كنت من أشد الناس دعوة لاستمرار الأحزاب العربية الجديدة التي تخوض انتخابات الكنيست لأول مرة، أن تواصل وتكمل مسعاها حتى اليوم الأخير، كي نقطع الشك باليقين ونعرف مدى حجمها وقوتها وما تمثله من تأييد جماهيري عبر صندوق الانتخابات. لكن وبعد الخطوة التي أقدم عليها رئيس حزب الليكود ومرشح اليمين لمنصب رئاسة الحكومة، بنيامين نتنياهو المتمثلة اقناع خصمه وابن حزبه سابقا، رئيس حزب "زهوت" فيغلين، بالانسحاب من الانتخابات واعلان تأييده لليكود ومرشحه لرئاسة الحكومة، أيقنت أنه على القائمة المشتركة وقيادتها اتخاذ خطوة مشابهة تجاه مجتمعنا، وعدم ضياع أصواتنا أو عدد لا بأس به يمكن أن يرجح الكفة الانتخابية.
تفصلنا أيام معدودة عن يوم الانتخابات، وعلينا عدم مواصلة اللعب بالأعصاب وشد الحبال، يجب اتخاذ خطوة شجاعة في سبيل انقاذ الآف الأصوات أو عشرات الآلاف من الأصوات العربية، وخسارة مقعد أو أكثر، والذي لن تكون قيمته في إضافة مقعد آخر للمشتركة فحسب، انما في خسارة اليمين وإيقاف خطر تشكيل حكومة يمينية متطرفة وعنصرية. لا يجوز لنا الاستمرار في التغاضي عن المخاطر التي تحيق بنا، وضرورة الالتفات الى واقعنا والمحافظة على حضورنا السياسي وتعزيزه من خلال زيادة تمثيلنا، وأولى الخطوات التي يجب اتخاذها هو التواصل مع حزب "الوحدة الشعبية" وحزب "كرامة ومساواة، وهذا واجب قيادة المشتركة، على قاعدة الوعاء الكبير يسع الوعاء الصغير، حيث يتوجب على قيادة المشتركة المبادرة الى لقاء مع الأخوة في الحزبين العربيين المذكورين، ومساعدتهما بالنزول عن الشجرة بحكمة وتعقل. وعلى قيادات الحزبين الكف عن خداع الناس وكأن هناك التفاف جماهيري واسع حولهما وبأنهما "قاب قوسين" من دخول الكنيست، فهم أبعد ما يكونا عن ذلك، وجل ما يمكن لهما إنجازه هو دفن الآف الأصوات العربية وبعثرتها هباء نحو الليكود، المستفيد الأكبر من تلك العملية.
ولا بأس أن يتعلم قادة المشتركة من نتنياهو، الذي أظهر وما زال مدى حرصه على أصوات اليمين وعدم استفادة الخصوم الذين يسمون "يسار" من بعثرة وتشرذم تلك الأصوات، حيث واصل التفاوض والضغط على فيغلين، ونجح باقناعه بعدم جدوى حرق عشرات الآلاف من أصوات اليمين، واقتنع بذلك ووافق، رغم تصريحاته الإعلامية حتى اللحظة الأخيرة، بأنه لن يتنازل ويستمر في خوض الانتخابات. ولم يكتف نتنياهو بذلك، فهو يواصل مساعيه مع الحزب اليميني العنصري والمتطرف "عوتسما يهوديت"، باقناعه بالانسحاب من الانتخابات مقابل بعض الامتيازات، رغم التصريحات الإعلامية الرافضة لقادة هذا الحزب، وخاصة ابن غفير.
ما يصح من تصريحات اعلامية لا يصح للمفاوضات في الغرف الداخلية، وعلى قادة أحزابنا الى جانب التصريحات الاعلامية العلنية، أن يجلسوا في غرفة مغلقة ويتباحثوا في الأمر بجدية، من أجل الوصول الى اتفاق مرض وتفاهمات مستقبلية، لضمان أصواتنا لأحزابنا، والعمل معا في إيقاف هذا التدهور نحو التصويت للأحزاب الصهيونية وبالذات اليمينية. هذا هو مطلب الساعة، ولم يبق أمامنا وقت كثير لاضاعته أو التلهي به.
[email protected]