وربما ما يعزز هذا الأمر، هو سماح المؤسسة الرسمية الإسرائيلية للمستوطنين المتطرفين باقتحام المسجد الأقصى المبارك بشكل يومي، إضافة إلى استمرار اعتداءات المستوطنين على الأماكن الدينية الإسلامية منها والمسيحية العربية، ودون أن يتم اعتقال أي مستوطن واحد على الأقل، وتقديمه للعدالة، وهو ما يعزز الرواية الفلسطينية والعربية، بإن حكومة الاحتلال تلجأ إلى الحرب الدينية.
والغريب في هذا الموضوع، أن حكومة الاحتلال وحتى الاعلام الإسرائيلي يحاول تصوير ما يجري بأنه عنف من قبل مستوطنين مشاغبين وفلسطينيين، وكأن حكومة الاحتلال ليست سوى طرفاً ثالثاً لا علاقة لها بما يجري، وليست هي من شرعت الاستيطان وتوفر له المازنات الضخمة، وتوفر الحماية الكاملة السياسية والعسكرية لهؤلاء المجرمين في الجبال والتلال الفلسطينية.
وفي هذا السياق قال محللون ان ما شهدته الاراضي الفلسطينية من اعتداءات نفذها مستوطنون والتصريحات الاسرائيلية التي اعقبت ذلك تظهر محاولة ونوايا اسرائيلية لتغيير قواعد الصراع بين الفلسطينيين والاسرائيليين وتحويله الى"صراع ديني".
وقال المحلل السياسي، الدكتور أحمد رفيق عوض لـ معا ، إن "اسرائيل تسمح بوجود مجموعات خارج القانون وتستغلها لخدمة أهدافها، مثل جماعات تدفيع الثمن وشباب التلال اليهودية المتطرفة، الأمر الذي يهدف إلى تحقيق أهداف إسرائيل بتحولها إلى دولة دينية".
وأوضح د. عوض أنه في ظل سعي إسرائيل إلى التحول إلى "دولة دينية"، فإنها "لا تريد الوصول إلى تسوية مع الفلسطينيين، وتضع الرئيس محمود عباس وحركة حماس، والحركة الاسلامية بالشمال بذات الكفة، وهذا يعني اخراج السلطة من دائرة تمثيل الفلسطينين".
وأكد أن إسرائيل تسعى لخلط الأوراق بتغيير سمة الصراع إلى انحناءات جديدة في ظل المطالبات الإسرائيلية المتكررة بضرورة اعتراف الفلسطينين بإسرائيل كدولة يهودية، وهو ما يراه "مشروعاً إسرائيلياً يهدف إلى اختطاف القدس والمسجد الأقصى وإنشاء الهيكل في المكان، لأن إسرائيل بصدد التحول إلى دولة دينية ما بعد الصهيونية، وهي دولة بلا دستور وبلا حدود، وبلا تعريف للسكان، وبالتالي فهي نقيض الدولة الفلسطينية".
وقال د. عوض: من يقودون إسرائيل الآن هم عبارة عن طغمة توراتية، والمجتمع الإسرائيلي يتحول إلى الحاخامية، والأحزاب الدينية تتسابق نحو التطرف، والحكومة الإسرائيلية باتت تأخد شرعيتها من مدى تطرفها، وهذا يدخلنا في نفق عميق أبرز سماته العنف.
فيما حذرت اللجنة المركزية لحركة فتح من انزلاق موجة التصعيد الإسرائيلية الأخيرة وازدياد أعمال العنف في جميع الأراضي الفلسطينية، خاصة في مدينة القدس المحتلة إلى "هاوية حرب دينية خطيرة مرفوضة ومدانة".
وقال نبيل أبو ردينة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح إن إمعان الحكومة الإسرائيلية وتنصلها من أي التزامات، بما فيها الاتفاق الأخير حول التهدئة في مدينة القدس واستمرارها في تشجيع عتاة المستوطنين على تدنيس المقدسات، واستفزاز المقدسيين واستمرار النشاطات الاستيطانية يجعلها مسؤولة مسؤولية مباشرة عن جميع هذه الانتهاكات.
وقال أبو ردينة سابقاً إن إسرائيل وحدها تتحمل نتائج ما تجره من ردود فعل وأعمال عنف تهدد بانفجار شامل، كما تهدد بالانزلاق إلى هاوية حرب دينية خطيرة مرفوضة ومدانة، على حد وصفه.
وأكد أبو ردينة أن السبيل الوحيد لعدم تدهور الأوضاع والحيلولة دون انفجار شامل يتمثل في وقف الحكومة الإسرائيلية جميع إجراءاتها ضد الفلسطينيين، ووضع حد لجرائم المستوطنين والتساوق مع رغباتهم بتقسيم المسجد الأقصى المبارك زمانيا ومكانيا.
بدوره، قال قاضي قضاة فلسطين ومستشار الرئيس للشؤون الدينية، د. محمود الهباش، في وقت سابق إن الحرب المسعورة التي تشنها إسرائيل بكل أجهزتها على المسجد الأقصى وصلت إلى مرحلة خطيرة جدا، متهما الحكومة الإسرائيلية بالسعي إلى السيطرة على المسجد الأقصى.
وحذر د. الهباش مراراً من أن المساس بالأقصى سيفجر أنهاراً من الدماء وسيحول الصراع من سياسي إلى ديني، وأوضح أن العداء الفلسطيني - الإسرائيلي هو سياسي ولم يكن يوما دينيا، لكن ما يجري على الأرض من انتهاكات سيجر المنطقة إلى صراع ديني في كل العالم.
التحذرات من محاولات حكومة الاحتلال جر المنطقة إلى حرب دينية لم تقتصر فقط على الفلسطينيين، بل أن وزيرة القضاء الإسرائيلية، تسيبي ليفني، حذرت من أن حكومة نتنياهو ستجر إسرائيل والمنطقة إلى حرب دينية.
وقالت ليفني إن "الحكومة الحالية تجرنا إلى حرب دينية". وأضافت "نحن موجودون قبيل فترة قصيرة من تحول الصراع مع الفلسطينيين إلى صراع ديني لن يكون بالإمكان حله". واعتبرت ليفني أن "الانتخابات المحتملة ستجري بين حكومة متطرفة، استفزازية والمرتابة التي ستتهم كل المحيطين بها، وبين حكومة صهيونية واثقة بنفسها وتعرف كيف تجند العالم لمحاربة الإرهاب وتعرف تطبيق مبادئ الصهيونية بصورة لا تعزل إسرائيل عن العالم الحر".
[email protected]