ربما فوجيء، ربما تفاجأ.. ربما أخذ ضربة مؤلمة على رأسه، ربما نخزته شوكة في استه.. وإلا مالذي يخرج رئيس أعظم دولة في العالم عن طوره، ويشغل باله ويقض مضجعه ويطلق العنان لبذاءاته وسخافاته في صفحاته الوهمية. هل ظهر له بوتين في منامه، أم شوشت الصين مخططاته؟ أم طرقت أحلامه ايران أو جاءه كابوس اليمن وسوريا والمستضعفين العرب؟ أو خدشت أذنيه تفوهات رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الذي تحول من خصم لدود الى صديق محبوب؟
لا، لم يلق بالا ترامب الى تلك القضايا الشائكة التي تواجهه، والتفت فجأة الى غلاف مجلة " تايم" التي تصدر في عقر داره، وجعلته لاصورة الغلاف يقفز من مكانه ويستشيط غضبا ويضرب الأرض بقبضة يده، وقد تناثر شعره الأشقر الأشعث على جنباته وبات مظهره يذكّر بالدجالين والسكارى.
كيف تختار، بل تجرؤ مجلّة "تايم" على تجاوزه، واختيار الناشطة السويدية المدافعة عن المناخ، الشابة غريتا تونبرغ ابنة الـ 16 عاما لتكون "شخصية العام" الأصغر سنًا، وبالمقابل تتجاهل رئيس دولتها الذي يصول ويجول تيها وتكبرا وانتفاخا في كل مكان؟!
ربما لو تلقى صفعة مدوية من بوتين الروسي أو من شي جين الصيني، أو أسقطت له طائرة في الخليج أو خرّ صريعا أمام أقدام زعيم كوريا لكان أسهل عليه من هذا الخازوق الذي يدعى تونبرغ، والتي تلاحقه في كل مكان وتذكره بعجزه الدائم وتظهر سخافته اللامتناهية امام العالم.. فيعلن أن ذلك "أمر سخيف للغاية"، وفي قمة غضبه ونرفزته يصرخ متألما: "يجب على غريتا أن تتحكم في مشاكل الغضب لديها، ثم تذهب لمشاهدة فيلم قديم مع صديق، اهدئي يا غريتا! اهدئي!" وهو الذي يحتاج الى الهدوء والتأني وعدم التسرع. فترد عليه غريتا بكل هدوء وبرود أعصاب أنها "مراهقة تعمل على مشكلة إدارة الغضب".
يشار إلى أن الناشطة السويدية المراهقة، غريتا تونبرج، سبق وهزأت من سخرية الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، منها، في شهر أيلول الماضي، بعد هجومها عليه خلال إلقاء كلمتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكان ترامب قد علق على خطاب تونبرغ، عبر حسابه في "تويتر" مستهزءا بها "يبدو أنها فتاة سعيدة للغاية تتطلع قدما نحو مستقبل مشرق ورائع، من الجميل أن أرى هذا!" فجاء ردها مداعبة اياه "فتاة سعيدة للغاية تتطلع قدما نحو مستقبل مشرق ورائع".
وكانت غريتا قد باشرت في آب 2018 تنفيذ إضراب بمفردها كل يوم جمعة أمام مقر البرلمان السويدي، لكنها سرعان ما ألهمت حشودًا متزايدة من الشبان والبالغين المستعدين للنزول إلى الشارع في تحرك بات يعرف بشعار "فرايدايز فور فيوتشر" (أيام الجمعة من أجل المستقبل) لمطالبة قادة العالم أجمع باتخاذ تدابير جذرية للحد من ظاهرة الاحترار.
بينما كان ترامب يتخبط في سياسته وقراراته المزاجية، لا يهمه مستقبل البشرية ولا تحركه قضايا الانسانية. وكان تحرك غريتا يثبت جدواه في التظاهرات الهائلة في أرجاء العالم، من أجل الحفاظ على مناخ مريح. وقطعت دراستها لتواصل نضالها من أجل بيئة نقية معتمدة وسائل النقل الخالية من انبعاثات الكربون، وقضت 15 يوما لعبور المحيط الأطلسي في زورق شراعي. ومن جهة مناقضة كان ترامب يستقل طيارته وسفينته وسيارته بتلويثاتها، التي لم تصل الى حجم تلوث وتلويثات ترامب الشخصية.
وهكذا خسر ترامب المنافسة على لقب "شخصية العام" في 2019 بمجلة "تايم"، أمام الشابة الصغيرة، اللطيفة والجريئة غريتا، وأعادته الى حجمه الذي يستحقه، حين صرخت فيوجهه ووجه أمثاله من زعماء العالم، من على منصة الأمم المتحدة: كيف تجرؤون؟!
.
[email protected]