احتفلنا الأسبوع الماضي بالذكرى الـ68 لثورة 23 يوليو المصرية بقيادة الرئيس القائد جمال عبد الناصر، كما مرت فيه ذكرى ميلاد الدكتور جريس سعد خوري، مؤسس ومدير "مركز اللقاء للدراسات الدينية والتراثية في الأرض المقدسة"، والذي ولد بعد أيام على نجاح الثورة الناصرية، وانطبق عليه قول الزعيم عبد الناصر بأنه من الجيل الذي ولد مع الثورة. بالطبع فان الدكتور جريس أسوة بأبناء جيله وخاصة من أبناء الشعب الفلسطيني الذين بقوا في وطنهم، تأثر بزعيم الأمة العربية ومبادئه ونهجه، وحمل الفكر القومي الذي يتعانق فيه الهلال والصليب وكان قسمه "أحلف بقرآني وانجيلي"، وبهدي تلك المباديء بادر وعدد من صحبه المفكرين والأكاديميين الفلسطينيين وبدعم من رجال دين مسيحيين ومسلمين بتأسيس المركز في بيت لحم، في مطلع سنوات الثمانين من القرن الماضي، في خطوة شجاعة للتصدي للأفكار الطائفية وزرع قيم التسامح والأخوة بالاستناد للعروبة التي تحضن فرعيها الإسلامي والمسيحي.
مرت ذكرى ميلاد د. جريس خوري، في أجواء تشبه تلك الأجواء التي دعته وصحبه لتأسيس مركز اللقاء، لنشر قيم الحوار والعيش المشترك ودفع الطائفية المقيتة التي تهدد مجتمعنا وسلامته. حيث يتم اليوم بث الأفكار الطائفية بشكل علني ودون خجل، بل وتكفير كل من لا ينتمي لأفكار التعصب المذهبية. لكن الفارق أنه في ذاك الزمن قام من يتصدى ويرفع صوته في وجه النعرات الطائفية البغيضة، بينما اليوم نكاد لا نعثر على رجل واحد يجرؤ على رفع صوته، بمن فيهم من يعلنون أنهم يسيرون على طريق "اللقاء"، لقد صمتوا وخانوا الرسالة ولم يستجيبوا لصوت ودعوة د. جريس، حين قال لنا سابقا ما يصح فينا اليوم: "اننا نرى أن دور اللقاء يجب أن يكون أكبر وأشمل في هذه الفترة الحرجة والصعبة التي يمر بها شعبنا، حيث تكثر فيه الأزمات وتزداد الصراعات والرغبة في تغذية الطائفية والفئوية".
اعذرني د. جريس أن أقول لك أن جهدك وتعبك يكاد يذهب هدرا، وأن الشعار الذي رفعته في مؤتمرات "اللقاء" ورددته مرارا ورددناه معك، من منطلق الايمان به "شعبنا واحد لا يقبل القسمة على اثنين". لا أتمنى لك أن تشاهد حالنا وقد تخلينا عن هذا الشعار، ولم يعد شعبنا يقبل القسمة على اثنين فحسب، بل على عشرة وربما أكثر. باتت انتماءاتنا للعائلة والطائفة والمذهب والعشيرة والعصابة وغيره. للأسف لم نتحول الى شعب بعد، طالما أننا لا نقبل الخطأ كما نقبل الصواب، وفق تعبير شاعرنا الفلسطيني محمود درويش.
وخشيتي انه تحقق ما ذهبت اليه في كتابك ""عرب مسيحيون ومسلمون" من ضرب للغة الحوار وتغلب لغة الاقصاء والإرهاب، في زمن الداعشية الفكرية التي تعمل على الاجهاز على كل ما هو جميل في زمننا وإلغاء الآخر حتى لو بالقتل وسفك الدماء، حين قلت: " لذا أؤكد أن ثقافة الحوار والاستيعاب وحدها تكفل العيش والحياة والمشاركة، بينما عقلية الاستثناء والاستخفاف والانزواء والخوف تؤدي إلى الذوبان والاضمحلال".
بودي أن أصارحك في ذكرى ميلادك بأنه يتوجب علينا مراجعة أنفسنا، ومراجعة شعاراتنا التي رفعناها دون تعبيد الطريق أمامها، بات علينا تقويم تلك الطريق وتحديد معالمها وحدودها لضمان عدم انحراف البعض عنها والتزام الجميع بخطوطها المرسومة، وعدم التأتأة امام الطائفية كما كنت تفعل، هكذا نصون نهجك وننقل رسالتك.
أبا بشارة.. سلام لك وسلام عليك في ذكرى ميلادك، واعذرني لصراحتي النابعة من ألم كبير.
[email protected]