الأزمة الاقتصادية تهدد مجتمعنا والحكومة ما زالت مستكينة
مقال بقلم النائب د. يوسف جبارين وباسل خلايلة
في ظل المنعطف الكبير الّذي يعيشه العالم أجمع في ظل جائحة كورونا، تجاوزت الأزمة منذ أشهر مداها الصحيّ والوبائيّ ووصلت بقوة الى حدود الاقتصاد العالمي وحركة السوق المالي، بل زعزعت اقتصادات أكثر الدول تُقدمًا اقتصاديًا وحداثة تكنولوجية، وأدت الى ضربِ قطاعاتٍ عديدة من الصناعات التجارية وإفلاس العديد من أصحاب المصالح التجارية، المبادرين، المُعيلين، العمال والأجيرين.
وفي البلاد، فقد ضربت أزمة كورونا الاقتصادية اركان الاقتصاد في المجتمع عمومًا، الا أن عواصف هذه الأزمة ضربت بقوة متصاعدة بشكلٍ خاص المجتمع العربي في البلاد، وذلك في ظل الإقصاء الحكوميّ لمجتمعنا الّذي كان واضحًا مع اندلاع الموجة الوبائية الأولى في آذار، وبات أكثر وضوحًا وتطرفًا اليوم في ظل الموجة الثانيّة الّتي نعايشها في هذه الأيام في الدولة عامة وفي بلداتنا العربية على وجه الخصوص.
في الوقت الّذي لا يستثني فيه فيروس "كوفيد-19" احدًا، ولا يميّز بين العرب واليهود، وفي الوقت الّذي تتسارع فيه مؤشرات الانهيار الاقتصادي في بلداتنا العربية بوتيرة تفوق مثيلتها بالبلدات اليهودية، ما زالت الحكومة تتنكّر لدورها بإنقاذ المجتمع العربي من ضربات الكورونا ولا تعمل لتوفير خطط حقيقية لتدعيم الاقتصاد العربي ودعم السلطات المحليّة العربية، كما وتتجاهل واجبها بتعويض أصحاب المتاجر الّذين تضرروا ودعم طبقة العاملين، أو حتى دعم الشباب في الأعمار 18-20 من خلال توفير مخصصات البطالة لهذه الاجيال.
السلطات المحليّة العربيّة
السلطات المحلية العربية هي السلطات الأضعف ضمن التدريج الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، وقد دخلت الأزمة منذ بداياتها وهي في وضعيةٍ اقتصادية حرجة، وذلك نتاج سياساتٍ تمتد على مدارِ عقودٍ من الزمن حُرمت فيها السلطات المحلية العربية من حقها بتوسيع مسطحاتها التطويرية، من تطوير مناطقٍ صناعيّة، من منالية المكاتب الحكومية فيها والحصول على الأرنونا الحكومية، وتم إجحافها مرة تلو الأخرى في معادلات الموازنة الّتي اقرتها الحكومة وقامت بتعديلها. ومع دخول الأزمة، وتصاعد وتيرتها شيئًا فشيئًا في البلدات العربية، وبدلًا من تدعيم السلطات المحلية الضعيفة وتعويضها لمواجهة الأزمة، انشغلت الحكومة بهذيانها اليميني والاحتلاليّ المتطرف حول ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة وبالتحريض السافر ضد الجماهير العربية وقياداتها المنتخبة.
السلطات المحلية العربية لم تحصل على التعويضاتٍ الاساسية لأزمة كورونا، واحتاج رؤساؤها أن يعلنوا الاضرابٍ المفتوح لكي يفرضوا تحويل مزيد من الميزانيات التي بطبيعة الحال لا تلبي الاحتياجات. الهبات الّتي تم منحها للسلطات المحلية في ظل أزمة كورونا منحت 2% فقط للبلدات العربية، بينما ما سُميّ بصندوق "تقليص الفجوات" في مدفوعات الأرنونا الحكومية يكرّس التمييز حتى اليوم، وذلك بسبب اختيار معايير تمييزية ضد السلطات المحلية العربية.
هذا يُضاف الى مماطلات اعتباطية بعدم تطبيق الخطة الحكومية الخماسية رقم 922، رغم أن التوقيت الحالي بالذات يستدعي الاستثمار اكثر في البلدات العربية، في البنى التحتية فيها، وخاصة في حقل التربية والتعليم وفي خدمات الرفاه الاجتماعي – إذ أنه في العام 2020 لم تستثمر الحكومة شاقلًا واحدًا من الميزانية الّتي كانت من المفترض أن تكون جزءًا من الخطة الاقتصادية 922، هذا إضافة الى وضع العقبات والعراقيل البنيوية باستمرار أمام السلطات المحلية العربية ومنعها من الحصول على حقها، بحجج واهية، تسدّ الطريق على السلطات المحلية العربية بدلًا من تعبيدها امامها.
المصالح التجارية العربية
نصف عامٍ مرّ منذ ان بدأت ازمة كورونا في شهر اذار: أكثر من 30 ألف مصلحة تجارية أُغلقت وأكثر من 70 ألف مصلحة مهددة بالاغلاق حتى نهاية العام، لكن حتى يوم لم تقم الحكومة بتمرير مخصصات البطالة للمستقلين، رغم وعودات مستمرة لمعالجة ذلك.
10% من مجمل المصالح في الدولة هي بملكية لمواطنين عرب، معظمها مصالح صغيرة ومتوسطة.
تشير المعطيات الى ان الآلاف من المصالح الصغيرة والمتوسطة أغلقت في المجتمع العربي في الأشهر الأخيرة لأنها لم تحصل على دعمٍ لائق من الدولة. فعلى سبيل المثال، في الناصرة أغلقت 1046 مصلحة، في ام الفحم 446، في الطيرة أغلقت 392 مصلحة، في رهط 358، في شفاعمرو 330، في طمرة 304، في كفر قاسم أغلقت 276، في سخنين 214، والقائمة تطول. بكل واحدة من هذه البلدات، نسبة اغلاق المصالح تتراوح بين 15% الى 20%. تقريبًا واحدة من كل خمس مصالح في المجتمع العربي أغلقت ولن تفتح أبوابها من جديد. هذه النسبة هي تقريبًا ضعفيّ نسبة اغلاق المصالح في البلدات اليهودية. ويبقى الأهم من هذه النسب والأرقام هو ذلك البُعد الانساني المؤلم، فخلف كل مصلحة قصص لأناس ولعائلات كاملة تكابد الأمريّن وقد لا تجد اليوم المال لسداد الفواتير الكثيرة.
خلف كل هؤلاء الناس، كان من المفترض أن تكون دولة تدعمهم وتساندهم، لكن هذه الحكومة تتنكر لمسؤولياتها وواجباتها. هذه حكومة تقودها سياساتٌ اقتصادية نيوليبرالية غير انسانية، تترك الضعفاء لينهاروا، وتسمح للأقوياء بمواصلة افتراس حقوقهم. هذه هي قوانين الغاب التي تمليها السياسات الاقتصادية لنتنياهو، لكاتس ولوزارة المالية، وقد التقت مع سياسة عنصرية وتمييزية تُقصي المجتمع العربي وتتنكّر لحقوقه ومكانته.
العمال والأجيرين
في خضّم الأزمة الحالية، لا يمكن الا نتوقف عند حجم الأذى والضرر الّذي قد طال العمال والأجيرين العرب. العطيات نعكس ذلك بوضوح: حتى شهر حزيران، وصلت نسبة العمال العرب الّذين تم اقالتهم الى حوالي 10%، أكثر من ضعفيّ النسبة في المجتمع اليهودي، 20% من العمال العرب انتقلوا للعمل بوظيفةٍ جزئية، مقابل 13% في المجتمع اليهودي، 43% من العمال العرب قالوا إنه تم المسّ براتبهم الشهري مقابل 33% من المجتمع اليهودي; 58% من العمال المجتمع العربي مدانون اليوم في حساباتهم البنكيّة (رصيد سلبي)، مقابل 33% في المجتمع اليهودي.
واحدى الأمثلة الاضافية لسياسات الدولة التي تتنكر لاحتياجات الشبيبة العربية هي قضية حرمانهم مخصصات البطالة: منذ ابتداء الأزمة في شهر اذار، خسر آلاف الشباب والشابات عملهم ودخلوا دائرة البطالة بسبب جائحة كورونا، ومع ذلك، اصطدم الشباب والشابات العرب في الأجيال 18-20 بواقع قانوني يحرمهم من استحقاقات البطالة، وذلك لأن الحد الأدنى للحصول على مخصصات البطالة هو 20 عامًا. ويظهر عمق المسّ بالشباب العرب إذا أخذنا بعين الاعتبار أن نصف المواطنين العرب هم دون جيل ال 20، مما يشير الى احتياجاتهم ذات الخصوصية بهذه الأجيال.
مع ابتداء الأزمة، ومنذ شهر اذار، كنا قد طالبنا بتوفير مخصصات البطالة للشباب في الأجيال 18-20، واصلاح الغبن التاريخي ضد الشباب العرب، وما زلنا نطالب بذلك مع استمرار ازمة كورونا. ونتساءل: لماذا لا يحصل الشباب العرب الّذين يعملون ويتقاضون الأجر من الجيل 18 على مخصصات البطالة؟ لماذا يتوجب على طالب عربي في عمر ال 20 أن يكسر كل توفيراته، ان وجدت أصلًا، أو أن يضطر لترك تعليمه والمسّ بمستقبله؟ خُمس الطلاب العرب تركوا أو يفكّرون بترك التعليم في اعقاب الأزمة الاقتصادية – ماذا فعلت الحكومة إزاء ذلك؟ تعميق التمييز ضد شبابنا وتكريس واقعهم الاقتصادي الصعب.
للخلاصة، فنحنُ نعيش فترة صعبة، مركبّة، وغير ثابتة، لكن الأمر الوحيد الّذي ما زال ثابتًا فيها منذ بداية الأزمة وحتى الآن هو تجاهل الحكومة للمواطنين العرب وتعميق سياسات الاقصاء ضدهم. إن لم توفر الحكومة الموارد المادية والميزانيات الطارئة والفورية للمجتمع العربي – وخاصة للسلطات المحلية العربية، للأجيرين والمستقلين، للعاملين في المجال الثقافي والفني، لجيل الشباب، للعاملين في المجال السياحي وأصحاب المطاعم، وايضًا للطلاب – فان جروح المجتمع العربي التي تعمّقت خلال ايام الأزمة قد لا تندمل حتى بعد سنينٍ عديدة من عبور الأزمة وطي صفحتها.
امام هذا التحدي، واجب الساعة هو الحفاظ على وحدتنا وعملنا الجماعي، بل تعميق النهج الوحدوي وذلك على المستوى الميداني وضمن تنسيق ثابت بين هيئاتنا التمثيلية: لجنة المتابعة، القائمة المشتركة، اللجنة القطرية للرؤساء، والمؤسسات الحقوقية.
لا يضيع حق وراءه مطالب.
[email protected]