مقدمة:
هو أحد الأسرار المرتبطة مباشرة بالمعمودية. مباشرة بعد التغطيس الثلاثي على اسم الآب والابن والروح القدس يُمسح المعتمد بالميرون المقدس أو بتعبير ليتورجي، يُختم بالميرون المقدس.
عن المعمودية والميرون يقول القديس كيرلس الأورشليمي (القرن الرابع): "ها إنكم اعتمدتم في المسيح و لبستم المسيح فأصبحتم على مثال صورة المسيح ابن الله، لأن الله الذي اختارنا لأن نكون أبناء بالتبني جعلنا على صورة جسد المسيح المجيد.
وبما أنكم أصبحتم شركاء المسيح فأنتم مدعوون بحق مسحاء. إنكم أصبحتم مسحاء بتلقيكم ختم الروح القدس. كل شيء تمّ فيكم بالامتثال، بما أنكم صورة المسيح.
وعندما تعمد المسيح في نهر الأردن ومنح المياه ملامسة ألوهيته، صعد منها فحل الروح القدس بذاته عليه، كذلك أنتم عندما خرجتم من المياه المقدسة قبلتم المسحة (الميرون) وهي الصورة الحقيقية لمسحة المسيح، داعين بها الروح القدس".
في سفر أعمال الرسل حادثان يبرزان سر الميرون كسر خاص منفصل عن العماد فجاء: أن السامريين الذين آمنوا بالمسيح واعتمدوا باسم الرب يسوع "نزل اليهم بطرس ويوحنا ليصليا لهم لينالوا الروح القدس فوضعا أيديهما عليهم فنالوا الروح القدس" (أعمال 8/12-17)
ومع بولس الرسول في أفسس "فاعتمدوا ووضع بولس عليهم يديه فنزل عليهم الروح القدس" (أعمال 19/1-6)
الميرون هو كلمة يونانية تعني العطر أو الزيت المعطّر. وهو رمز الفرح والبهجة، القوة والازدهار والسعادة.
خادم هذا السر:الأسقف في الكنائس الغربية، والكهنة في الكنائس الشرقية.
مفاعيل سر الميرون:
1- يمنح الروح القدس: المسيح بعد عماده في نهر الأردن حلَّ عليه الروح القدس، ومع كيرلّس الأورشليمي عام 387 نقول:" وأنتم كذلك عندما خرجتم من بركة المياه المقدسة قبلتم المسحة (الميرون) وهي الصورة الحقيقية لمسحة المسيح وأعني بها الروح القدس".
2- يرسخ مفاعيل العماد: إن سر العماد لا يجعل المعتمد في عصمةٍ من الخطيئة، فالطبيعة البشرية ضعيفة وميالة الى الشر، فسر الميرون يُلبس المعتمد قوة من العلاء ليستطيع مقاومة الشرير, كما جعل الرسل شجعاناً بعد حلول الروح القدس عليهم.
3- يقوي اتحادنا بالمسيح: "متى جاء روح الحق أرشدكم الى الحق كله. لأنه لا يتكلم من عنده بشيء بل يتكلم بما يسمع". (يو 16/13-15).
4- سر الميرون يجعل المعتمد شريكاً بكهنوت المسيح العام: المسيحي يشارك المسيح بأن يتحمل ما يعانيه في حياته من عذاب، والى جانب الصليب سر الميرون يشرك المعتمد بفرح المسيح ومجد قيامته.
معنى سر الميرون:
المسحة أو الميرون هو سر الحياة – بما أن الروح القدس هو معطي الحياة. والسر هذا هو امتداد للعنصرة لأن الروح نفسه الذي نزل بهيئة ألسنة نارية على التلاميذ مرئية ينزل غير منظور – عبر المسح بزيت الميرون المقدس- على المعتمد الجديد. يقول القديس سمعان التسالونيكي: "يهبنا الميرون الختم الأول والخلقة التي كانت على صورة الله التي كنا خسرناها بعصياننا. وأيضاً يمنحنا النعمة التي أخذناها بالنفخة الإلهية آنذاك (عند الخلق) ".
لقد شددنا سابقاً على ارتباط المعمودية بالميرون، وعلى عدم الفصل بين السرين، وعلى ضرورة تلازم السرين المعمودية والميرون. إن موقف كنيستنا واضح في هذا الموضوع فالميرون " ليس جزءاً عضوياً من سر المعمودية وحسب، بل بوصفه تحقيقاً له، مثلما العمل الذي يلي المسحة المقدسة (الميرون)، أي الاشتراك في الافخارستيا، هو تحقيق لها" (الأب الكسندر شميمان).
ختم موهبة الروح القدس:
إن فهمنا لسر الميرون يتعمق أكثر متى فهمنا عبارة "ختم موهبة الروح القدس "التي يقولها الكاهن أثناء مسح المعمود بالميرون المقدس. الحديث هنا ليس عن "موهبة" معينة خاصة (موهبة الصوت مثلاً) أو مواهب متعددة كالتي يتحدث عنها الرسول بولس: "أن المواهب على أنواع اما الروح فواحد" (1كو4:12).
هنا كلمة موهبة لا ترد في صيغة الجمع "مواهب" بل "ختم موهبة الروح القدس" لأن المعتمد لا يمنح بهذا السر موهبة خاصة بل يُمنح الروح القدس بوصفه موهبة. قال المسيح حين وعدنا به: "يأخذ مما لي ويطلعكم عليه. جميع ما هو للآب هو لي لذلك قلت أنه يأخذ مما لي ويطلعكم عليه" (يو16: 14-15).
بالمعمودية يعود الإنسان إلى طبيعته الحقيقية في المسيح ويتحرر من شوكة الخطيئة، وبذلك صار من الممكن أن ينال دعوةً أكمل، دعوة المسيح العلوية التي تفتح باب التأله، والتي يحققها سر الميرون بمسح المعمد بالروح القدس.تبقى الاشارة إلى أن موضوع الموهبة بالنسبة للإنسان المسيحي المؤمن ليس موضوع سحر أو ما شابه. فنحن نؤمن أن كل ما لدينا من مواهب ونِعم هي عطية من الله.
فقد يتحلى شخص غير مؤمن بالمواهب نفسها التي يمتلكها المؤمن، وقد يبرع في عمله كالمؤمن، لكن الفرق أننا نؤمن إيماناً يقيناً أن كل ما نملكه هو عطية من الله ائتمنا عليها لكي نخدم بها اخوتنا البشر فتكون الموهبة هب فعلاً موهبة الروح القدس.
[email protected]