منذ أن أعلن اليهود عن إقامة دولتهم " اليهودية على أرض إسرائيل"، عام 1948 على أنقاض فلسطين، وهم يعتبرون العرب الذين بقوا في وطنهم عقدة، ورأوا أن هذه العقدة متعبة وعليهم التخلص منها، ولأنهم لم ينجحوا في ذلك، عملوا على محاصرة تلك العقدة بواسطة الحكم العسكري وفرض القيود والترهيب، ووضع المخططات بإبقاء العرب "حطابين وسقاة ماء"، لم يتركوا وسيلة "ديمقراطية" إلا وجربوها. وعلى صعيد البرلمان سمحوا لهم بالمشاركة في اللعبة، لكن حاصروهم وعزلوهم وتركوهم يصرخون. ولما ازداد عددهم وزاد تأثيرهم، عملوا على اخراجهم من البرلمان، فرفعوا نسبة الحسم فجاءت الضربة العكسية، حيث توحدت الأحزاب العربية، بعدما ظنوا أن العرب لا يتفقون ولا يتوحدون. فندم من كان السبب وعض أصابعه ندما ووعد بإصلاح الخطأ بالتراجع عن رفع نسبة الحسم.
لم يحدث مرة أنهم أحبوا العقدة أو رغبوا بوجودها في حياتهم، عملوا المستحيل وضعوا المخططات، ضيقوا نطاق التحرك وفرص العمل، ومن نجح من العرب في اختراق الحصار والانخراط في صفوف عليا، انما جاء بفضل علمه وذكائه ومهاراته، التي تفوق مهارات أترابه اليهود وإلا ما تم قبوله في فريق كرة قدم يهودي أو منتخب إسرائيلي، أو في شركة يهودية للهايتك أو طبيبا معالجا في مستشفى عبري. كبرت العقدة وتشعبت وانتشرت في جميع مناحي الحياة، حتى تعذر واستعصى على محرك الحبل السيطرة على العقدة التي فيه أو النجاح في حلّها.
وهنا قرر الحاوي من وراء الكواليس ترك العقدة تتضخم حتى تنفجر وتدمر ذاتها بذاتها. فأطلقوا الوسواس الخناس ليوسوس في نفوس الناس، فتحول النقاش الى الداخل، والاتهام نحو الذات، فازدهرت صناعة الاشاعات ونمت حالة التشكيك، وانتقلت حلبة الصراع الى الشارع المحلي، وبدل أن توجه الأصابع نحو الحكومة، تحولت نحو النواب العرب. وبدل أن يوجه النقد للقابضين على مفاتيح الميزانيات والصناديق، وجهت نحو الأعضاء العرب بادعاء أنهم لا يفعلون شيئا لحل العقدة. ومن ثم اتهموا بأنهم يعيشون على الهامش، ولا يرغبون في الدخول الى ائتلاف حكومي كما ترغب الأغلبية.
وحان وقت مواجهة الحقيقة. العقدة باتت "رأس الزاوية". بدون العقدة لن تقوم حكومة جديدة أو ائتلاف ثابت. الحل في نظرهم يكون في تجاهل العقدة والقفز عنها. حتى لو كان بالتقاء أعداء الأمس، وإقامة حكومة وحدة "مكرها أخاك لا بطل". أو الغاء الحظر عن المتدينين أو عن الخارج عن الصف اليميني، أو حتى من يحسب على اليسار المقيت، كل المحظورات تباح، إلا حل العقدة ودمجها في اتخاذ القرار.
وهناك اشكال جديد ومحرج، حتى لو تجاوزوا العقدة واتفقوا فيما بينهم على الوحدة. هل يعقل أن يصبح عربيا رئيسا للمعارضة، يعرف الأسرار ويطلع على التقارير العسكرية، ويوازي رئيس الحكومة في المركز والأهمية؟ أمر غير معقول وعليهم غير مقبول، فالحل في وحدة أحزاب المعارضة وتشكيل كتلة كبيرة تضع حدا للخطر المهول. واذا استدعت الحاجة ينقضون الكنيست، عملا بمقولة شمشوم، وليحل الخراب علينا وعلى أعدائنا.. يا صهيون!
[email protected]