من سوء طالع "الكورونا" أو من حسن طالعها أنها ظهرت وانتشرت في زمن الفيسبوك والتويتر والانستغرام. اذا ظنت الكورونا أنها ستداهمنا بهدوء وتأكل من البشر ما شاءت دون رد فعل، فهي أخطأت خطأ جسيما. منذ ان ظهرت الكورونا وبدأت مشوارها في الصين، تصدى لها الكثيرون من خلال صفحات وسائل الاتصال الاجتماعي، منهم من تناقل أخبارها منهم من اكتفى بتعليق بسيط، ومنهم من أخذ يدلي بدلوه، وذهب البعض الى حد تأليف النكت ونشر المواقف المضحكة، واستمر الناس في حياتهم الطبيعية، نهجا على قول وديع الصافي في أغنيته القديمة، والتي يجهلها جيل هيفاء ونانسي " طلعت نزلت حادت عن ظهري بسيطة".
لكن الكورونا لم تبق بسيطة، ولم تبق ضمن حدود الصين، حيث هزأ الكثيرون من إجراءات السلطات الصينية، والبعض ظن أن ضربته نجحت في الحد من النفوذ التجاري والصناعي والمالي الصيني على صعيد العالم. وساهمت بعض الدول في اغلاق سبل الوصول الى الصين علها بذلك تتخلص من منافستها في السوق العالمي الحر.
ولأن الكورونا على عكس سابقاتها، ظهرت وانتشرت في زمن الفيسبوك، فقد امتلأت وسائل التواصل بما هب ودب من أخبار وصور وأفلام ونكات، الى جانب اطلالات المحللين والمستشارين والمختصين والأطباء من خبراء وعلماء الى أبسط البسطاء، من يملك الخبرة ومن يملك طول اللسان، من يفهم ومن لا يفهم، من هو مختص وخبير ومن هو جاهل غرير، كل يدعي بالعلم معرفة ومعظمهم لا يفهم بالعلم قدر مغرفة، لكن الساحة مفتوحة والمنابر متاحة فلم لا يتسلون بأعصاب الناس المباحة، وهناك من الناس من يصدق أي خبر وخبرية ويصاب بالذعر والخوف بين ليلة وعشية، وهناك من يستهتر ويتسهزيء ولا يهمه ما يحدث للإنسانية. وفي ساعة ضعف قلت ولم لا ادلي بدلوي، ماذا ينقصني وبماذا أختلف عن الآخرين، لدي فسحة من الفيسبوك، واذا نويت أجيد صف الكلام، وشكلي لا بأس به فلماذا أبقى متخلفا ولا أساهم كغيري بما يحلو لي. وعزمت على ذلك، فتحت الجهاز ونويت التصوير، لكن فجأة توقف الكلام في جوفي، ماذا أقول وعم أتكلم، هل أكون جديا أم ساخرا، هل أعبس أم أضحك، هل أبتسم أم أتظاهر بالوقار، وبأي أسلوب أتوجه للناس، هل أحدثهم بأسلوب علمي وأنا لا أفقه بالعلوم كثيرا، أم بالنصائح الطبية وأنا لا يربطني بالطب أي سلك أو جهاز اصطناعي، أحدثهم عن التاريخ ومعلوماتي فيه قليلة وشحيحة، أم أكتفي بزت الكلام جملة من هنا وعبارة من هناك مطعمة بمثل او قصة، ولا مانع من ادخال كلمات بلكنة أجنبية.. لكن لساني أصابته عقدة نفسية، ورغم جهدي الكبير لكنه أبى وتمنع، ولم تجد معه كل المحاولات اللطيفة والعنيفة.. فأقفلت الجهاز صاغرا وقلت لم لا أكتفي بما هو موجود، ولم أزعج الناس بترهات سأقولها وأنا نفسي غير مقتنع بها، وترحمت على امريء عرف قدر نفسه فوقف عندها، وتساءلت في سري هل هناك أشخاص اليوم يعرفون قدرهم ومدى حّدهم، وأقسمت بيني وبين نفسي انه لو وجد انسان كهذا لما وصلنا الى ما وصلنا اليه من تراجع أخلاقي وعلمي، ولما أصابنا ما يصيبنا من جهل وتخلف سرمدي.
[email protected]