"السلطة الرابعة"، مصطلح تم استخدامه في الماضي للإشارة لوسائل الإعلام في محاولة لتضخيم دورها عبر وضعها كسلطة حقيقية بعد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، لكن ما نشاهده منذ بضع سنوات، خصوصا في مجتمعنا العربي حول الدور المتزايد لوسائل الإعلام في الحياة السياسية تجاوز كل ما كان معروفا سابقا فلم تعد تقتصر مهمتها على نقل الأخبار والآراء، بل وصلت إلى لعب دور المحقق وجامع الأدلة والمدّعي العام فهل واكب إعلامنا العربي أحداث منطقتنا العربية ومحيطها ؟ وماهي أسباب حالة الفوضى التي يعيشها إعلامنا العربي ؟
هذه الاسئلة وغيرها يحملها الدكتور وسيم وني مدير مركز رؤية للدراسات والأبحاث في لبنان لعدد من الكتاب والصحفيين فكان التحقيق التالي :
الإعلام العربي في مواكبة الأحداث في منطقتنا العربية ونقله للخبر بجرأة وحكمة برغم تدخل القوى الإستعمارية :
أكد الدكتور خلف المفتاح مدير مؤسسة القدس الدولية أن الإعلام الرسمي العربي لم يرتقي إلى المستوى المطلوب بسبب انحيازه الكامل للسلطة وضعف حرية التعبير والرأي إضافة إلى عدم امتلاكه أدوات العمل الإعلامي الناجح ، وبدوره أعرب الإعلامي أسامة الشحادة مدير إذاعة دمشق عن إعتقاده بأن الإعلام العربي و السوري و خاصة في وقت الحرب حاول الخروج من شرنقة المدارس الغربية للاقتراب من هموم المتلقي و ترجمة آماله و آلامه ، و نجح إلى حد بعيد في ذلك ، و أثبت أنه من خلال كوادره الوطنية المدربة يستطيع الوصول إلى المصاف الأولى في المدارس الإعلامية ، بينما رأت الإعلامية لبنى مرتضى بأن الإعلام هو حالة الاستثناء بأشكاله كافة، وتسعى دائما الشعوب العربية للوصول لحالة الارتقاء بالمادة الاعلامية، إلا أنها لاتمتلك الأدوات المثلى لتحقيق ماهيته الحقيقية، فالإعلام بالمجتمع العربي يسعى دائما لتغطية هذه النواة بورق سلفان ملون زاهي لإخفاء وجهه الحقيقي ضمن محسوبيات أحيانا تكون مأجورة ضمن المصالح التي تعرقل مسيرته الحقيقة والسامية، ومن جهته نوه الكاتب فضيل حلمي عبدالله
بأن عمل الإعلام العربي المقاوم عبر وسائله المرئية والمسموعة والمقروءة دور مهم في نشر ونقل أوضاع الأمة، وخاصة من مقوماتهم المعنوية إلى معاناتهم ومعوقاتهم اليومية عبر وسائله المختلفة وبرامجه المعدة وصحفه ومجلاته المنشورة وخاصة وسائل الإعلام المقروءة ومنها الصحافة التي اكتسبت أهميتها كونها السلطة الرابعة في المجتمع والمتحدث الرسمي باسم أفراد مجتمعه .
أسباب حالة الفوضى التي يعيشها إعلامنا العربي :
وهنا تكمن الضرورة على التركيز حالة الفوضى التي يعيشها إعلامنا العربي ، حيث قالت لبنى مرتضى : قد أسميها حالة عدم الإكتراث واللامبالة بأسلوب الإعلام الحقيقي لأن أدواته غير مكتملة الهوية فأحياناً يشوبها التطبيع وأحيانًا التشويه، ونضيف أيضا الأسلوب الغير مبرمج والممنهج، وعدم تأمين الكادر الأمثل لتحقيق الأهداف المطلوبة، وهنا نوه أسامة الشحادة بقوله يقال إن الغراب حاول أن يقلد مشية الطاووس فلا هو أتقنها و لا تذكر مشيته الأصلية .. فوضى الإعلام العربي اليوم سببها أنه لم ينطلق في معالجاته من قعر مجتمعه ، و لم يترجم وجع مواطنيه ، و لم يعرف في الوقت نفسه كيف يقلد مدارس الإعلام الغربي الغريبة عن تربته و الموغلة بتطرفها الإجتماعي و الديمقراطي ، وهنا أشار فضيل حلمي عبدالله إلى أن حالة الفوضى التي تعيشها وسائل الإعلام بالنسبة لقضية أمتنا العربية من كونها الأداة التي تبرز حجم القضية وأهميتها الوطنية والإنسانية والحقوقية, وتظهر أبعادها على سطح الواقع الفلسطيني و العربي والدولي خاصة وأن وسائل الإعلام وصلت في الوقت الحاضر إلى أوج قوتها وأبعاد انتشارها لسهولة الاتصال وتعدد وسائله ودخول التقنيات الحديثة في مجال النشر والطباعة ووصول المعلومة بسرعة كبيرة فللمتلقي الحق في كافة أشكال الخدمات والعطاءات و الوفاء لأنه في قلب المعركة ومقيم على أرض الوطن وضمن الصراع فيجب أن يقدم الإعلام كل والوسائل الداعمة من خدمات فكرية وثقافية وأدبية وفنية تأهيله وتوفر المعلومة الصحيحة و الدقيقة و المناسبة له،والمشاركة الفعلية في النهضة للحركة الموضوعية مما يعزز للقاراء تقديرهم لذاتهم وولائهم لقنعاتهم, كما لهم الحق في الاستفادة من قدراتهم ومهاراتهم وعدم الاستهانة بقدراتهم الفكرية والأدبية والثقافية و المعرفية والعلمية, فهم من أفراد المجتمع الفلسطيني والنسيج الوطني العربي..
بينما أكد الدكتور خلف المفتاح أن أسباب الفوضى في الاعلام انعدام المهنية عند اختيار الكوادر وغياب الإستراتيجية الاعلامية المناسبة والقائمة على حاجات المجتمع وحاجات الاعلام ذاته
المبادئ العامّة التي يجب أن يتحلى بها الإعلاميّون في ظل الفورة الإعلامية التي نشهدها:
أعرب أسامة الشحادة بأن الإعلام مرآة المجتمع و فوضى الإعلام يعني فوضى اجتماعية و ثقافية .. فانظر إلى ما فعلت آثار مثل هذا التخبط في مجتمعاتنا في العقد الثاني من هذا القرن بسبب الفوضى في الإعلام ، وشدد شحادة بأنه أولًا لا بد من حرية التعبير تحرير الكلمة ، و جعل مصلحة الوطن و المواطن الشغل الشاغل للوسائل الإعلامية و الإدارات و الإعلاميين .. و بغير ذلك لن يستطيع إعلامنا أن يخطو خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح .. ثانيا ينبغي الإبتعاد عن زج العناصر غير الكفؤة في الأماكن غير المناسبة و الاكتفاء بالكفاءة و الخبرة و المدربة و المؤهلات العلمية لانتقاء الإعلاميين و وضعهم في المفاصل الهامة في أجسام وسائل الإعلام ، ويعتقد فضيل حلمي عبدالله بأنه ليس هناك رسالة إعلامية مؤطرة موجهة لخصوصية معينة, وذلك دليل على عدم وجود رؤية واضحة يستدل بها أصحاب القرار من القائمين على سياسات الإعلام عامة والمقروءة خاصة، يتضح ذلك من خلال الضعف العام في طرح ومناقشة قضايا الأمة على صفحات تلك الصحف والمجلات الأخرى في باقي الدول العربية, في وقت تعمل مواقع الإعلام باهتمام ومسؤولية تامة بموضوع أفراد المجتمع وبقضاياهم ، فعلى وسائل الإعلام أن تكون حلقة وصل بين المتلقي والعالم من خلال النصوص والمقالات والدوريات والأخبار, المكتوبة باللغة العربية و بالغات العالم, ليصل انتاجهم للقارىء ، وهنا أشار الدكتور خلف المفتاح على المبادئ التي يجب ان يتحلى بها الاعلاميون والتي تتمثل بـ : حرية الكتابة والثقافة العالية والمهنية وفهم قضايا المجتمع والانتماء للوطن والحقيقة ، وأوضحت لبنى مرتضى بقولها بأن حديثنا يطول عن المبادئ المرجوة وخصوصا ضمن مايجري على الساحة العربية والعالمية،، فنحن هنا نطلب المصداقية ليس إلا دون أي إضافات وقوالب تحد من الحالة الابداعية لدى الاعلامي،وإن حالة التمرس والاكاديمية والخبرات هي الاساس في إنشاء اعلام حقيقي واضح الملامح دون اي زيف ، وإن أي تأسيس يحتاج إلى آلية منطقية وخطة مستقبلية وكادر ذو خبرات يقوم بدارسة منطقية وموضوعية لإنشاء الهيكل المنظم والجدير لعملية البناء الاعلامي الصحيح..
بعض التوصيات للإعلاميين ولكل من يملك وسيلة إعلامية :
رأى فضيل حلمي عبدالله بأنه على المعنيين و أصحاب القرار تأمين متطلبات وحتياجات وتسهيل مهمة الإعلاميين و مد جسر التعاون بين الإعلامي ومؤسسات المجتمع وأفراده, عبر صفحاتها مستخدمة أساليب وطرق عرض مناسبة, على أن يجد الإعلامي المساندة الفعلية متى احتاجها وبطريقة ميسرة, ودعم نشاطات الأشخاص القائمين في وسائل , من خلال تنوير الرأي العام باهمية الدور الذي يقومون به في خدمة المجتمع بكل جوانبه ،ونوه أسامة الشحادة بأنه دائما يوصي طلابه بالقراءة و التعلم و التثقف .. فموسوعية المعرفة هي أهم ما ينبغي أن يتحلى به إعلاميونا ، إضافة الى المهارات الحديثة في اللغات و الحاسوب و وسائل التواصل و آليات العمل الإعلامي في الإعداد و التقديم و التحرير .... الخ ، وهنا يجزم الدكتور خلف المفتاح بأن الاعلام رسالة وليس تجارة وأنه ينقل الحقيقة ويبتعد عن الإرتهان لغيرها وأن لا يكون قلم الاعلامي للايجار ؛والانحياز لقضايا الوطن الكبرى والتأهيل المستمرومتابعة ما يجري من احداث في العالم والابتعاد عن التضليل والكذب والخداع اضافة للسرعة في نقل الحدث ، وقالت لبنى مرتضى قد تطول قائمة التوصيات ولكنني استطيع أن أبدأ بشيء اعتبره البند الاول والاهم، وهو الرقابة الشديدة على القائمين بعملية الإعلام بكافة أشكاله والبحث عن الجدوى منهم ضمن هذا السلك الحساس، فالاعلام هو واجهة البلاد والمحرك الأساسي لصورة البلاد في الخارج.
[email protected]