نشرت المواقع الإخبارية المحلية أن لقاءً رسميًا ثنائيًا جرى قبل أيام بين وفدي حزب التجمع، من جهة، والحركة الإسلامية الجنوبية من جهة ثانية، تباحث فيه الوفدان في شؤون الانتخابات الإسرائيلية القادمة.
من اللافت للنظر أن أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي، السيد عوض عبدالفتاح، لم ينف ما نشر عن مطالبة الوفد التجمعي باستبعاد النائب أحمد الطيبي من أي تحالف ثنائي بين الإسلامية والتجمع، واكتفى قائلًا "إن جلّ اهتمام التجمع، في الوقت الراهن، ينصب نحو إقناع الجبهة بضرورة الانضمام إلى القائمة المشتركة..".
قبل عامين وبعد أن قرر نتنياهو، نفسه، حل الكنيست وجرّ إسرائيل إلى معركة انتخابية مبكّرة، شهدنا ما نشهده اليوم من تحرّكات سياسية وسمعنا ما ينادى به جميع قادة الأحزاب العربية والإسلامية، حين أكدوا جميعهم أن الحاجة ملحّة لبناء قائمة عربية مشتركة.
يحق للتجمع أن يضع شروطه لتعبيد طريق الوحدة العربية الإسلامية كما يراها، أو ما يسميه البعض "أمر الساعة" و"إرادة الشعب والجماهير"، وقد أعود للكتابة عن مطالبتهم لاستبعاد النائب الطيبي من أي وحدة ثنائية قد يلجأ اليها الطرفان (التجمع والإسلامية)، وما يشمله ذلك من أبعاد سياسية وأخلاقية، ولكن ما شدّني فيما نقل على لسان السيد عوض هو ذلك الإصرار على وجوب إقناع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة بضرورة انضمامها للقائمة العربية المشتركة.
فبداية، إذا كان مسعى جميع القادة تشكيل قائمة واحدة شاملة، فلماذا هذه الاجتماعات الثنائية، التي كانت ستنجح، لولا رفض قادة الإسلامية الجنوبية، كما جاء في تلك الأخبار، استبعاد الطيبي وهو حليفهم الأبرز والأهم؟
وإذا كان ضم الجبهة للقائمة العربية الإسلامية أمرًا جليلًا، فكيف يستوي ذلك مع ما كتبه د. محمود محارب، وهو أحد أبرز قادة التجمع، قبل ثلاثة أسابيع فقط عن الجبهة وقادتها، خاصة عن النائب محمد بركة الذي "ينتفض التاريخ من جهله وانحطاطه".
ما يجري، تحت شعارات الوحدة العربية وما إلى ذلك من شعائر قبلية وعصبوية زائفة، أمر لا يستهان به. فكيف من الممكن أن تخوّن الجبهة وتطعن في مواقفها وتاريخها قبل أيام قليلة واليوم تصبح الوحدة معها شأنًا وطنيًا ضروريًا وهامًا؟
وإذا كان قائد الجبهة مفتريًا ومزوّرًا، كما جاء في مقالة عنوانها "عندما ينتفض التاريخ على جهل محمد بركة وانحطاطه" ولكم أن تتخيلوا ما حواه المتن وفاض به من وجع وعجب، يحق لنا أن نتساءل اليوم؛ كيف سيصير هؤلاء الجبهويون حلفاء وطنيين مؤتمنين؟ وإذا إزدرى قادة في التجمع قادةً في الجبهة قبل أسابيع قليلة، فكيف سيحن اليوم العود على قشره؟
ربما يخاف قادة أحزاب على مصائرهم وعلى سقوطهم، لا سيما بعد رفع نسبة الحسم في هذه المعركة، فصارت الوحدة عندهم مرساة وقارب نجاة، ولكن هذه الدواعي غير كافية لبناء وحدة صادقة وقادرة على مجابهة ما تعدّه لنا الأيام القوادم من مخاطر مصيرية.
في كانون الأول من عام ٢٠١٢، كتبت وقلت، ويا للعجب ما زال صحيحًا في أيامنا هذه: في وحدتكم ضعفنا لأن: لا رصيد لهذه النداءات فأولًا، لا نوايا حقيقية لعقد قران هذه الوحدة، فالحياة علّمت؛ أن من ينوي البناء لا بد له من تجهيز أساسات متينة وهذه لم تُعد ولن تُعد. وثانيًا، من يدعو إلى وحدة عليه أن يوقف حملات التفريق والتقريع والتطبيل والتزمير فهل توقف "التجمع" عن قناعته ان الطيبي غير جدير بالتفاتة، ولن يكون شريكًا لا بفرح ولا بترح؟ وهل توقف "التجمع" عن اتهامه لـ"الجبهة الديمقراطية" و"الحزب الشيوعي" بالخيانة الوطنية وبالانبطاح على عتبات المؤسسة الإسرائيلية؟ وهل توقف الإسلاميون عن تجريم كفر الشيوعيين وأكثر؟ وهل انقلب الجبهويون وكفّوا عن إيمانهم بفداحة وعبث ما يدعو إليه "التجمع" وما تنادي به حركات إسلامية وقومية لا تخفي مواقفَها من الكنيست والدولة بشكل عام؟ وهل أصبح الطيبي حزبًا/حركةً كاملة القوام والجسد؟.
برأيي أن السؤال حول أفق تحقيق "الدولة القومية العربية" في إسرائيل، من خلال النضال البرلماني في "الكنيست الصهيوني"، يبقى السؤال المفتاح لمواقف حزب "التجمع" في العديد من القضايا والمسائل الجوهرية. معالجة هذه المسألة، بعيدًا عن التجريح والمزايدة والتخوين، من شأنها أن تمنع كثيرًا من الزلّات وأن تجلو كثيرًا من الضباب.
كذلك يبقى سؤال موقف الحركة الإسلامية من إسرائيل كدولة، ومن كل دولة قومية (بما في ذلك فلسطين) سؤالًا مفصليًا، بالإضافة إلى السؤال عما تعنيه "الديمقراطية" لهذه الحركات، ومواقفها مما يعتبره آخرون حقوقًا أساسية للجميع وللمرأة، وحتى لمن لا يريد أن يتّبع دينًا، لا قدَّر الله!
لقد وصلنا إلى حالة من التشوُّه السياسي ونحن ندفع ثمن هذا التلكؤ والكسل. لجوءُنا إلى شعارات توفيقية حجب عنّا تحقيق عوائد لصالح مجتمعنا، ولكن اليوم، وعلى خلفية ما طرأ من متغيرات، نحن بحاجة إلى عودة المايسترو، وعلى هذا أن يكون عاقلًا حاذقًا متعلمًا مجربًا واثقًا حازمًا حاسمًا، وعليه أن يمسك العصا.
لا تتوحَّدوا يا سادة بل تميَّزوا، ليختار من احتار، وليتراجع من استنكف عن يأس وعن ملل. لا تتوحَّدوا، ولكن لا تخوّنوا ولا تكفِّروا بعضكم بعضًا، فإن أجدركم عند شعبكم أفيَدُكم للناس، أجدركم من يقف وراء الدفّة ويقود.
مرّ عامان وتمكنت في جسدنا ما كانت بدايات مرض واليوم عدنا إلى نشيد الوحدة الزائفة، ولذلك كما كتبت في حينه أقول اليوم: "لسنا بحاجة إلى وحدة تُعيق العمل الجاد، وتحبط التقدم، فوحدةٌ مُعيقة أضرُّ من فرقةٍ تحصدُ ولو لمامًا.
[email protected]