أطلق رجل الأعمال الفلسطيني بشار المصري مبادرة وطنية فلسطينية تحمل اسم "عالأرض" بهدف تعزيز قدرة المواطن على الصمود فوق أرضه المهددة بالنشاط الاستيطاني المتواصل والمتصاعد. كما تهدف المبادرة إلى دعم أفكار خلاقة تمكن المواطن من توطيد علاقته التاريخية بالأرض، وتبرز للعالم المخاطر الجسيمة للمشروع الاستيطاني على حياة الشعب الفلسطيني.
جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقد اليوم الثلاثاء في فندق الكرمل بمدينة رام الله بحضور شخصيات سياسية واقتصادية وإعلامية وأكاديمية وممثلي مؤسسات رسمية وأهلية فلسطينية، وسط تغطية من وسائل إعلام محلية ودولية. وقد انطلقت فعاليات المؤتمر الصحفي بالترحيب بالحضور وأعضاء لجنة التحكيم في مبادرة "عالأرض"، والتي تضم كلاً من فيرا بابون، أكاديمية فلسطينية والرئيس الأسبق لبلدية بيت لحم، دلال عريقات، أكاديمية وباحثة فلسطينية، سام بحور، مستشار أعمال فلسطيني، إيهاب الجريري، إعلامي وناشط فلسطيني، ورجل الأعمال الفلسطيني بشار المصري، وعارف الحسيني، مهندس وروائي فلسطيني.
من جهتها أشادت د. ليلى غنام في كلمة لها خلال المؤتمر الصحفي، بفكرة المبادرة والقائمين عليها، وأكدت غنام "أهمية الدور الذي يؤديه القطاع الخاص الفلسطيني في هذا السياق الوطني المهم، وأن السيد الرئيس يشكر ويُثمن كل جهد يساعد في مناهضة هذه المغتصبات وفي تجسيد صمود أبناء شعبنا على الأرض، ليس فقط بالشعارات بل بالفعل". وحيّت غنّام كل فلسطيني يفكر بكل ما من شأنه تجسيد صمودنا مثل مبادرة "عالأرض"، مستذكرة تضحيات الشهداء والأسرى في مواجهة الاستيطان.
وفي كلمته رحب المصري بالحضور، وقدّم لهم شرحاً وافياً عن المبادرة وأهدافها مبيناً أنها مبادرة وطنية تسهم في "تكريس الرواية الفلسطينية فوق أرض فلسطين أمام استيطان يستهدف الإنسان والتاريخ والذاكرة والحقوق والمشهد والطبيعة والأرض وثرواتها ومواردها." وبيّن المصري أن المبادرة تفتح أبوابها لكل شخص سواء كان من داخل فلسطين أو خارجها، ولديه الإرادة والقدرة على تقديم مساهمة عملية ملموسة تساعد في تحقيق أهداف المبادرة." مضيفاً " تسعى المبادرة عبر دعم مجموعة من المشاريع التي يمكن تنفيذها سواء محلياً أو دولياً إلى توسيع نطاق المساهمين في التصدي للأنشطة الاستيطانية عالمياً، على أن تكون الأفكار المُقدّمة واقعية ومبتكرة وقابلة للتنفيذ الفوري." وأوضح المصري أن الأفكار المتقدمة سوف تتلقى دعماً مالياً تتراوح قيمته من ألف إلى نصف مليون شيقل أو ما يعادله بالعملات الأخرى، لتنفيذ كل فكرة.
وأضاف المصري "لقد أثبت شعبنا عبر السنين صلابته وقدرته على الصمود وتحمل المشقات، وإننا في هذه الفترة من الزمن نواجه تحديات خطيرة، وعلينا التكاتف سوياً لصدها." وختم المصري كلمته بالقول "أدعوكم فلسطينيين وداعمين لقضيتنا العادلة إلى الانخراط في هذه المبادرة، والتقدم بأفكاركم الخلّاقة، وتنفيذها بدعم وتمويل فلسطيني ذاتي، لكي تصبح أفكاركم مشاريع قائمة على الأرض".
وقال وزير الريادة والتمكين المهندس أسامة السعداوي، في مداخلة له خلال المؤتمر الصحفي "إن هذه المبادرة تخطو خطوة كبيرة في مواجهة الاحتلال وتحمل أهدافاً عدّة، ومن المؤكد أن لهاً بعداً تنموياً وتعزيزاً للعمل الجماعي، وهو ما برز في شروط المبادرة التي تنص على أن عدد مقدّمي الفكرة الواحدة يجب أن يتجاوز ثلاثة أشخاص على الأقل". ونوّه السعداوي "بعض الأفكار التي ستقدّم قد لا تكون ناضجة، ومن المهم أن تحتضن اللجنة هذه الأفكار"، مضيفاً بأن "البعد الريادي موجود في المبادرة، فهذه إضافة نوعية لتعزيز أهمية الوعي الريادي، وهذا كله يخدم فكرة محاربة الاستيطان بطريقة ذكية وفعالة، لفضح الرواية الإسرائيلية."
وأشاد محافظ نابلس، إبراهيم رمضان، بمبادرة "عالأرض"، مبيناً أن المسألة في وجهة نظره تتمحور حول فكرة المقاومة، وهي ما يريده السيد الرئيس، مبيناً أن المقاومة لا تقتصر على الحجر والبندقية، بل الاقتصاد المقاوم أيضاً. مضيفاً أن " ما يقوم به بشار المصري هو نواة للاقتصاد المقاوم الحقيقي". وقال: "إننا شعب مقاوم بالفطرة، فليس صحيحاً ما يقال أن قوتنا في ضعفنا، بل قوتنا في إرادتنا الفلسطينية القوية، داعياً الاقتصاد الفلسطيني أن يحتذي بفكرة المصري؛ لكي نتمكن من إحداث شيء على الأرض بدل التأمل فقط.
أما المهندس أيمن إسماعيل نائب رئيس الطاقة للشؤون الفنية، فقد ثمّن المبادرة وقال: "حتى نُثبّت الناس على أراضيهم المهدّدة بالمصادرة أو الترحيل منها، فيجب أن يتم تأمين مصدرين أساسيين لهم وهما: الطاقة والماء ونحن في سلطة الطاقة سنتعامل بشكل إيجابي مع أي مشروع كهربائي في هذه المناطق المهددة بالمصادرة، وإعطاء ترخيص دون أي شروط أو طلبات إضافية".
وأوضحت فيرا بابون، عضو لجنة التحكيم في المبادرة، أن مسؤولية استمرار المبادرة وديمومتها تقع على عاتق الجميع من أجل إنجاح الأفكار وتطبيقها واستمرارها.
وأكدت بابون: "أغلب المشاريع الريادية تخاطب أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة، وفي هذه المبادرة لا يوجد لدينا فقط تنمية مستدامة بل صمود مستدام أيضا، المبادرات والمشاريع الريادية هي دولية مطروحة من الأمم المتحدة، وحق الصمود الفلسطيني أساسي يعتمد أولا وأخيراً على حقوق الإنسان والقانون الدولي، فمن رحم هذه التنمية المستدامة الدولية، يحق لنا كفلسطينيين أيضاً من خلال هذه المشاريع طرح مشاريع للصمود المستدام الفلسطيني، فهي مشاريع مكملة متممة مستدامة".
من جانبها بيّنت د. دلال عريقات، عضو لجنة التحكيم، أن هناك تنسيقاً بين مبادرة "عالأرض" وبين هيئة مقاومة الجدار والاستيطان. وتحدثت عريقات عما أسمته بـ "الصمود السلبي" على أرض فلسطين، والذي يعني أن مجرد وجود الفلسطيني على أرضه وعدم مغادرته هو مقاومة بحد ذاته، مؤكدة أن هذا الصمود سوف يتضاعف حين يكون هناك أفكار خلّاقة تصب في هذا المنحى، وهو ما تسعى المبادرة لتحقيقه.
بدوره أشار سام بحور، عضو لجنة التحكيم في المبادرة، أن "عالأرض" أخذت بعين الاعتبار أهمية استهداف الجمهور المتعاطف مع الفلسطينيين حول العالم، وأكد بحور أن هذا الأمر على سلم أولويات المبادرة، مبيناً أن المبادرة لا تنطق بالعربية فقط، ولكنها تخاطب العالم بلغات عدة، بما في ذلك الإنجليزية، والفرنسية، الإسبانية، وحتى العبرية، موضحاً أن المبادرة تخاطب المجتمع الدولي بخمس لغات لنقول أننا نواجه الاستيطان بطريقة عملية استباقية وبنّاءة، وأضاف بحّور أن المستوطنات معروفة بعدم شرعيتها حول العالم.
من جهته، أكد إيهاب الجريري، عضو لجنة التحكيم في المبادرة أن القدس جزء أساسي من المبادرة، وأن المبادرة تفتح الباب أمام أي شخص حول العالم، طالما لديه أفكار تساعد في الحد من التوسع الاستيطاني وتفضح سياساته. وأوضح الجريري أنه سيكون هناك معلومات شاملة ووافية على الموقع الإلكتروني الرسمي للمبادرة، يوضح آلية التقديم للمبادرة؛ حتى يعرف الجميع المعلومات التي يحتاجونها، بالإضافة إلى ملف كامل للتقديم وجداول ثابتة وواضحة، مبيناً أنه في فترة لاحقة سيتم فرز الطلبات المتقدمة، والتنسيق من قبل اللجنة مع أصحاب الأفكار الأكثر إبداعاً، وأن هذه ليست مسابقة بقدر ما هي وسيلة للبحث عن أفكار ومبادرات خلاقة، مؤكداً أن عملية الفرز ستتسم بالشفافية وبحضور إعلامي.
وخلال المؤتمر الصحفي وجه الصحفيون أسئلة عديدة للجنة التحكيم حول تفاصيل المبادرة، حيث أوضح بشار المصري في رده على أحد الأسئلة حول مصدر تمويل المبادرة، بأنها بتمويل شخصي منهُ مضيفاً "آمل أن تكون هذه مجرد البداية، وأن يتقدم آخرون ممن يرون أهمية هذه المبادرة لفلسطين، ودورها في دعم صمود الفلسطيني على أرضه في وجه الاستيطان".
وقد كان لافتاً ما قام به محمد خطيب من مؤسسي اللجان الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان - بلعين خلال المؤتمر، والذي أثنى على مبادرة "عالأرض" مقدّماً شكره للقائمين عليها، كما أعلن دعمه للمبادرة بمبلغ 10 آلاف دولار.
وقد بدأت صفحة مبادرة "عالأرض" على موقع فيسبوك (عالأرض-(3al Ard منذ أيام نشر مجموعة من المواد الإعلامية المكتوبة والمصورة تسلط الضوء على مخاطر المشروع الاستيطاني من خلال إحصائيات رسمية موثقة، وعرض مقاطع فيديو وشهادات حية لمواطنين وقصصاً حقيقية تظهر جانباً من المعاناة اليومية التي يتسبب بها الاستيطان للمواطن الفلسطيني. وتنشر صفحة "عالأرض" موادها الإعلامية تحت وسم (هاشتاغ) #فكرتك_بتحمينا، وذلك في إشارة إلى الجانب الفكري والإبداعي الذي تتبناه المبادرة في مساعيها لمواجهة الاستيطان. كما انطلق الموقع الإلكتروني الرسمي للمبادرةwww.3alard.ps استعداداً للبدء بتلقي طلبات الالتحاق.
[email protected]