يحلّ عيد الأمّ اليوم مختلفًا عن كلّ عام، فمع بداية الرّبيع يحتفل ملايين الأشخاص حول العالم في الحجر المنزلي، ضمن الإجراءات الّتي اتّخذتها العديد من الدّول تباعًا بهدف السيطرة على تفشّي وباء كورونا، الّذي أصاب مئات الآلاف حول العالم وأدّى إلى وفاة الآلاف منهم حتى اللحظة.
ولم يكن لبنان بمعزل عن الجائحة، بعد أن أصاب العشرات في البلاد، وأدى إلى تغيّر العادات الاجتماعية، ومنها احتفال المواطنين بعيد الأم لهذا العام؛ فيأتي الاحتفال بعيد الأم هذه السنة، بشكل حزين، لا ورود ولا قوالب حلوى ولا حتى زينة، كما اعتاد اللبنانيون، إما بسبب الإجراءات المتبعة للحد من انتشار الفيروس، أو لغياب بعض الأمهات اللواتي أبعدن قسرًا عن عائلاتهن أو أبعد أولادهن عنهن، بسبب كورونا.
إلّا أنّ أفراد الطاقم الطبي المسؤول عن متابعة حالة المصابين بالفيروس في مستشفى الحريري، قدموا هدية من نوع آخر لجميع الأمهات اللبنانيّات، كان عنوانها "الوفاء والتضحية". إذ قرّر نحو 25 طبيب التطوّع للاعتناء بضحايا الفيروس دون أي شروط أوضمانات مسبقة، بينما تحاول الدول الكبرى التوصل إلى علاج فعال لمكافحة الوباء بكافة دول العالم.
رسالة إنسانية
الطبيب محمد بولاد (29 عامًا)، يروي أنّ "نحن 25 طبيبًا قرّرنا أن نقوم بواجبنا المهني والإنساني في ظلّ تفشي فيروس كورونا الفتاك"، ويضيف متسائلًا: "إذا قرّرنا عدم المواجهة من يتحمّل إذن هذه المسؤولية؟".
وعن يوميّاته في المستشفى، يقول بولاد: "نداوم لمدّة 12 ساعة يوميًا، حيثُ أتنقّل ما بين غرف الطوارئ وغرف العزل"، مشيرًا إلى أنّه "على احتكاك مباشر مع المصابين في الطوارئ".
تختلط في داخل بولاد أوجاع كثيرة وفي الآن عينه تغمره لحظات السعادة وهو يتحدث للأناضول: "أنا اليوم من مستشفى الحريري الحكومي أقدّم أجمل الهدايا لوالدتي التي توفت منذ 3 أشهر لأنّني أحقق أمنيتها". متابعًا أنّه "لم أكن أتوقع أن يمرّ عيد الأم ووالدتي بين أحضان الربّ، إلّا أنها حيّة في رسالتي الإنسانية وفي عملي ومع كلّ حالة شفاء".
واجب وتضحية
ولا تختلف رسالة الطبيبة زمزم التكريتي (29 عامًا) عن رسالة بولاد، إذ وضعت كلّ إمكانياتها وطاقتها لمعالجة مرضى فيروس كورونا.
وتعود التكريتي إلى شريط ذكرياتها وتقول "منذ صغري كانت تتمنى والدتي أن أكون طبيبة واليوم أحقق أمنيتها"، واستطردت: "طبعًا لا أنسى اللحظات في أحضان والدتي والتي لا تقدر بثمن، وسط أجواء حميمية في بيت العائلة، لكن اليوم عيد الأم مختلف فأنا أقوم بواجبي كطبيبة".
وقالت التكريتي إنّ "هذه السنة لن أكون بحضن والدتي لكنها ستسامحني لأن غايتي هي دعم كل مريض مصاب بالكورونا ورفع معنوياته إلى أقصى الحدود".
وتعتبر التكريتي أن أقل واجب عليها مساندة كلّ مريض، قائلة إنّ "الجسم الطبي يعاني من ضغوط متعدّدة، لكنّه صامد وماضٍ في حربه ضدّ هذا الفيروس".
وختمت التكريتي حديثها بالقول: "نتمنى لجميع الأمهات دوام الصحة والعافية في هذا اليوم، الأمومة هي الرسالة النبيلة التي أنعم بها الله على البشرية".
وحتى صباح الخميس، أعلنت السلطات اللبنانية وفاة 4 أشخاص، وإصابة 139 آخرين بالفيروس. فيما وسّعت نطاق القيود والإجراءات المفروضة منذ الأحد على المواطنين في ظل إعلان التعبئة العامة، وقررت إغلاق جميع المرافئ البحرية والبرية والجوية، لمدة 11 يومًا.
وحتى صباح السبت، أصاب كورونا حوالي 276 ألف شخص حول العالم، بينهم أكثر من 11 ألفًا و400 وفاة، أغلبهم في إيطاليا والصين وإيران وإسبانيا وكوريا الجنوبية وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة؛ كما أجبر انتشار الفيروس على نطاق عالمي، دولا عديدة على إغلاق حدودها، وتعليق الرحلات الجوية، وإلغاء فعاليات عدة، ومنع التجمعات، بما فيها صلوات الجمعة والجماعة.
[email protected]