا في الضفة الغربية ترفض أن تكون الصفقة والانتخابات على حسابها، حيث المطلوب من القيادات والرموز الحمساوية في الضفة التضحية والتعرض للملاحقة والاعتقال من السلطة والاحتلال، وفي المقابل عدم خوض الانتخابات وفتح المجال لـ"شخصيات لايت"، ما يعني تأقلم مع شروط الاحتلال بدلًا من الاتفاق الوطني والقانوني على تحصين الانتخابات بإجراءات واتفاقات تمنع أو تحدّ من قدرة الاحتلال على التأثير على الانتخابات ومصادرة نتائجها.
إن لسان حال هؤلاء يقول إننا معرضون للاعتقال في كل الأحوال، و"أن نعتقل ونحن نواب أفضل".
ما سبق يعني أن إصرار البرغوثي والقدوة على خوض الانتخابات بصورة مستقلة عن القرار المركزي وعدم نجاح سياسة العصا والجزرة لثنيهما عن تنفيذ ما ينويان فعله، يمكن أن يؤدي إلى تأجيل الانتخابات، أو تراجع الرئيس عن نيته للترشح، وفتح المجال لاختيار مرشح آخر من "فتح" للرئاسة، فليس من المعقول أن نصل إلى وضع يتنافس فيه محمود عباس مع مروان البرغوثي، صاحب الشعبية الكبيرة، أو إجراء إصلاحات وتغييرات في طريقة اختيار القائمة المركزية لحركة فتح وشروط الصفقة بينها وبين "حماس"، أو استحداث منصب نائب الرئيس.
السيناريو الثالث: إجراء الانتخابات التشريعية بقوائم تنافسية
يقوم هذا السيناريو على إجراء الانتخابات التشريعية ضمن قوائم تنافسية، على أن تخوضها حركتا فتح وحماس بقوائم مفتوحة محددة المقاعد، حيث يتم الاتفاق، على أن ترشح "فتح" على قائمتها 50-60 اسمًا على سبيل المثال، و"حماس" 40-50 اسمًا، ما يعني أنه ليس بمقدور أحدهما الحصول على أغلبية المقاعد وحده.
تكمن نقطة ضعف هذا السيناريو في إمكانية خوض الانتخابات من قوائم أخرى مستقلة، أو بمشاركة أو دعم من شخصيات وأوساط فتحاوية وحمساوية، ولكن هذا الاحتمال يبقى أقل مغامرة من الاتفاق على قائمة وطنية واحدة أو ثنائية حمساوية فتحاوية. وهذا السيناريو ملحق للسيناريو الأول، ولا يختلف كثيرًا عنه إلا بالشكل.
الخلاصة مما تقدّم، أن النظام السياسي الفلسطيني في وضع صعب في كل الحالات، ومهما كان السيناريو الذي يحدث، فإذا جرت الانتخابات وفق ما هو مخطط له ستبقي القديم على قدمه، ولا أفق سياسي أمامها سوى إعادة إنتاج المفاوضات السابقة، وما يسمى "عملية السلام"، ولكن بشروط أسوأ بكثير من السابق، فالمفروض على الفلسطينيين إدارة الصراع من دون حله أو قبول الحل الإسرائيلي الجاري فرضه على الأرض بمفاوضات أو من دونها، وعنوانه حكم ذاتي يمكن توسيع حدوده وصلاحياته لا أكثر، أو الدخول في مفاوضات على أمل تحسين شروطه، أو منع تدهور الموقف أكثر ليكون بقاء السلطة هو الهدف المقدس وأقصى ما يمكن تحقيقه، على أمل أن تتغير الظروف في المستقبل وتسمح بتجسيد استقلال الدولة.
أو أن يتغير المسار كليًا، بحيث يتم توحيد الفلسطينيين على أساس رؤية وإستراتيجية قادرة على التأثير وفرض الحل الفلسطيني وإنهاء الاحتلال ودحر الحل الإسرائيلي.
وإذا لم تُعقد الانتخابات، لأسباب فلسطينية أو إسرائيلية أميركية، على خلفية الخوف من نتائجها، فسيقضي هذا على ما تبقى من مصداقية وشرعية للسلطة. وإجراء الانتخابات من دون ضمان نتائجها مغامرة غير محمودة العواقب، أما إجراؤها كما خطط لها فبات أصعب بكثير، ويبقى الخيار المفضل والمضمون خوض الانتخابات لكن كتتويج لعملية تغيير شاملة، وتتحقق فيها وحدة حقيقية على أساس القواسم المشتركة وتوازن المصالح، والوصول إلى هذه العملية مهمة مطروحة على كل الوطنيين الديمقراطيين داخل الفصائل وخارجها، سواء إذا جرت الانتخابات أو لم تجر، مع العمل وكأن الانتخابات ستعقد في موعدها والتحسب في نفس الوقت لاحتمال عدم عقدها.
الانتخابات ليست وصفة سحرية، وهي أداة من أدوات الديمقراطية، وبحاجة إلى الحرية والنزاهة واحترام نتائجها حتى تعبّر عن إرادة الشعب، ففي الكثير من البلدان ذات السيادة تجري الانتخابات بشكل دوري ولا تغيّر شيئًا، بل تحافظ على الوضع البائس، وأحيانًا تزيده بؤسًا، والأحرى بفلسطين التي تمر بمرحلة تحرر وطني وتعاني من مشروع وكيان استعماري استيطاني احتلال إحلالي ألا تكون الانتخابات من أجل الانتخابات، وبقاء القديم على قدمه، ومنح الشرعية لبقاء الاحتلال، وإنما يجب أن تكون وظيفتها دائمًا المساهمة في النضال لإنهاء المرحلة الانتقالية، وتغيير سلطة الحكم الذاتي والتزاماتها في سياق دحر الاحتلال وإنجاز الحرية والعودة والمساواة والاستقلال، وهذا يعني أنها يجب أن تكون على أساس إستراتيجية تحررية ووحدة جبهوية حقيقية يتم التنافس في إطارها.
[email protected]