ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها شعر الشاعر الفلسطيني، أحد شعراء المقاومة، توفيق زياد الى التشويه وحرف مضمونه من شعر فلسطيني، تقدمي، مقاوم ومناهض للمخططات الاستعمارية، الى شعر لخدمة أهداف مشبوهة، وآخرها كان محاولة ناشطين يساريين إسرائيليين، لتشويه شعر توفيق زياد واخضاعه لأهداف نشاطهما ورؤيتهما السياسية، التي لا علاقة لها بما كتبه وهدف اليه زياد.
نشر أورن يفتحئيل وزميله د. ثابت أبو راس، في ملحق "هآرتس" الأسبوعي، بتاريخ 20/5/2020 تعقيبا على تقرير ظهر في الملحق في الأسبوع السابق لهذا التاريخ، حول هجرة قادة وناشطين يساريين إسرائيليين بعد الإحباط الذي وصلوا اليه.
وأكثر ما يثير الغرابة وربما الغضب، ما استند اليه المحاضران في معرض تعليلهما لظاهرة هجرة اليساريين وانكارهما لها، حيث اعتمدا نصا شعريا معروفا للشاعر الفلسطيني توفيق زياد، فكتبا: " رنين كلمات الشاعر والقائد توفيق زياد تشكل الشعار لليهود والعرب الذين يتقاسمون نفس الوطن:
هنا على صدوركم باقون كالجدار
وفي حلوقكم.. كقطعة الزجاج، كالصبار
وفي عيونكم.. زوبعة من نار
هنا باقون"
ان لم يكن هذا تشويه صارخ لشعر توفيق زياد كيف يكون التشويه؟ ما علاقة ما قاله زياد في قصيدته، وتقاسم الوطن؟ صحيح أن توفيق زياد كان عضوا في حزب سياسي يؤمن بالشراكة اليهودية – العربية داخل إسرائيل، وصحيح أنه كان رئيس بلدية في إسرائيل وعضو في البرلمان الإسرائيلي، لكن قبل هذا وأهم من كل ذلك كان وما زال شاعرا فلسطينيا من شعراء المقاومة المتصدين للمؤامرة الصهيونية والغربية على الشعب الفلسطيني، ولسلب الشعب الفلسطيني وطنه وأرضه وحقوقه، ودعوته واضحة في هذه القصيدة بالذات التي يخاطب فيها المحتلين الصهاينة باسم الشعب الفلسطيني المقهور، فما علاقتها بنضال اليساريين الإسرائيليين؟
ان مواقف توفيق زياد السياسية يمكن اقتباسها من خطاباته في الكنيست والمناسبات وغيرها، أما ان يجري التلاعب بقصائده وتجيير معانيها الى ما لم يقصده زياد، أو الى أهداف لا علاقة لها بموضوعها، فأمر مستهجن ومستغرب بل ومدان، وعلى من قام بذلك أن يقدم اعتذاره للشاعر توفيق زياد الحاضر والباقي بشعره وأدبه، والتوقف عن تشويه شعرنا الفلسطيني والتلاعب به. ألا يكفي أنهم تلاعبوا بأرضنا ووطننا وحقوقنا ومصيرنا، وزوروا التاريخ وبعدما تلاعبوا بها وزوروها، امتدت مخططاتهم الى التراث الشعبي من ملبوسات وطعام ورقص وغيره واليوم الأدب والشعر؟!
ويعود المحاضران في ختام مقالهما المشترك ليستندا الى قصيدة زياد في بقاء اليساريين الإسرائيليين، "هذه الروح ما زالت ترفرف فوق أعمال الكثيرين، مثلما قال زياد " هنا باقون"". فهل حقا كتب توفيق زياد قصيدته هذه ليعبر عن حال أولئك اليساريين الهاربين من موقع المعركة. أي تشويه وتزوير واستهانة بشعر توفيق زياد، لا يقبله العقل ولا المنطق. فقصيدة "باقون" تصرخ في وجه المحتل الغاصب، أننا لن نرحل عن وطننا وباقون فيه على صدوركم مثل الصبار والتين والزيتون، وفي حلوقكم مثل قطعة الزجاج".
والسؤال الملح الى متى تواصل " مؤسسة توفيق زياد" الصمت عن الإساءة لشعر توفيق زياد، خاصة وانها ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه الاساءة، وما هو دور المؤسسة يا ترى ان لم يكن بالأساس صيانة ميراث توفيق زياد الأدبي والشعري؟!
ملاحظة: كنت قد كتب هذا المقال في أعقاب الإساءة المذكورة، لكن تسارع الأحداث السياسية ومتابعتها جعلني أرجيء نشره.
[email protected]