بعد إعلان رئيس الحكومة محمد اشتية القرارات الأخيرة، التي من أبرزها العزل البيتي الإجباري، مع بقاء العمل والتجول للعاملين في المجالات الحيوية؛ يبقى قيام الأجهزة الأمنية لضمان تطبيقها، بمساعدة معظم المواطنين المدركين لأهمية هذه الإجراءات للوقاية، ومنع انتشار هذا الفيروس الفتّاك.
أوجب اللجوء إلى هذه الإجراءات أن وضعنا الاقتصادي والسياسي سيئ، والأهم أن نظامنا الصحي هشٌّ وغير جاهز للوضع الطارئ، وسيكون عاجزًا أكثر من العجز الذي نراه في الدول المتقدمة إذا انتشر الوباء. لذا، يجب عمل كل ما هو ممكن ومستحيل لمنع انتشاره.
وما يعزز أهمية هذه الإجراءات، والاستعداد لأخذ المزيد منها، ما يأتي:
أولًا: إن عدد المصابين في الدول المتقدمة، كما أشارت دراسة أميركية، أكبر من المعلن عنه بخمسة إلى عشرة أضعاف، ليس بسبب عدم الشفافية فحسب، وإنما أساسًا بسبب سوء التقدير والتكبر والعناد والاستخفاف بالوباء في البداية، ولأغراض سياسية أو دينية، ولجعل الاقتصاد أولوية على حساب حياة البشر، وكذلك لأن عدد المصابين المكتشفين فعلًا كبير جدًا ما يجعل الإمكانية لفحص المشتبه بهم أو بشكل عشوائي، إما مستحيل أو محدود، نتيجة قلة أجهزة الفحص حتى في الدول المتقدمة، فكيف بالدول الفقيرة، مع أن الفحص العشوائي ضمن معايير محددة أثبت جدواه في العديد من الدول التي حاصرت الوباء، وخصوصًا الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة والنرويج واليابان وروسيا، وأعتقد أن علينا اعتماده، ولو بأعداد قليلة وفق الممكن، لأنه يمكن أن ينذر بوجود الوباء في مناطق ما، ما يساعد على عزل المنطقة والمصابين المحتملين قبل انتشاره .
ثانيًا: إن محاصرة الوباء والقضاء عليه كليًا يمكن أن يستغرق - وفق التقديرات المتداولة - مدة لا تقل عن أشهر، وربما تزيد عن سنة. لذا، يجب الاستعداد لكل الاحتمالات وأسوئها، لا سيما أن فلسطين تحت الاحتلال، وهو يمارس العنصرية حتى ضد الفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية، فضلًا عن أن النظام السياسي والصحي في إسرائيل سقط سقوطًا مدوّيًا باعتراف الكثير من الإسرائيليين، حتى من بعض المسؤولين، لذا يجب عمل كل ما يمكن عمله لمنع نقل الفيروس من إسرائيل ومن المستعمرات الاستيطانية.
كانت السلطة الفلسطينية رغم قلة الإمكانيات والظروف الصعبة على مستوى التحدي حين أعلنت حالة الطوارئ واتخذت بعض الإجراءات المهمة، إلا أنها لم تتخذ الترتيبات الكافية والقائمة لتنفيذ هذه الإجراءات، ولعل ثغرة التعامل مع الآثار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية شاهد على ذلك، وخطأ الاتفاق بين الحكومة ممثلة بوزارة العمل وممثلين عن القطاع الخاص والعمال بصرف 50% من الراتب، وكذلك السماح بدخول المسافرين والعائدين عبر معبر الكرامة من دون فحص، إذ تبين فيما بعد إصابة العديد منهم، الأمر الذي يدل على عدم فحصهم قبل تمكينهم من الدخول؛ شاهد آخر على ذلك.
ولعلّ من الثغرات التهاون مع التجمعات في الجوامع حتى بعد القرار بإغلاقها (حسنًا فعلت الحكومة باعتقال عشرين من أئمة الجوامع في الخليل الذين خالفوا القرار يوم الجمعة الماضي)، وفي البنوك، والأسواق، وحفلات الأعراس، والأفراح، والعزاء، وتجمعات الشباب بلا سبب، والحياة العادية في بعض المناطق في القرى والمخيمات من أناس لا يدركون الخطر عليهم وعلى غيرهم، دليل على عدم الالتزام. فالأمر ليس مجرد إنفلونزا وعدد قليل من الضحايا، فإذا انتشر الوباء سيصل عدد الضحايا إلى الملايين كما صرح الأمين العام للأمم المتحدة، وسيكون نصيب فلسطين آلاف الضحايا إذا لم نلتزم بالوقاية بالحد الأقصى.
وليس صحيحًا أن الخطر بالموت فقط على المسنين، وإنما على مختلف الأعمار، وخصوصًا المرضى من مسنين وشباب وغيرهم.
الآن، إذا تم الالتزام الصارم بالقرارات الأخيرة، نضمن عدم وصول الأمر إلى حظر تجوّل كامل، ولا بد من إعطاء الأهمية اللازمة والأولوية لتوفير مقومات الصمود الاقتصادية والاجتماعية. وسأعرض فيما يلي مقترحات وردت في رسائل تلقيتها بطرق عدّة، أبرزها على صفحتي على الفيس بوك:
· تشكيل فريق اقتصادي وطني للطوارئ، وعدم اعتبار الفريق المشكل قبل الحالة الراهنة يفي بالغرض، لأن المستجدات تتطلب تشكيل فريق قادر على مواجهة التحديات الراهنة.
· تشكيل صندوق أهلي وطني للتبرعات يديره أناس محل ثقة واحترام لضمان توزيعه ضمن الأولويات والمحتاجين فعلًا، وتركيز الدعم للضعفاء والفقراء والعاطلين عن العمل وليس للشركات الكبرى، ولا لمساواتهم ببعض، وتنظيم حملات للتبرعات على مستوى وطني، وفي مختلف المناطق، ويمكن تشكيل صندوق في كل محافظة.
· استعداد الشركات الكبرى ودعوتها لذلك، بما تشمل البنوك والاتصالات والكهرباء والماء والبترول والسجائر وفي كل المجالات، للتخلي عن أرباحها لهذا العام لتسديد رواتب العاملين والموظفين الذين اضطروا لمزاولة بيوتهم، ومساعدة المحتاجين والعاطلين عن العمل، خصوصًا العمال، وعدم نسيان المؤسسات الصغيرة، وخاصة العاملة في قطاعي الصناعة والزراعة.
· قيام كبار الموظفين في الشركات العامة، ودعوتهم للقيام بذلك بالتبرع بنسبة من رواتبهم لا تقل عن ثلاثين بالمائة، وتخفيض رواتب المدراء العامين والوكلاء والوكلاء المساعدين والمستشارين والوزراء بنسب تدرس من مختصين.
· قيام أصحاب الملايين والمليارات بمساعدات سخية من أموالهم، والأرباح الباهظة التي حصلوا عليها، وبعضهم موظّفون في السلطة، وعدم الاكتفاء بما تقدمه شركات المساهمة العامة التي يديرونها، ويساهمون فيها.
· إقرار حوافز من الإعفاءات الضريبية.
· دفع الزكاة وقيام رجال الدين والمثقفين والإعلاميين بالحثّ على ذلك، فثوابها الآن عند الله مضاعفة.
· على الشركات والمصانع والمؤسسات والسوبر ماركت التي استمر عملها، أو تضاعف، خصوصًا الشركات المتعلقة بالصحة والأدوية ومواد التنظيف والتعقيم التي تضاعفت أرباحها، أن تقدم تبرعات بشكل مضاعف عن غيرها .
· تخفيض قيمة الجمارك بنسبة تدرس لمساعدة القطاع الصناعي والزراعي على مواصلة العمل.
· شمول المنشآت الصغيرة بالدعم، لأن استمرار عملها عامل مهم من عوامل الصمود والانتصار على الوباء.
· استلهام تجارب شعبنا في تنظيم نفسه، وتقديم المبادرات، وكل أشكال التضامن والتكافل الاجتماعي، وخصوصًا خلال الانتفاضة الشعبية المجيدة، وذلك بتشكيل اللجان الشعبية ومجموعات المتطوعين للقيام بشتى الأعمال.
· يمكن وضع صندوق في كل سوبر ماركت وصيدلية للتبرع.
· تقسيط الالتزامات الضريبية وغير الضريبية، وتأجيل دفع الإيجارات والأقساط لمن لا يستطيع دفعها.
· تغيير النمط الاستهلاكي بالحياة ليتناسب مع وضعنا، فنحن نعيش في بلد اقتصاده استهلاكي خدمي وليس منتجًا ومصدّرًا.
يبقى أمر في منتهى الأهمية، وهو جعل قطاع غزة جزءًا من الخطة العامة الوطنية، لأن التنسيق القائم حتى الآن بين الضفة والقطاع أقل من الحد الأدنى، فلا نريد أن يواصل أبطال الانقسام طريقهم في تعميقه مثلما فعلوا رغم الخسائر الفادحة المترتبة عليه المعنوية قبل المادية. فلم يحركهم ضم القدس ومؤامرة القرن ومخططات الضم والتهجير والعدوان والحصار لإنهاء الانقسام، فقد يحركهم الوباء الفتاك.
ولا يجب نسيان شعبنا في الشتات، خصوصًا في مخيمات سوريا ولبنان، ما يوجب على المنظمة أن تضعهم ضمن الأولويات وفي الحسبان.
نعرف تمامًا أن موازنة السلطة تعاني من العجز ولا تقدر على تقديم الكثير أسوة لبلدان أخرى، والأعباء الجديدة ستزيد من العجز، خصوصًا بعد تعذّر معظم العاملين عن العمل هنا وداخل إسرائيل، وهذا يعني خسارة المليارات التي تأتي من أجورهم، حيث يبلغ دخل العاملين في إسرائيل سنويًا حوالي 8 مليارات شيكل، ومما يصرفه شعبنا في الداخل في الضفة، الذي يقدر بملياري شيكل سنويًا. ولكن المطلوب إدارة الأزمة وتوزيع المساعدات والتبرعات الداخلية والخارجية بأفضل وأعدل وأنجع طريقة ممكنة، وهذا يتطلب هيئات وطنية وشفافة ومهنية، لتذهب الأموال لمن يستحقها فعلًا .
ما دامت دول عديدة قد حاصرت وهزمت الوباء ففلسطين تستطيع.
[email protected]