سطع نجم جبران باسيل في لبنان بشكل فجائي. ومنذ ظهوره السياسي خاصة بعد توليه منصب رئيس التيار الوطني الحر، خلفا لمؤسسه العماد ميشيل عون الذي انتخب رئيسا لجمهورية لبنان. وتزامنا مع تعيين باسيل وزيرا للخارجية، برز على مسرح السياسة المحلية والخارجية كلاعب رئيس، وبات شاغل الناس في لبنان وخارجه، وبات محط أنظار المراقبين والمتابعين للسياسة، كما بات محورا سياسيا مطلوبا من قبل الساسة العالميين. ووصل الأمر بالولايات المتحدة إلى فرض عقوبات شخصية عليه، وكما وعدتكم في المقال السابق، فاليوم نتعرف أكثر على شخصية باسيل السياسية.
من هو جبران باسيل؟
ولد جبران باسيل في بلدة البترون في العام 1970 لعائلة متواضعة، وتوفي والده وهو صغير فتولّت والدته أميّة شدراوي من بلدة حدث الجبة تربيته، متكلة بذلك على عمّه كسرى، الرئيس السابق لبلدية البترون.
غير أن جبران الذي شعر بالمسؤولية في سن مبكرة، أظهر ملامح التفوّق في الدراسة ما أهلّه لدخول الجامعة الأميركية في بيروت لدراسة الهندسة. ويروي عنه أصدقاؤه أنه كان يملك طموحاً غير محدود، وقد تجلّى ذلك بوضوح في مسار حياته لاحقاً، وقد نجح في تأسيس شبكة علاقات عملية واسعة.
في 1988، اجتذبت شعارات الجنرال المتمرد ميشيل عون، طالب الهندسة في الجامعة الأميركية في بيروت، ككثيرين من أبناء جيله المسيحيين. فكان ممن تظاهروا في قصر الشعب بعد إعلان حكومة عون العسكرية في أيلول من ذلك العام، قبل أن يتطوّع في الجيش.
تزوج من ابنة قائد الجيش السابق، العماد ميشال عون الصغرى (شانتل) في العام 1999.
لم ينجح في الدخول الى البرلمان في العامين 2005 و2009 حين ترشّح إلى الانتخابات النيابية. لكن في العام 2005 عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، نجح باسيل بالتوصل لتفاهم سياسي مع "حزب الله"، الذي وقعّه عون مع السيد حسن نصرالله، في كنيسة مار مخايل في العام 2006.
عين بداية وزيرًا للاتصالات، الطاقة والمياه، ثم استلم وزارة الخارجية اللبنانية في فبراير عام 2014 حتى يناير 2020. وبعد انتخاب العماد ميشيل عون لرئاسة الجمهورية اللبنانية عام 2016، تم انتخاب جبران باسيل لرئاسة "التيار الوطني الحر" خلفا له.
مزايا جبران باسيل السياسي
أثبت جبران باسيل وخلال فترة قصيرة من وجوده في الحلبة السياسية أنه سياسي من الطراز الأول وموهوب ومحنك، وقد اعترف بهذه الخصال عند باسيل الأصدقاء والأعداء كما أشار اليها عدد من المحللين السياسيين المعروفين ووسائل الاعلام المختلفة.
أشار أحدهم الى أن باسيل يعتبر مفاوضا صعبا، فهذا الأمين العام السابق للجامعة العربية، عمرو موسى يشهد على ذلك في مخاطبة عون، على هامش مفاوضات الدوحة عام 2008، قائلاً: "ده اسمو جبرايل أو عزرايل؟ ده طلعلي روحي". بعد يومين من البحث المضني في تفاصيل تقسيم الدوائر الانتخابية في بيروت.
أقرانه العونيون الذين رافقوه في تلك المرحلة يجمعون على أن أهم ميزاته أنه منهجي في عمله. ولديه القدرة على القيام بأكثر من مهمة في الوقت نفسه، فهو كان يمارس مهام منصبه كوزير للخارجية، وفي الوقت ذاته تراه فعالا في رئاسة حزبه ومشاركته في كل الاجتماعات، والقيام بزيارات داخلية لمناطق لبنان والمشاركة في اللقاءات الحزبية، والى جانب ذلك يشارك في الاجتماعات السياسية العامة، مثل مجلس الوزراء ومجلس النواب وأحيانا كثيرة في بعبدا مقر رئاسة الجمهورية، هذا الى جانب الاجتماعات الخاصة لحل إشكالات وزحزحة الجمود في السياسة الداخلية. وكل ذلك يدل على انسان ديناميكي يمكنه القيام بعدة مهام في ذات الوقت لا يتعب ولا يمل من عمله ونشاطه.
شخصية محورية واشكالية جدا
كما ذكرنا فقد تحول جبران باسيل وبسرعة الى شخصية محورية في السياسة اللبنانية، لا يمكن أن يمر أي أمر بعيدا عنه، ويدل على ذلك حضوره السياسي اليومي وفي وسائل الاعلام التي لا يمر يوم دون أن تذكره بشكل أو بآخر. وتحول باسيل الى شخصية سياسية ذات إشكالية ومتشابكة، فهو ليس شخصا وسطيا وليس مهادنا، بل يقف رأس حربة في معظم القضايا السياسية لذلك فهو من أكثر الشخصيات السياسية، التي تتعرض للهجوم والانتقاد من زملائه وخصومه السياسيين في لبنان ومن وسائل الاعلام كذلك.
لكن رئيس "التيار الوطني الحر" رفض اعتبار نفسه عدوا لأحد، وأكد ذلك في أحد المهرجانات حيث قال: " طبيعة لبنان وجماله بتنوعه، ليس لدينا اعداء، نحن عندنا منافسون ولا يمكننا أن نتعاطى مع أي لبناني من منطلق العداوة ولكن نفكر كي نتنافس على الأفضل".
لكن هل كان باسيل يخلق لنفسه كل يوم عدواً جديداً متنقلاً من موقف إلى آخر، كما ذهب أحد الصحفيين، أم أن هذه هي طبيعة لبنان السياسي كما شرحها باسيل، بقوله: " هناك أناس لا يبادلوننا مد اليد، ليست مشكلة ننتظر، وسيأتي يوم وسيمدونها لنا". وهذا ما شهدناه في الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة، من تحالفات غريبة لم تكن تخطر ببال، بل أن حزبا ما يتحالف مع حزب آخر في منطقة ويحاربه في منطقة أخرى، وتلك من عجائب السياسة اللبنانية.
وربما رأى البعض في جرأة باسيل غير المعتادة وفرض خطاب جديد من قبله أنه يهدف لالغاء أحد، بينما قصد من ذلك " لا يمكننا ان نقبل بالتسلط او الاحتكار او بالأحادية في هذا البلد، لا على مستوى الوطن ولا الطوائف ولا على مستوى المواطن".
وزير خارجية عروبي المنحى
فرض وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، خطابا جديدا ومغايرا في المنصات العربية والدولية التي شارك فيها، في وقت غاب فيه الصوت العروبي عن المحافل الدولية بعد تهاوي الأنظمة العربية والسيطرة على تحركات الشعوب والانحراف بها الى المشاكل الداخلية وتغييب القضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى والمركزية، عن أجندة التحركات فسهلا سرقتها وحرفها. وكان صوت لبنان من خلال وزير خارجيته يمثل آخر معقل عروبي، وفي هذا كان يستند الى حزب الله ودعمه، مما جلب عليه سخط السعودية وحلفائها عربيا وغضب الولايات المتحدة وأتباعها دوليا. فهل يمكن للغرب الاستعماري أن يحتمل وزير خارجية عربي مسيحي يقول مثلا " كيف نتخيل مسيحيتنا من دون القدس، لا بل كيف نتصور اسلامنا من دون القدس". أضف إلى ذلك موقفه من سوريا ومطالبته الجامعة العربية بإعادة سوريا إلى عضويتها، رافعا صوته "ان العرب بحاجة الى سوريا وليس العكس".
بل كيف ستنظر الولايات المتحدة الى انسحاب وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، من المؤتمر الذي نظمه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في واشنطن، لتعزيز الحريات الدينية، لدى بدء الوزير الإسرائيلي كلمته حيث انتشر مقطع فيديو من داخل المؤتمر، يظهر فيه الوزير اللبناني وهو يغادر القاعة، مع شروع وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس في إلقاء كلمته. (موقع RT في19/7/2019).
وأغضب باسيل الحكم الأمريكي والسعودي برفضه خطة السلام التي طرحت في اجتماع البحرين في حزيران الماضي وبالتالي رفضه المشاركة في المؤتمر وتلبية الدعوة الأمريكية معلنا أن " السلام لا يكون بالقوة بل بإعادة الحقوق للبنان وسوريا والإقرار بحق الفلسطينيين في إقامة دولة".
أما السعودية فكانت تنتظر مناسبة تصطاد فيها باسيل، ولم تجد الا تصريحا تتعلق به وهو فيما يتعلق باليد العاملة، حين قال "من الطبيعي أن ندافع عن اليد العاملة اللبنانية بوجه أي يد عاملة أخرى، أكانت سورية، فلسطينية، فرنسية، سعودية، إيرانية أو أميركية فاللبناني قبل الكل". وهنا انقض كل خصوم باسيل الداخليين وخاصة أتباع السعودية عليه هجوما وتقريعا الى حد اتهامه بالعنصرية، ومع أنه ذكر الإيرانيين رعاة حزب الله حليفه القوي في لبنان وذكر الفرنسيين، الا أن خصومه ركزوا اهتمامهم على السعوديين، وبانت الحملة المنظمة التي قادتها السعودية بأنفسها من خلال أتباعها أو وسائل اعلامها وذهبت صحيفة "الرياض" (كما ذكرت "رأي اليوم" الألكترونية في 17/7/2019) الى حد اعتبار الوزير باسيل " وزير خارجية حزب الله" مستخدمة الخطاب الطائفي ومحاولة إثارة النعرات الداخلية اللبنانية لتقليب طرف على طرف، فكتبت الصحيفة وبأسلوب مقزز ورخيص " فالمارونية السياسية التي رافقت تأسيس لبنان أتت بحماية غربية فرنسية، بينما المارونية السياسية الباسيلية آتية هذه المرة بحماية إيرانية، وحتما ستكون جزءاً من الشيعية السياسية".
[email protected]