في مسابقة "من سيربح المليون"، يتوجب على المتسابق أن يحل أولا الأسئلة البسيطة، ويتدرج تصاعديا إلى أن يصل الى سؤال المليون. لكن أيمن عودة في مسابقة الانتخابات البرلمانية، لم يعمل وفق القاعدة المتبعة وأراد أن يكسر الحواجز، فقفز قفزة عريضة غير محسوبة العواقب، كادت تهوي به وبالقائمة المشتركة. فالقفزة ليست أنها لم تساعده في الوصول الى المليون، انما ألحقت به خسارة جسيمة لم يستعد لها من قبل. ومن المعروف أن أيمن عودة يحسب خطواته جيدا، ويستعد للتحديات على أفضل وجه، لكن في هذه المرة ونظرا للضغط الجماعي الذي يتعرض له وللتسرع وعدم التشاور مع شركائه، بل مع رفاقه، فانه كاد يهوي من الأعلى نحو نقطة البداية.
والمقصود بتلك المقدمة ما أقدم عليه النائب أيمن عودة في مقابلته الصحفية مع "يديعوت أحرونوت" نهاية الأسبوع المنصرم، وما أثارته من ردود فعل وتصريحات مضادة ومواقف معارضة لما جاء فيها، وخاصة في إعلانه أنه على استعداد للدخول في ائتلاف حكومي برئاسة غانتس، رئيس حزب "كحول لفان" في حال تحقيق شروطه. فهل حقق عودة ما خطط له، أم وقع ضحية لعبة صحافية من "يديعوت" المعروفة بأحابيلها الصحافية؟
هناك عدة تحليلات ومقولات واذا ما اعتمدنا عليها، وعلى ما نعرفه عن عودة من خلال نهجه في رئاسة القائمة المشتركة وتصوراته التي يطرحها بين الفينة والأخرى، يمكن لنا أن نتوقف عند بعض النقاط الهامة ومن ثم التوصل الى استنتاجاتنا الخاصة.
الميزة الإيجابية الوحيدة في تصريحات عودة الصحافية، أنه كشف حقيقة الأحزاب الصهيونية الرافضة لنا، والرافضة للشراكة مع الأحزاب العربية، وهذا الرد الرافض من قبلهم يضع أمام المطالبين العرب بالدخول للائتلاف الحكومي الحقيقة العارية، بأنه ليس الأحزاب العربية التي ترفض الدخول للائتلاف أو تشكيل كتلة مانعة، بل هي الأحزاب الصهيونية التي ترفض ذلك، وعلى العرب المطالبين والضاغطين على القائمة المشتركة أن يكفوا عن مطالبتها بدخول الائتلاف الحكومي بأي ثمن أو بدون ثمن حتى. وهذا أعادني سنوات طويلة الى الوراء الى حادثة مقتل رابين، حيث تفاعل المواطنون العرب بغالبيتهم وحزنوا على النهاية المأساوية لرئيس الحكومة آنذاك رابين، الذي قتل من قبل متطرف يهودي على أساس سياسي، يومها كتبت مقالا وقلت فيه بأن اليهود لا يريدوننا أن نشاركهم الحزن، واليوم هم لا يريدوننا في الائتلاف الحكومي، ويفضلون التعاون مع قتلة رابين على التعاون مع الأحزاب العربية.
يذهب البعض الى أن عودة أراد تحريك العملية الانتخابية الهادئة والخاملة، وأنه أراد احراج حزب "كحول لفان"، أو امتحان الأحزاب الصهيونية، لكن خطأ عودة يبقى أنه بادر الى تلك الخطوة دون العودة الى شركائه والتشاور معهم، فهو لا يرأس قائمة خاصة به أو بحزبه (الذي عارض تصريحاته تلك أيضا)، لهذا رأيناه يعود بخفي حنين من هذه الغزوة. فاللوم يجب أن يوجه أيضا الى عودة، الذي لم يحسب لخطوته هذه الحساب الصحيح، وليس للأحزاب العربية التي سارعت الى انتقاده والتملص من هذا التصريح الذي لا يعكس موقف المشتركة فعلا. وليست الأحزاب العربية التي سارعت الى معارضة تصريحات عودة، بل " كحول لفان" ممثلا برئيس " يش عتيد" أكبر حزب في مشتركة "كاحول لفان" الذي هاجم عودة، وبالطبع هاجم بحقد بارز أعضاء التجمع واعتبرهم معادين للدولة، معلنا " لا يمكن لأيمن عودة أن يقول أنه سيجلس معنا في حكومة، ويضم اليه التجمع، مجموعة من كارهي إسرائيل الذين لا يعترفون بالدولة اليهودية". وأضاف غابي أشكنازي أحد قادة الحزب " لا يمكننا الجلوس مع الأحزاب العربية التي لا تعترف بدولة إسرائيل كدولة الشعب اليهودي".
وفي هذا الصدد، أستغرب ما ذهب اليه الكاتب عودة بشارات في مقاله في "هآرتس"، الجمعة الماضي، حيث صب جام غضبه على التجمع ومعارضي تصريحات عودة، بينما تجاهل تصريحات لبيد وغيره من قادة الأحزاب الصهيونية العنصرية والمعادية للعرب، فالأحزاب العربية ليست هي التي وضعت نفسها في "سلة واحدة"، فها هو حزب "كاحول لفان" يوقع فائض أصوات مع "يسرائيل بيتينو"، الأمر الذي يتجاهله البعض منا، من الذين استسهلوا عملية جلد الذات وتوجيه الهجوم على أحزابنا فقط. حتى "ميرتس" تحالف مع ايهود براك المعروف بممارساته المعادية للعرب، وافشاله العملية السلمية مع السلطة الفلسطينية. أما نجاح أبنائنا في مجال الهايتك وغيره – الذي يشير اليه بشارات- انما جاء بفضل كفاءاتهم وليس منة من الشركات، كما أثبت لاعبو كرة القدم العرب كفاءاتهم في الفرق اليهودية، فلو لم يكونوا أفضل من اللاعبين اليهود لما تم استقبالهم في الفرق اليهودية. وهل نسي البعض منا أن هناك قوانين تقضي بتمثيل العرب بنسبة معينة في الوظائف الحكومية، ولم تقم الحكومات المتعاقبة بتنفيذ القوانين، فلماذا يتم تجاهل هذا الأمر وعدم مطالبة الوزارات بتنفيذ ما نص عليه القانون؟ وفي الوقت الذي تجاهل فيه بشارات تصريحات قادة الأحزاب الصهيونية، حسنا فعلت صحيفة "هآرتس"- مشكورة- في افتتاحيتها (الجمعة 23/8/19)، حين أشارت الى الحملة الشرسة من جانب أحزاب اليمين والمركز ردا على مبادرة عودة. ولم تر الصحيفة فرقا بين "كحول لفان" و"الليكود" في رفضهما لاشراك العرب، قائلة "ليس ان هذا الرفض يلغي أي إمكانية لاقامة حكومة يسار - مركز في إسرائيل فحسب، بل انها تمنح دفعة أخرى للعنصرية، التي تعتمدها غالبية الأحزاب في إسرائيل".
ختاما يجب التأكيد على أن أي مبادرة من الأحزاب العربية للدخول في ائتلاف حكومي لن تقابل الا بالرفض من قبل الأحزاب الصهيونية، التي لم تنظر ولا تنظر الينا اليوم كشركاء لها أو نقف على قدم المساواة معها، علينا أن نكف عن هذا الوهم الذي عمل البعض على إدخاله لتفكيرنا، وما الرد العنصري الفاضح على تصريحات عودة الا مثال على ذلك، وأتمنى ألا يخرج علينا أحد من أبناء جلدتنا مقترحا أن نتخلى عن هويتنا ولغتنا، وأن نقبل بقانون "القومية" وأن نبادر للدخول للحكومة، من هو بلا كرامة فليقدم على خطوة كهذه.
[email protected]